د. شريف الدمرداش: دخلنا هذه المرحلة بدليل توافر جميع السلع مع إحجام وعدم قدرة المواطن على شرائها
خبير اقتصادى: عندما تدخل الدول هذه المرحلة فهذا معناه سياسات اقتصادية وقرارات خاطئة
الخبير الاقتصادي أحمد خطاب: الحكومة عليها الخروج من القطاع الخاص
الركود التضخمي هو المصطلح الاقتصادى الذى يمثل الصندوق الأسود لسوء إدارة اقتصاد الدول، أي بمعنى أكثر وضوحًا هو السيناريو الأسوأ الذى تحاول جميع الدول عدم الدخول فيه، لأنه يمثل وضعًا اقتصاديًا معقدًا، أهم سماته ارتفاع ملحوظ في التضخم مصحوب بمعدل بطالة مرتفع متزامنًا مع نمو اقتصادي متباطيء.
برز مصطلح الركود التضخمى فى الشارع المصرى مع الارتفاع الأخير فى أسعار الوقود والمحروقات، وهذا الارتفاع الذى لم يكن المصريون مستعدين له، بل استبعد البعض احتمالية إقدام الحكومة عليه نظرًا للوضع الاقتصادى الحرج والمتفاقم لدى المواطن المصرى.
ولكن تلك الافتراضات الشعبية المتفائلة لم تتحسب عواقب تأجيل تلك الخطوة من رفع الدعم عن الغاز والمحروقات تدريجيًا وتأثير ذلك على مراجعات صندوق النقد الدولى الذى يعتبر رفع الدعم أحد أهم معايير الإقراض لديه، وأن جدول رفع الدعم تدريجيًا يجب أن يتم تحت أى ظرف كان لضمان استمرار التدفق النقدى للقرض الدولى.
واعتبر رفع الدعم الأخير والذى تم الجمعة الماضية، الأكثر قسوة على الشارع المصرى هذا العام، إذ بلغت الزيادة هذه المرة ١٧٪ وهى الزيادة الثالثة، والأكثر قسوة في سابقتيها هذا العام، واللتين حدثتا فى يوليو بزيادة قدرها ١١٪ وإبريل بزيادة قدرها ١٠٪، ما دعا رئيس الجمهورية فى آخر خطاباته أن يطلب من المسئولين عن التفاوض مع البنك الدولى مناقشه شروط أقل صرامة لتجنب إجراءات أشد قسوة على المواطنين .
مصر دخلت فى الركود التضخمي
وفى البحث عن أسباب الركود التضخمى، توجهت 'أهل مصر'، بالسؤال للخبير الاقتصادى الدكتور شريف الدمرداش، للوقوف على حقيقة الوضع وهل دخلت مصر فى مرحلة الركود التصخمى أم أننا مازلنا فى مرحلة الأمان الاقتصادى والتى تمكنا من تجنب الدخول فى الركود الاقتصادى .السلع موجودة ومتوفرة ولكن لا تباع ولا تشترى وفقًا لآليات العرض والطلب فلو زاد الطلب ارتفع السعر ولو خف الطلب زاد السعر، وهذا عكس ما يحدث فى الواقع، فرغم انخفاض الطلب على جميع السلع، ترتفع الأسعار بشكل قياسي .
كانت هذه إجابة الدكتور شريف الدمرداش عند سؤاله عن المفهوم الاقتصادى للركود التصخمى، وأضاف فى تصريحاته لـ'أهل مصر'، أن هذه الظاهرة الاقتصادية هى الاسوأ فى كل ما يمكن أن تتعرض له الدول فى أزماتها الاقتصادية، لأن السعر هو نقطة الإتزان الحقيقة فى العرض والطلب، والركود التضخمى يسبب خللًا اقتصاديًا يجعلك مشلولًا لأن علاجه خارج أدوات الاقتصاد التى تملك لها أدوات أو رؤية، فأنت أمام معضلة حقيقية، فعلاج التصخم يزيد من الركود، وعلاج الركود وحده يزيد التضخم .
ويحدث الركود التضخمى فى الدول نتيجة لانخفاض قيمة العملة المحليه أمام الدولار فالقيمة الشرائية منخفضة لعملتك، فى الوقت الذى تعتمدى فيه على الدولار لتوفير ما يزيد عن ٨٠٪ من احتياجاتك كدولة من المواد الغذائية ومواد الصناعة والصناعة الوسيطة كذلك .
وأضاف: 'الدولة لا تنتج ونضطر لاستيراد جميع ما ينقصنا من سلع أساسية وترفيهية ما يجعل توفير الدولار دومًا أمرًا صعبًا .
ويرى الخبير الاقتصادى دكتور شريف الدمرداش، أن مصر قد دخلت فعليًا فى أزمة الركود التضخمي، ودلل على ذلك بتوافر جميع السلع مع إحجام وعدم قدرة المواطن على شرائها، فمثلًا التكييف موجود واشتكى المصريون من الحر الشديد هذا العام والأجهزة متاحة فى الأسواق بكثافه بسعر يتجاوز ٣٥ ألف جنيه، ومع ذلك لم يتمكن المواطن من الشراء، والكثير من السلع الأخرى كذلك تقع تحت نفس المؤشر .
مصر ارتكبت خطيئتين اقتصاديتين
وعن أسباب الركود التضخمى، قال 'الدمرداش': لقد ارتكبنا خطيئتين كارثيتين، أولهما التعويم وثانيتهما الاستدانة من صندوق النقد، فكيف تقوم دولة تستورد أكثر من ٨٠٪ من احتياحاتها بالدولار بتخفيض قيمة عملتها أمام الدولار؟ثانيًا: كيف نستدين من صندوق النقد الدولى لتمويل مشاريع لا تدر عائدًا ولا ربحًا ونبني استثمارات طويلة الأجل بقروض قصيرة الأمد من صندوق النقد؟
هذه القروض كان من الواجب أن توجه للبناء والاستثمار وبناء المصانع وعمل دورة صناعية تدر على الدولة أموالًا وعملة صعبة من التصدير للخارج وتحقق اكتفاءًا ذاتيًا وتوفر الدولار الاستيرادي،، ولكن للأسف ذلك لم يحدث وتم صرف القروض فى مشاريع فعلًا عمالقة ولكن لا تدر دخلًا.
وعن علاج الركود التضخمى، يرى الخبير الاقتصادى، أن هناك حلين لابد لمصر أن تسرع بهما للخروج من تلك الأزمة، أولهما: أن نتوقف عن المزيد من القروض حتى لا تنهار قيمة الجنيه الشرائية أكثر من ذلك .
ثانيًا أن تخرج الدولة من القطاع الخاص وتكف عن منافسة القطاع الخاص وتدعمه بالكثير من المنح والقروض ليتمكن من توفير فرص عمل وتوفير فائض دولارى من التصدير، وتحقيق الاكتفاء الذاتى لبعض السلع، ووقف استيراد السلع غير الضرورية بما يمكن من عودة القيمة الشرائية للعملة المحلية.
انفتاح اقتصادي
فيما يرى الخبير الاقتصادى أحمد خطاب، أن مصر للآن لم تدخل مرحلة الركود التصخمي، ويرى أن مصر كانت تسير بخطوات جيدة نحو الانفتاح الاقتصادى حتى أصيب العالم كله بالشلل الاقتصادى إثر جائحة كورونا والتى لم تتعاف منها مصر حتى لحقت بنا الحرب الروسية الأوكرانية والتى كان لها أكبر الأثر فى الإضرار بالاقتصاد الوطنى، ولأن مصر فى وضع حساس من العالم تتأثر بكل ما يحدث فيه ويؤثر على نموها الاقتصادى أى صراع فى المنطقة، فالحرب الإسرائيلية والاعتداء على غزة لمدة عام كامل واحتمال دخول المنطقة فى حرب إقليمية بين إيران وإسرائيل، قد يعرض مصر للخطر ويؤثر على الاقتصاد المصرى مجددًا.كما أن انخفاض دخل قناة السويس وما يفعله الحوثيون بالمنطقة كان له تداعيات سيئة على وضع مصر الاقتصادى، وانخفاض الدخل القومى، ومع كل ذلك فأنا متفائل جدًا فهناك الكثير من الاستثمارات العربية التى دفعت عجلة الاستثمار فى مصر مثل رأس الحكمة، واستثمارات سعودية فى الطريق، كما أن قمة البريكس أراها خطوة هامة على الطريق، فسنتعاون مع دول أخرى مثل الصين والهند بعملات تبادلية أو عملة موحدة للبريكس ما يخفف الضغط على الدولار ويؤدى ذلك إلى انتعاش العملة المحلية.
وأضاف الخبير الاقتصادى، أنه يرى انفتاحًا على القطاعات السياحية وقطاع الغاز والبترول، واتفاقات جديدة فى الأفق مع شركة إينى وغيرها من الشركات العملاقة، كما أن هناك اكتشافات ذهبية جديدة وتطوير عقارى وصناعي .
وأشار إلى أن رسالة بايدن لنتنياهو بضرورة وقف الحرب هى رسالة قد تؤثر على المنطقة كلها بشكل إيجابى، وعلى مصر بشكل اقتصادى أكثر .
ضروري خروج الدولة من القطاع الخاص
كما يرى أن الحكومة فى مصر الآن يجب عليها الخروج من القطاع الخاص وتتنازل الدولة عن الشراكة فى المشاريع العملاقة، وتكتفى بالدور التنظيمي فقط، فالمترو مثلا من قبل كانت شركة فرنسيه هي التي نفذته، ولا مانع من تكرار التجربة فى مشاريع قومية أخرى وإسنادها إلى شركات عملاقة أجنبية، أو رجال أعمال مصريين مثل مشروع صوامع القمح والغلال، فرجال الأعمال المصريين يملكون فائضًا نقديًا وبدأوا يستثمروا أموالهم فى الخارج، مثل السعودية والمغرب والإمارات، ومصر أولى بتلك الأموال والاستثمارات.
وأضاف أنه عند توفير فرص استثمارية واعدة ومحفزات استثمارية سيعود رجل الأعمال المصرى للاستثمار فى مصر، وفتح فرص عمل ومصانع، وزيادة فى الإنتاج تجعلنا قادرين على وقف الاستيراد وتوفير العملة الصعبة وعودة التصدير بقوة، ومن ثم عدم الدخول فى الركود التضخمي، الذى يمثل أزمة لأى دولة يصعب الخروج منها.