مع احتدام أزمة توفير العملات الأجنبية في مصر، تظهر تمويلات المشروعات الخضراء كمصدر هام لتوفير الدخل الأجنبي، خاصة أنها عادة تكون ذات غرض تنموي ويمكن تسديدها على المدى الطويل.
الاقتصاد
ويعكس حجم التمويلات الدولية ثقة المؤسسات حول العالم في أن الاستثمارات من هذا النوع ستجد أرضاً خصبة في القاهرة، إذ حصدت البلاد ما يقارب 200 مليون يورو من مرفق تمويل الاقتصاد الأخضر التابع للبنك الأوروبي؛ لإعادة الإعمار في إطار المرحلة الأولى من البرنامج.
نجاح جاذب للتدفقات
من جانبها، رشحت الرئيس التنفيذي للجمعية الإفريقية للاستثمار المباشر AVCA، آبي مصطفى مادواكور، مصر لاقتناص استثمارات مباشرة ضخمة في قطاع الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر بشكل عام.وأضافت، أنّ النجاح في استضافة مؤتمر كوب 27، لفت أنظار العالم لجهة الفرص الواعدة في مصر بهذا القطاع على وجه الخصوص.
نجاح جاذب للتدفقات
ويستهدف البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بالشراكة مع بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية البرنامج، مساعدة شركات القطاع الخاص صغيرة الحجم على الاستثمار في مشاريع كفاءة الطاقة والتكنولوجيا الخضراء.بجانب تقديم صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة، تمويلات لـ 4 مشروعات في مصر بقيمة إجمالية 297 مليون دولار في قطاعات متعددة.
نمو مستمر
وفي هذا الصدد، أفاد مدير مشروع الإبلاغ الوطني الرابع للتغيرات المناخية، التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الدكتور سمير طنطاوي، بأنّ حصة مصر من التمويلات الخضراء ارتفعت بشكل كبير خلال آخر 3 سنوات في إطار الالتزام بالمعايير الدولية.ويضيف، أنّ على الدول الصناعية الكبرى توفير تمويلات بقيمة 100 مليار دولار سنوياً؛ وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2009 في كوبنهاغن، لكنها لم تلتزم بذلك حتى الآن.
ويؤكّد أنّ الأزمات الاقتصادية الحالية تُهدد استدامة هذا النوع من التمويلات، المقدمة من الدول الصناعية الكبرى خلال الفترات المقبلة؛ نظراً لما فرضته الحرب الروسية الأوكرانية من ضرورة تخفيض النفقات.
ويعتبر طنطاوي أنّ التغير المناخي لا يزال هو التحدي الأكبر أمام الأجيال القادمة، حيث تشير الدراسات البحثية إلى ضرورة العمل لحل تداعيات أزمات المناخ سريعاً.
ويقول الخبير المصري إنّ دولاً أوروبية تبحث الاستفادة من الفرص الواعدة بقطاع الطاقة المتجددة، الموجودة في مصر تحديداً؛ حيث استطاعت الأخيرة تحقيق طفرة في التخلص من الفحم بنسبة كبيرة، عبر مزيج الطاقة.
وقطعت مصر خطوات كبيرة أخيراً نحو توطين الطاقة المتجددة في خلال السنوات الأخيرة، أهمها:
دشنت عدة مشاريع للطاقة المتجددة على رأسها محطة بنبان للطاقة الشمسية التي تضم 32 محطة يمكنها توليد 1650 ميجاوات.
منحت الحكومة في وقت سابق، رخصة ذهبية لإنشاء مصانع إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بتكلفة استثمارية تبلغ 6 مليارات دولار.
الكهرباء إلى أوروبا
تلى ذلك، اتفاق بين صندوق مصر السيادي، وشركة 'سكاتك' النرويجية وشركة فيرتيغلوب الإماراتية لإنتاج الأمونيا وأوراسكوم كونستراكشون، مطلع الشهر الماضي، لإنشاء وتشغيل مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة، بطاقة إنتاجية 100 ميجاوات.
الكهرباء إلى أوروبا
بدوره، يقول المحلل المالي المصري، مصطفى شفيع، إن التمويلات الخضراء لمصر، تُعدّ عاملاً مساعداً في حل أزمة توفير العملات الأجنبية للبلاد.
ويوضح أنّ الحكومة تبحث بجهود حثيثة توفير تمويلات بآجال سداد طويلة، حتى لا تضغط على موارد العملات الأجنبية على المدى القصير.
كما لفت إلى أنّ الموارد المستدامة للعملات الأجنبية ستكون هي المنقذ الوحيد، لا سيّما أنه يقع عليها العبء الأكبر في سد عجز الموازنة وعدم تأخر مصر في سداد التزاماتها المالية.
ويتابع: 'شرعت أوروبا بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية في البحث عن بدائل؛ لتوفير إمدادات الطاقة بكافة أنواعها، وحلت مصر في المركز الثالث بعد الجزائر وقطر، نظراً لعوامل جغرافية وقربها من القارة العجوز'.
'ولنفس الظروف المتعلق بالحرب الأوكرانية، وقطع إمدادات الغاز الروسي عن أوروبا، تستهدف دول الاتحاد الأوروبي أيضاً استيراد الكهرباء باتفاقات طويلة الأجل من مصر بعد'.
وتبحث القاهرة حالياً إنشاء 4 مشاريع ربط لشبكات الكهرباء الخاصة بها مع أوروبا، الأول مع اليونان وقبرص من خلال كابل بحري واحد كجزء من مشروع يورو أفريكا إنتركونيكتور منذ عام 2018.
كما تدرس مشروعين آخرين للربط بين مصر واليونان، الأول بقدرة 3 غيغاوات وآخر بقدرة 2 غيغاوات، وتبحث مصر وإيطاليا أيضاً مشروع آخر بقدرة 3 غيغاوات.
شهدت الأيام الأخيرة عدة اتفاقات مصرية - أوروبية على مشاريع جديدة، آخرها استضافة السفارة السويدية بالقاهرة منذ أيام لفعالية، تركز على ربط الطاقة بين أوروبا ومصر، وشهدت توقيع اتفاق بنك الاستثمار الأوروبي مع بنك الإسكندرية لتوفير 15 مليون دولار.
يهدف الاتفاق إلى إقراض المشاريع الخضراء، على أن يدبر البنك الأوروبي تلك الأموال من خلال برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر لمصر (GEFF).
وناقش المشاركون في الفعالية كيفية دعم أوروبا لتمويل الانتقال الأخضر لمصر، وكيفية تصدير الطاقة المتجددة المولدة في البلاد إلى القارة العجوز.
ليست بديلاً
تجري مصر تعاوناً وثيقاً مع المؤسسات الدولية، حيث أطلقت الحكومة المصرية والأمم المتحدة خلال الأسبوع الجاري أيضاً، الإطار الاستراتيجي للشراكة من أجل التنمية المستدامة 2023-2027 بالقاهرة.وتشمل الأهداف الخمسة لإطار الشراكة الممتدة لـ 4 سنوات تعزيز الخدمات العامة، وتحسين حقوق المرأة، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والحدّ من الاقتصاد غير الرسمي، لكن هل يكفي الدعم الأممي لمثل هذه المجالات لحل الأزمات الاقتصادية الكبرى؟
في هذا الصد، يشدد الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع، على أنّ طرق التمويل التقليدية لحل أزمة الدولار في مصر لا يمكن استبدالها بتمويلات مقدمة للمشاريع الخضراء.
ويوضح، أنّ السندات الخضراء عالمياً على سبيل المثال، لا زالت لا تمثل أكثر من 5 بالمئة من إجمالي التنفيذات في سوق السندات.
ويشير إلى أنّ الدول الصناعية الكبرى قد تؤجل خطط التوجه نحو تخفيض الانبعاثات الكربونية مع استمرار الأزمات الاقتصادية التي يمر بها حالياً الاقتصاد العالمي من ارتفاع معدلات التضخم ومخاوف الدخول في حالة ركود.