تشهد الساحة الاقتصادية العالمية حالة من القلق المتزايد بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية في إغلاق حكومي جزئي نتيجة تعثر المفاوضات داخل الكونغرس حول موازنة العام الجديد. ورغم أن مثل هذه الأزمات تبدو في ظاهرها محلية الطابع، إلا أن انعكاساتها تمتد سريعًا إلى الأسواق الناشئة، ومنها مصر، التي ترتبط بشكل وثيق بالتطورات الاقتصادية العالمية سواء عبر حركة الاستثمارات الأجنبية أو عبر أسواق الطاقة والسلع الدولية.
فالإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة يؤدي عادة إلى تراجع ثقة المستثمرين عالميًا، وزيادة الضغوط على الأسواق الناشئة التي تعتمد على تدفقات الأموال الأجنبية قصيرة الأجل، وتاريخيًا، تزامنت مثل هذه الأزمات مع تذبذبات حادة في أسعار صرف العملات وارتفاع تكاليف الاقتراض في الأسواق النامية، وهو ما يضع الاقتصاد المصري أمام تحديات إضافية في توقيت يشهد فيه بالفعل ضغوطًا تضخمية ونقصًا في السيولة الدولارية.
على الصعيد الداخلي، يعتمد جزء كبير من الاستقرار المالي لمصر على تدفق استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، إلى جانب عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، وأي اهتزاز في الأسواق العالمية نتيجة تعثر الحكومة الأمريكية ينعكس سريعًا على تلك التدفقات، مما يزيد من مخاطر الضغط على سعر الصرف المحلي ويؤثر في قدرة الدولة على تمويل احتياجاتها بالعملة الصعبة.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الشرقاوي أن الأزمة الأمريكية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن وضعية مصر الحالية.
وقال في تصريحاته: "الإغلاق الحكومي في واشنطن يبعث برسائل سلبية إلى المستثمرين الدوليين، ويزيد من حالة الترقب والحذر في الأسواق الناشئة، وبالنسبة لمصر، هذا يعني أن أي خطط لجذب استثمارات جديدة أو إصدار سندات دولية قد تواجه صعوبات أكبر خلال الفترة المقبلة، مع ارتفاع معدلات الفائدة وتراجع شهية المخاطرة."
وأضاف الشرقاوي أن القطاع المصرفي المصري قد يشهد ضغوطًا متزايدة في إدارة السيولة الدولارية، خاصة في ظل التأثيرات المستمرة للحرب في غزة على حركة التجارة الإقليمية.
وأوضح أن البنك المركزي سيكون مضطرًا إلى الموازنة بين الحفاظ على استقرار سعر الصرف وبين تلبية احتياجات السوق من النقد الأجنبي، وهو ما قد يستدعي إجراءات أكثر صرامة في إدارة الاحتياطي النقدي.
كما أشار الخبير الاقتصادي إلى أن الإغلاق الأمريكي قد ينعكس كذلك على أسعار الطاقة العالمية، لا سيما النفط، حيث يؤدي تراجع ثقة المستثمرين وتباطؤ النشاط الاقتصادي إلى خفض الطلب، وهو ما قد يضغط على أسعار الخام، وبالنسبة لمصر، فإن أي انخفاض كبير في أسعار النفط قد يمثل سلاحًا ذا حدين: فمن جهة يخفف فاتورة الاستيراد، لكنه من جهة أخرى يقلص من عائدات قناة السويس التي تعتمد على حركة التجارة النفطية بشكل رئيسي.
وبالنظر إلى السوق المحلي، يتوقع أن تزداد حالة الترقب بين المستثمرين في البورصة المصرية، مع احتمالية تباطؤ تدفق الاستثمارات الأجنبية في الأسهم والسندات، وهو ما قد يؤدي إلى موجة بيع محدودة أو جني أرباح، خاصة مع تزايد ارتباط المستثمرين الأجانب بالمتغيرات العالمية.
واختتم الشرقاوي تصريحه قائلًا: "مصر بحاجة خلال هذه المرحلة إلى تعزيز جاذبية بيئتها الاستثمارية داخليًا، عبر تهيئة مناخ أفضل للمستثمرين المحليين، وتبني سياسات مالية أكثر مرونة، بما يقلل من الاعتماد المفرط على التدفقات الأجنبية قصيرة الأجل، ويعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات الخارجية."
وفي ظل هذه التطورات يقف الاقتصاد المصري يقف عند نقطة اختبار جديدة، حيث يتداخل فيه تأثير الأزمات العالمية مع التحديات المحلية، وبينما يمثل الإغلاق الأمريكي حدثًا خارج السيطرة، فإن كيفية استجابة السياسات الداخلية ستحدد إلى حد كبير قدرة مصر على عبور المرحلة بأقل الخسائر الممكنة.