قال وزير الأوقاف، خلال كلمته التي ألقاها نيابة عنه الدكتور هشام عبد العزيز أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمؤتمر كلية الزراعة جامعة الأزهر، تحت عنوان: "التحديات المستقبلية في إنتاج المحاصيل الحقلية وعلاقتها بالتنمية المستدامة"، بكلية الزراعة أكد محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن الزراعة أحد أهم أعمدة بناء الحضارة قديمًا وحديثًا، وأن الإسلام يدعم البحث العلمي الجاد في جميع المجالات.
وهذا نص كلمته بالمؤتمر:
لقد عظم الإسلام من شأن الزراعة، وجعلها أحد أهم الأعمدة التي تبنى عليها الحضارات ، وجاء حديث القرآن الكريم عن الزروع والثمار حديثًا عظيمًا، ينبئ عن اهتمامه بالزراعة والفلاحة وما يخرج من ثمرات الأرض، وبيان أنها نعمة من أعظم نعم الله (عز وجل) على عباده، حتى إن القرآن الكريم أطلق على ما تنبته الأرض من أعناب ونخيل وزروع وثمار جملة (جنة) – أو (جنات) – في مواضع عديدة، فهي جنة الدنيا، أو جناتها، يقول الحق سبحانه: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) ، ويقول سبحانه في سورة سبأ : (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) , فعبر النص القرآني عما أفاء الله (عز وجل) به على أهل سبأ بلفظ “جنتين” إحداهما عن يمين السائر ، والأخرى عن شماله.
وعدَّ الحق سبحانه وتعالى اخضرار الأرض نعمة من عظيم نعمه تقتضي المحافظة عليها، حيث يقول سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، كما لفت أنظارنا إلى ضرورة التأمل في خلقه، حيث المتجاور من الزرع في التربة الواحدة والمشترك معه في السقيا ترى هذا حلوا، وهذا حامضًا، التربة واحدة، والماء واحد، والمذاق شيء آخر ، يقول سبحانه وتعالى : (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وفي مجال تعداد نعمه (عز وجل) على خلقه يقول سبحانه : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ)، ويقول سبحانه وتعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ *وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ)، فالماء نعمة تستحق الشكر، وإنبات الزرع والنخيل والثمار نعمة أخرى تستحق شكرًا آخر.
كل ذلك يدل دلالة واضحة على أهمية الزراعة والفلاحة، والحرص على عمارة الكون، فبالزراعة يحيا الإنسان والحيوان، حيث يقول الحق سبحانه: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا *وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةً، فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها).
ولا يقف الأمر عند حدود مجرد الزراعة؛ إنما يتجاوزه إلى تعظيم الإنتاج، ولاشك أن البحث العلمي الجاد يعظم من الناتج الزراعي مما يجعل من قيمة هذه المؤتمرات المتخصصة إضافة جادة للاقتصاد القومي من جهة، وتحقيق مقاصد الشرع الحنيف في هذا المجال من جهة أخرى.