هل يعاود الذهب صعوده الاستراتيجي أم يستمر في التقلبات النقدية؟

كتب : وائل الطوخي

يتمايل الذهب في أسواق السلع العالمية اليوم، 5 نوفمبر 2025، بين إشارات الانتعاش والضغوط التصحيحية، مسجلاً سعراً فورياً قدره 3,975.31 دولاراً للأونصة – بانخفاض طفيف بنسبة 0.14% عن الإغلاق السابق، وفقاً لبيانات التداول الاقتصادي. هذا التذبذب ليس مجرد رد فعل يومي، بل يعكس توازناً دقيقاً بين تضخم السيولة النقدية العالمية والتوترات الجيوسياسية، مما يجعل التنبؤ بمساره تحدياً يتطلب رؤية اقتصادية شاملة.

فهل يستعيد المعدن الأصفر زخمه الصاعد الذي دفعه لتجاوز حاجز 4000 دولار في الأسابيع الأخيرة؟ أم يغوص تحت وطأة السياسات النقدية المشددة؟

الذهب: ملاذ آمن في بحر من الغموض

وقال محمود جمال سعيد محلل سوق المال والمستشار المالي أن التحليل يبدأ من جوهر الذهب كأصل استراتيجي يتجاوز التقلبات قصيرة الأجل، حيث يعتمد أداؤه على عوامل اقتصادية كليّة مثل التضخم والتوترات الدولية، وليس على المضاربات اليومية فقط. ومع ذلك، تتداخل هذه العوامل مع التفاعلات المحلية؛ فأسعار الذهب في الأسواق الناشئة – كمصر والهند – تُعدّل بناءً على سياسات العملات الوطنية، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد.

محمود جمال

وأضاف جمال في تصريحات خاصة أنه في هذه المرحلة، يبرز 'الغموض' كعامل مركزي، حيث تلتقي قوى متعددة عند نقطة تحول نقدي حاسم. فمع تراجع حصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات المركزية العالمية إلى 56.32% بنهاية الربع الثاني من 2025 – مقارنة بـ 58% في 2024، حسب تقرير صندوق النقد الدولي – يتحول الذهب إلى مؤشر حيوي على تراجع الثقة في العملة الاحتياطية الأولى، محركاً تصريحات سياسية تدفع الأسعار في دوامة من الصعود والهبوط دون دوافع فورية واضحة أحياناً.

صناع السوق خلف الكواليس

وأوضح جمال في قلب هذه الدوامة، يقف صانعو السوق كلاعبين رئيسيين يوجهون الاتجاهات عبر سيولة هائلة في أسواق المشتقات. فالبنوك الدولية وصناديق التحوط – خاصة الأمريكية والأوروبية – لا تقتصر على المراقبة، بل تصمم الفرص الاستثمارية باستخدام أدوات مثبتة قضائياً. في عام 2020، على سبيل المثال، غُرّم بنك جي بي مورجان مبلغ 920 مليون دولار من لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية لممارسات تلاعب في أسعار المعادن الثمينة، شملت البيع على المكشوف المدعوم برافعة مالية لخلق هبوط مصطنع.

وتابع خبير سوق المال أن هذه الآليات تربط الذهب بـ 'الأموال الذكية'، متجاوزة في كثير من الأحيان قدرة الحكومات على المتابعة الفعالة. وتمتد هذه الصلات إلى البنوك المركزية الكبرى، مما يجعل أي صعود حاد في الذهب تهديداً محتملاً لمصداقية الدولار كعملة تسعير عالمية، ويحول عملية كبح جماح أسعاره إلى جزء من استراتيجية دفاعية في مواجهة حركة 'نزع الدولرة' التي تقودها قوى صاعدة.

وكشف جمال أنه مع هذا، لا يمكن لهذه الضغوط كبح الدفع الجوهري للصعود، الذي ينبع من معادلات نقدية أساسية ترتبط بتوسع المعروض النقدي عالمياً. ويتسارع الطلب على الذهب من البنوك المركزية كملاذ آمن أخير، حيث أضافت صافي 220 طناً في الربع الثالث من 2025 – بارتفاع 28% عن الربع السابق – ليصل إجمالي المشتريات السنوية حتى ذلك التاريخ إلى 634 طناً، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.

وأكد جمال أن هذا الاندفاع يفاقم أزمة في جانب المعروض، مع ارتفاع تكاليف الاستخراج بنسبة 10-15% سنوياً بفعل ضغوط التضخم، مما يدفع نحو رفع الأسعار كحل حتمي. موضحاً أن نخبة مالية عالمية – لا تتجاوز 1% من السكان – تسيطر على جزء كبير من هذه المناجم وتدفقات رأس المال، محققة أرباحاً مزدوجة من بيع الذهب المادي أو الورقي ثم إعادة الشراء عند القيعان.

المحور الصيني: استراتيجية متعددة الأبعاد

وأشار المحلل المالي أنه في هذا السياق المتشابك، تبرز الصين كمحور استراتيجي يجسد الفرص والمخاطر معاً. فمع احتياطياتها الذهبية البالغة 2,298.53 طناً في الربع الثاني من 2025 – وإضافة مشتريات شهرية في سبتمبر للمرة الحادية عشرة على التوالي – وإجمالي احتياطياتها النقدية الذي بلغ 3.339 تريليون دولار بنهاية سبتمبر، تدرك بكين أن ارتفاع الذهب الحاد هو سلاح ذو حدين. فهو يعزز من قيمة أصولها الذهبية، لكنه يهدد في الوقت نفسه قيمة حيازاتها الضخمة من السندات الأمريكية.

ونوه أنه لذلك، نلاحظ تحولاً في الاستراتيجية الصينية من الشراء المكثف من الأسواق الدولية إلى تعزيز الإنتاج المحلي والتنقيب، مما يجعل فترات الانخفاض الحالية في الأسعار متوافقة مع مصلحتها الوطنية. وهو ما قد يُرى في واشنطن كنجاح تكتيكي، وإن كانت الأدوات التقليدية كرفع الفائدة أو الجمارك تثبت محدوديتها في معالجة الجذور الهيكلية للأزمة.