في صباح أمس الجمعة، كان مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على بعد أقل من نقطتين من أعلى مستوى تاريخي له حتى تبخر منه نحو 2 تريليون دولار من قيمة السوق الأمريكية بعد منشور واحد على منصة 'تروث سوشيال' للرئيس الأمريكي دونالد ترامب،
هذا الانهيار السريع يُبرز مدى تأثير السياسات التجارية المنفردة للرئيس على مسار الاقتصاد العالمي، حيث أعاد إشعال شرارة حرب تجارية كادت تخمد.
المنشور الذي قلب الأسواق رأسًا على عقب
في الساعة 10:57 صباحًا بتوقيت شرق الولايات المتحدة، نشر ترامب منشورًا يتجاوز 500 كلمة، يصف فيه الصين بأنها 'أصبحت عدائية للغاية' تجاه العالم، خاصة في سيطرتها على المعادن الأرضية النادرة التي تسيطر عليها بنسبة 70% من الإنتاج العالمي. وألقى اللوم على بكين في 'أسر' الدول بسبب 'احتكارها' لهذه الموارد الحيوية، المستخدمة في صناعة الرقائق الإلكترونية والمركبات الكهربائية والصواريخ المتقدمة.
الجملة الأكثر تأثيرًا كانت: 'إحدى السياسات التي ندرسها حاليًا هي زيادة هائلة في الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية القادمة إلى الولايات المتحدة'.
هذه الكلمات البسيطة كانت كفيلة بإثارة موجة بيع واسعة، حيث انخفضت قيمة سوق الأسهم الأمريكية بنحو 2 تريليون دولار، وفقًا لتقديرات مجموعة بيسبوك للاستثمار المسوقة عبر
خسائر الأسواق: أسوأ أداء منذ أبريل
مع قرع جرس الإغلاق في بورصة نيويورك، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.7%، مسجلاً أسوأ أداء يومي له منذ أوائل أبريل – يوم شهد موجة بيع مكثفة بعد فرض ترامب رسومًا جمركية أعلى من المتوقع على دول العالم في 'يوم التحرير'.
أما مؤشر ناسداك المركب، الذي يضم شركات التكنولوجيا المعتمدة على التجارة مع الصين، فانخفض بنسبة 3.56%، محققًا أسوأ يوم له منذ أبريل، رغم لمسه أعلى مستوى تاريخي قبل المنشور مباشرة.
كذلك، خسر مؤشر داو جونز الصناعي 879 نقطة (1.9%)، وهو أسوأ أداء له منذ مايو، بينما تراجع مؤشر راسل 2000 للأسهم الصغيرة بنسبة 3%. ولم تقتصر الخسائر على قطاع التكنولوجيا؛ إذ أغلقت 424 سهمًا من مؤشر S&P 500 على خسائر، مما دفع المستثمرين المحترفين إلى تقليل المخاطر عبر بيع واسع النطاق لجمع السيولة.
أسهم "المجموعة السبع الساحرة" تخسر 770 مليار دولار في يوم واحد
ذلك بعد هزة الرئيس دونالد ترامب للأسواق بإطلاق تهديدات عدائية ضد الصين عقب تشديد بكين قيودها على المعادن النادرة.
الخاسر الأكبر قيميًا كانت Nvidia، التي فقدت 230 مليار دولار...
لماذا هذا الانهيار الحاد؟
رغم تقدم المحادثات التجارية بين إدارة ترامب والصين بوتيرة أبطأ من غيرها، كان إجماع السوق يفترض التوصل إلى اتفاق نهائي، مع تحسن العلاقات العامة. كان من المقرر أن يلتقي ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة APEC نهاية الشهر، لكن المنشور أشار إلى تعريض هذا اللقاء للخطر، مما أثار مخاوف من حرب تجارية شاملة.
ساد الارتياح سابقًا للرسوم الجمركية الحالية بنسبة 40%، إذ اعتبر المستثمرون أن الاقتصاد الأمريكي أقوى، والإعفاءات (مثل هواتف آيفون من آبل) كافية لتخفيف التأثير. لكن التهديد الجديد يُخشى أن يثقل كاهل الاقتصاد، الذي يعتمد على واردات صينية لقطع غيار السيارات والألواح الشمسية. والأخطر: رد الصين المحتمل على السلع الأمريكية، مما قد يؤجج تصعيدًا عالميًا.
شرارة التصعيد: قبضة الصين على المعادن النادرة
أشعلت الصين فتيل التوتر ليلة الخميس بتشديد قبضتها على المعادن الأرضية، مطالبة الكيانات الخارجية بتراخيص تصدير لأي منتج يحتوي عليها، مع حظر استخدامها في التطبيقات العسكرية بعد مراجعة حالة بكل حالة.
هذه المعادن أساسية لأشباه الموصلات والمركبات الكهربائية، ويسعى ترامب لتعزيز الإمدادات الأمريكية عبر دعم شركات تعدين في الولايات المتحدة وكندا.
موجة البيع: قادها قطاع الرقائق
قادت شركات الرقائق الإلكترونية الانهيار؛ Nvidia خسرت 5% (230 مليار دولار)، رغم سعيها للحصول على دعم لتصدير رقائق ذكاء اصطناعي أقل تطورًا إلى الصين.
أما AMD، فقد انخفضت 8%، وApple 3%، وTesla 5%. امتد الضرر إلى القطاع المالي، مع خسائر تزيد عن 2% لبنوك مثل Bank of America وWells Fargo. في المقابل، ارتفعت أسهم Walmart وشركات التبغ قليلاً بفضل خصائصها الدفاعية.
إلى متى تستمر الموجة البيعية؟
أعقب ترامب منشوره الصباحي بإعلان بعد الإغلاق عن فرض رسوم بنسبة 100% 'إضافية' على الصين ابتداءً من نوفمبر، مع ضوابط تصدير على 'جميع البرامج الحيوية'، مما يهدد رواد الذكاء الاصطناعي مثل Nvidia. هذا يتزامن مع قمة APEC، التي ألمح إلى إلغائها.
قد يشهد الاثنين صعوبة أخرى، مع تداول العقود الآجلة مساء الأحد، وسط إغلاق سوق السندات لعيد كولومبوس.
ومع ذلك، يرى بعض المتداولين أن هذا تكتيك تفاوضي، كما في أبريل حيث خُفِّفت الرسوم لاحقًا، ممهدة لعودة قوية. يقول جاي وودز، كبير استراتيجيي السوق في Freedom Capital Markets: 'هذا قد يكون فرصة شراء أخرى على المدى الطويل'.
وفعلاً، لا يزال S&P 500 مرتفعًا 11% هذا العام، مدعومًا بتجارة الذكاء الاصطناعي غير القابلة للإيقاف.
قد تؤثر الموجة على قطاعات أخرى، مثل إفلاس First Brands (مورد قطع غيار سيارات)، الذي أقلق بنوكًا مثل Jefferies (انخفاض 4% يوم الجمعة، و6% بعد الإغلاق). كما تأثرت صناديق التحوط الكبيرة، مما قد يزيد ضغوط البيع الأسبوع المقبل. وحتى أسواق العملات المشفرة اهتزت، مع انخفاض 'عملة ترامب الميمية' 20% في 24 ساعة.
مع اقتراب موسم التقارير المالية الأسبوع المقبل، يترقب المستثمرون ما إذا كانت هذه 'مناورة' أم تصعيد حقيقي. الخبر السار: السوق ما زال بعيدًا عن الانهيار الكامل، لكن التوتر التجاري يُعيد الشكوك حول الاستقرار العالمي.