اعلان

الاقتصاد المصري يعبر التحديات الكبرى.. سداد قياسي للديون

أداء الاقتصاد المصري
أداء الاقتصاد المصري

شهد الاقتصاد المصري في السنوات الأخيرة سلسلة من التحديات العميقة التي فرضتها الأزمات العالمية والإقليمية، بدءًا من تداعيات جائحة كورونا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، وانتهاءً بالنزاعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع ذلك، لم تكن هذه الأزمات وحدها هي التي شكلت ضغطًا على الاقتصاد المصري، بل أضافت إليها التزامات الدين الخارجي الثقيلة وأزمة نقص العملات الأجنبية،وقد تمكنت الدولة من مواجهة هذه الأزمات عبر تبني سياسات نقدية ومالية صارمة، وتحقيق إنجازات استثنائية مثل سداد قياسي للديون، وزيادة احتياطي النقد الأجنبي، والقضاء على السوق السوداء، مما يمهد الطريق لمستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا في عام 2025.

قال دكتور رمزى الجرم الخبير الاقتصادى، إن حِدة الأزمات المالية التي تَعرضَ لها الاقتصاد العالمي، بدءًا بجائحة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية ثم الأزمة التي خلفتها النزاعات المسلحة في منطقة الشرق الاوسط كان لها تداعيات سلبية على كافة الاقتصادات العالمية وبشكل خاص طائفة الاقتصادات الناشئة التي من بينها الاقتصاد المصري ؛ إلا أن الاقتصاد المصري كان يواجه تحديات أخرى اضافية بخلاف تلك التحديات، والمتمثلة في تزايد ضغوط اقساط الدين الخارجي الواجبة السداد في عامي 2023 & 2024 .

وأوضح الجرم ، أن تلك التحديات كانت تُمثل مخاطر شديدة للغاية على خلفية ضخامة قيمة الاقساط المستحقة وفوائد الدين الخارجي ، بالاضافة إلى أن توابع ازمة كورونا ظلت مستمرة فترة من الوقت ؛ مما خلقَ ازمات فرعية ربما كانت أكثر حدة ، نتيجة قيام الفيدرالي الأمريكي بطبع المزيد من الدولار بأكثر من 6 تريليونات دولار خلال أزمة كورونا من أجل الحفاظ على مستويات التشغيل والعمالة عند الحدود الآمنة.

وأكد أن هذا التوجه نتج عنه تزايد مُعدلات التضخم في الاقتصاد الأمريكي بشكل غير مسبوق والذي لم يَحدُث قبل اكثر من أربعون عامًا مضت ، وربما هذا ما أجبر صانعي السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية من رفع اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض، من اجل سحب الكتلة النقدية الزائدة بالأسواق، لتَتَناسب مع قدرة الجهاز الانتاجي في السوق الامريكي، مما أدى الى نزوح المزيد من الاستثمارات الاجنبية في ادوات الدين الحكومية في كافة الاقتصادات العالمية وبشكل خاص طائفة الاقتصادات الناشئة ؛ للاستثمار في الاقتصاد الامريكي، نتيجة زيادة جاذبية اسعار الفائدة الامريكية فضلاً عن الأمان الذي يتوافر في السوق الأمريكي عن غيره من الاقتصادات الأخرى.

وأضاف أن الأمر أدى إلى نزوح اكثر من 23 مليار دولار من السوق المصري في الأربع شهور الأولى من عام 2022، مما خلق أكبر أزمة مصرفية في تاريخ البلاد ، والذي أجبر صانعي السياسة الاقتصادية والنقدية في البلاد من تَبني العديد من السياسات والإجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية الشديدة لمواجهة هذا التطور الخطير ، ومن اهمها: التخلي عن سياسة الاسعار الثابتة للصرف الأجنبي والاتجاه نحو سياسة الاسعار المرنة المُدارة ثم تَبني سياسة الأسعار المرنة للصرف الأجنبي بشكل كامل خلال الفترة الحالية ، وتعويم العملة المحلية امام الدولار الأمريكي لأربع مرات بخلاف التعويم الذي تم تنفيذه في نوفمبر 2016 ، والذي على إثره فقدت العملة المحلية نحو 84٪ من قيمتها قبل تنفيذ التعويم الأول سالف الذكر.

وتابع الخبير الاقتصادى، أنه قد واجه الاقتصاد المصري العديد من التحديات الشديدة في عامي 2023 & 2024 تحديدًا، حيث تم سداد نحو 32 مليار دولار في عام 2023، وسداد نحو 38.6 مليار دولار في عام 2024 حتى نهاية ديسمبر الجاري ، وفق تصريح دولة رئيس الوزراء يوم الاربعاء الماضي الموافق 25 منه؛ مما كان له أكبر الأثر في نقص المعروض من الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى في السوق المصري، والذي انعكس بشكل كبير على سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى، والذي ارتفع ليصل في بعض الحالات لمستوى 50.84 للدولار الواحد.

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أن تنفيذ أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر في رأس الحكمة؛ كان لها انعكاسات إيجابية ملموسة على تحسين كافة المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري، ودعم قدرة البنك المركزي المصري على اجراء أخر تعويم في مارس الماضي بنجاح غير مسبوق ، على خلفية توافر موارد دولارية كافية لحماية العملة المحلية امام الدولار الأمريكي، من خلال تدبير الموارد الدولارية الكافية للإفراج عن البضائع المُكدسة بالموانئ المصرية، وتلبية طلبات المستوردين لفتح الاعتمادات المستندية من خلال الجهاز المصرفي الرسمي ، مما ادى إلى تجفيف منابع السوق السوداء للصرف الأجنبي، والقضاء عليها بشكل كامل ، إذ ان وجود سوق مواز للصرف الاجنبي؛ كان يشكل أحد اهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، ويعوق تدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة للبلاد.

وأكد أن قرارات مارس الماضي، والتي كان من أهمها رفع اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 600 نقطة اساس دفعة واحدة بخلاف ما تم في الاجتماع السابق له الذي انعقد في الاول من فبراير من رفع سعر الفائدة بواقع 200 نقطة أساس، أثرًا كبيرًا في ضبط الأمور وعدم خروجها عن السيطرة، على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتجاوز الحدود الآمنة، هذا بالتزامن مع تنفيذ صفقة رأس الحكمة كانا لهما أكبر الأثر في ظهور تَحسُن ملحوظ في المؤشرات الكلية للاقتصاد المصري مع بداية الربع الأخير من العام الجاري.

وأوضح أن ذلك يتضح من خلال زيادة قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي المصري لتقترب من 47 مليار دولار او ما يعادلها من العملات الأجنبية الاخرى، والذي يغطي فاتورة استيراد السلع الضرورية ومستلزمات الانتاج لأكثر من ثمانية أشهر ، فضلاً عن صرف شريحتين من الدفعة الأولى لقرض صندوق النقد الدولي بعد اجراء المراجعات اللازمة ، بل والإنتهاء من اجراء المراجعة الثالثة لصرف 1.2 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، ورفع درجة التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري واربع بنوك حكومية وخاصة تعمل في مصر من قِبل وكالات التصنيف العالمية من (B-) إلى (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة.

وأشار الجرم إلى أن هذا التحسن الذي تم إحرازه في نهاية العام 2024 ، سيستمر وبشكل أفضل في العام القادم ، على خلفية الانتهاء من سداد اقساط الدين الخارجي لعامي 2023 & 2024 بقيمة تجاوزت 70.6 مليار دولار امريكي، وهذه القيمة تعتبر الأكبر على الإطلاق فيما يتعلق بالدين العام الخارجي ، خصوصًا إذا ما علمنا أن اقساط الدين الخارجي لمصر في النصف الأول من عام 2025 تبلغ نحو 13.8 مليار دولار، أما قيمة الاقساط المستحقة في النصف الثاني من العام نفسه؛ نبلغ نحو 8.6 مليار دولار امريكي، وهذا يُفسر كيف يمكن التوقع بحدوث انفراجه كبيرة في العام القادم فيما يتعلق باستقرار سوق الصرف الأجنبي ، خصوصا في النصف الثاني منه.

ويتوقع الخبير الاقتصادى ،حدوث انخفاض ملحوظ في سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية الأخرى امام الجنيه المصري، بما قد يصل الى نحو 45 جنيه للدولار الواحد في بداية النصف الثاني من عام 2025 ، مع التأكيد على أن ارتفاع سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية الأخرى امام الجنيه المصري خلال الفترة الحالية، من الأمور الطبيعية التي تحدث في نهاية العام وبداية عام جديد، نتيجة قيام بعض المستثمرين الأجانب بتوزيع ارباحها بنهاية العام وتستمر حتى منتصف الربع الاول من العام القادم وتحويلها للشركة الأُم بالخارج ، مما يضغط على المعروض من الدولار الأمريكي ، وهذا من شأنه أن يرفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري الى نحو 52 جنيه على أقصى تقدير خلال تلك الفترة، بعدها سنلاحظ انخفاض ملحوظ في سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية للاسباب سالفة الذكر وبشكل ملحوظ في مايو 2025.

على جانب اخر، يري الخبير الاقتصادى ، إن الزيادة الملموسة في تحويلات العاملين بالخارج منذ تَبني قرارات مارس الماضي، سوف يدعم سعر صرف العملة المحلية امام الدولار الأمريكي، حيث قفزت تحويلات العاملين بالخارج بمعدل 42.6٪ مع نهاية الربع الثالث من العام الجاري بقيمة قدرها 20.8 مليار دولار مقابل 14.6 مليار دولار عن نفس الفترة من عام 2023 ، بل بلغت قيمتها في شهر سبتمبر الماضي فقط نحو 2.7 مليار دولار مقابل 1.3 مليار دولار عن نفس الشهر من العام السابق له ، فضلاً عن تزايد الاقبال على التنازل عن الارصدة الدولارية التي بحوزة عملاء البنوك للحصول على قيمتها بالعملة المحلية، والتخلص من ظاهرة الدولرة، خصوصًا في ظل توفير منتجات مصرفية مرتفعة العائد بالجنيه المصري، وهذا التطور سيصل الى مستويات أعلى خلال الفترة المقبلة، نتيجة تحقيق المزيد من الاستقرار الاقتصادي والنقدي في البلاد وعدم وجود أي سبيل لعودة السوق السوداء للصرف الأجنبي من جديد، مما يخلق المزيد من الثقة من قِبل العاملين بالخارج في قوة الاقتصاد المصري وعدم وجود قنوات اخرى لتحويل اموالهم غير القنوات الرسمية المتمثلة في الجهاز المصرفي الرسمي ، هذا كله مدعومًا بالتوقعات المتفائلة من قِبل المؤسسات المالية العالمية بشأن تحقيق معدلات نمو مرتفعة للاقتصاد المصري ؛ قد تصل الى نحو 4.1٪ وفق توقعات صندوق النقد الدولي ، بالمقارنة بمستهدفات الحكومة عند مستوى 5٪ في العام المالي 2025 /2026، وارتفاع قيمة الصادرات غير النفطية وتحقيق زيادة ملموسة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، على خلفية توقعات بتنفيذ صفقات استثمار اجنبي مباشر جديدة على غرار صفقة رأس الحكمة، وتنفيذ حزمة من الطروحات الحكومية في منتصف العام القادم، مما سيوفر حصيلة وافرة من موارد النقد الأجنبي تدعم قيمة الاحتياطيات الدولية لمصر لدى البنك المركزي وتخفيض عجز الموازنة العامة، بالتزامن مع توقعات بضعف قوة الدولار الى حد ما، وانحسار التوترات الجيوسياسية واستقرار ايرادات قناة السويس، مما يدعم قوة العملة المحلية امام الدولار الأمريكي واستعادة خسائره بشكل ملحوظ، فضلاً عن ان تخفيض الفائدة الامريكية بواقع 100 نقطة اساس خلال اخر ثلاث اجتماعات في هذا العام .

واكد الخبير الاقتصادي، أن ذلك ،سيكون له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصري، من ناحية المحافظة على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة في ادوات الدين الحكومية من النزوح بشكل سريع ، ومن ناحية أخرى، سوف تَتَبنى لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري تخفيض اسعار الفائدة على الإيداع والإقراض في الربع الاول من العام القادم ، مما سيؤدي الى توفير اموال رخيصة للمشروعات والكيانات الاقتصادية الأخرى على خلفية السير في اتجاه سياسة نقدية أقل تشددًا خلال الفترة المقبلة ، تدعم زيادة دوران عجلة الانتاج، وما يترتب عليه من انخفاض ملحوظ في اسعار السلع والخدمات بشكل كبير نتيجة زيادة حجم الانتاج المحلي وبالتالي تخفيض معدلات التضخم المرتفعة الى معدلات اقل، تقترب من مستهدفات البنك المركزي المصري عند مستوى 7٪ بالزيادة أو النقصان في حدود 2٪.

WhatsApp
Telegram