احتلت قرارات السياسة النقدية الصادرة من البنوك المركزية مع ارتفاع معدلات التضخم لمعدلات قياسية، صدارة المشهد هذا الشهر، حيث كان المحرك الرئيسي للسوق في هذا الشهر المتقلب هو ميل العديد من البنوك المركزية ا تجاه تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، لاسيما بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث حصلت الأسواق على إشارتين بشأن اتجاه لجنة السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر: الأولى عند إصدار محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لشهر ديسمبر في مطلع شهر يناير، والثانية هي نتائج اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لشهر يناير، والمؤتمر الصحفي لرئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم بأول، قرب نهاية الشهر.
وأشار هذان الحدثان إلى ميل الاحتياطي الفيدرالي ناحية تشديد السياسة النقدية بشكل كبير، بالإضافة إلى استعداده في الوقت الحالي لرفع أسعار الفائدة في وقت مبكر عما كان متوقعًا، وذلك في ظل بدء المناقشات حول تقليص الأصول بميزانية البنك الفيدرالي.
أدى هذا الأمر إلى استعداد الأسواق لدورة من تشديد السياسة النقدية بشكل أكثر حدة عن ذي قبل.
وزاد المشاركون في السوق أيضًا من توقعاتهم حول قيام بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة، حيث وصل التضخم في كلتا المنطقتين إلى مستويات قياسية مرتفعة، مع إشارة المسؤولين من كلتا المنطقتين إلى ضرورة قيام بنك إنجلترا بمزيد من الرفع لأسعار الفائدة، وإلى ضرورة بدء البنك المركزي الأوروبي لدورة تشديدية في القريب العاجل.
وشهد الشهر أيضًا رفع العديد من البنوك المركزية بالأسواق الناشئة لأسعار الفائدة وسط ارتفاع لمعدلات التضخم، وعلى خلفية ميل الاحتياطي الفيدرالي تجاه تشديد السياسة النقدية.
وتسلط الضوء هذا الشهر أيضًا على حدث كبير أخر وهو تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية مع اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مما أدى إلى تدهور معنويات المستثمرين تجاه المخاطرة بشكل أكبر.
وعلى صعيد البيانات الاقتصادية، بشكل عام، دعمت البيانات الصادرة، خاصة تلك المتعلقة بالتضخم وسوق العمل، ميل البنوك المركزية تجاه تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر.
أدى هذا الأمر بدوره إلى جانب اندلاع التوترات الجيوسياسية إلى اضطراب الأسهم هذا الشهر، حيث سجلت الأسهم خسائر على مستوى جميع القطاعات. وخسرت سندات الخزانة أيضًا، حيث ارتفعت عوائد سندات الخزانة على خلفية زيادة معدلات التضخم، وتحسبًا لرفع أسعار الفائدة المقبل.
وفي هذه الأثناء، وصل الدولار إلى أعلى مستوى له في 18 شهرًا، بينما ارتفع النفط حتى وصل إلى أعلى مستوى له في 7 أعوام. وفي النهاية، ذكر صندوق النقد الدولي، في تحديثه لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي، أنه من المتوقع للنمو العالمي أن يسجل تراجعًا من 5.9% في عام 2021 إلى 4.4% في عام 2022 – بانخفاض قدره نصف نقطة مئوية لعام 2022 عن توقعات إصدار شهر أكتوبر الماضي.
وترجع الأسباب الرئيسية وراء هذه المراجعة الهبوطية إلى خفض توقعات النمو لكلًا من اقتصاد الولايات المتحدة والصين، ففقد خُفضت التوقعات للولايات المتحدة استنادًا إلى افتراض معدَّل "يستبعد من السيناريو الأساسي تطبيق حزمة السياسات المالية العامة والتي أطلق عليها "إعادة البناء للأفضل"، وتشديد السياسة النقدية، واستمرار نقص الإمدادات. وفي الصين، ذكر صندوق النقد الدولي أن التوقعات قد خُفضت جراء الانكماش الجاري في قطاع العقارات، "وبطء تعافي الاستهلاك الخاص مقارنة بالتوقعات".
انصب تركيز السوق الرئيسي هذا الشهر على ميل الاحتياطي الفيدرالي تجاه تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، حيث تم إزاحة الستار لأول مرة عن هذا الاتجاه في محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لشهر ديسمبر، والذي تم إصداره خلال الأسبوع الأول من شهر يناير، حيث عزز محضر الاجتماع التصريحات السابقة التي تفيد بأن الخفض التدريجي لبرنامج شراء الأصول مستمر كما هو مخطط له، وأن الاقتصاد سيحقق قريبا الحد الأقصى من التوظيف مما سيساهم نسبياً في زيادة التضخم وستكون هناك حاجة لزيادة وتيرة رفع أسعار الفائدة في القريب العاجل.
وكان الأمر الذي فاجأ الأسواق هو سرعة وتيرة الاحتياطي الفيدرالي عند النظر في التشديد الكمي، إذ كشف محضر الاجتماع عن استعداد اللجنة للبدء في تطبيع حجم الميزانية العمومية بمجرد رفع أسعار الفائدة للنطاق المستهدف لمعدل الأموال الفيدرالية، وأن وتيرة هذا التطبيع ستكون أسرع بكثير مقارنة بالتطبيع السابق الذي حدث في عام 2017، واستغرق عامين تقريبًا.