اعلان

د. خالد عاشور يكتب: الجيم (المصرية)

دكتور خالد عاشور
دكتور خالد عاشور

يواجه المذيع المصري عندما يعمل في قناة عربية خارج مصر بموقف يتكرر كثيرًا من القائمين على تلك القناة، إذ يُنبَّه عليه أن يتحاشى نطق الجيم (المصرية) وأن يلتزم بنطق الجيم (الفصيحة) أو القرآنية المعطشة.

ولعل في توحيد شكل القناة ما يبرر مثل هذا الموقف، لكن مسألة فصاحة الجيم المعطشة في مقابل عدم فصاحة الجيم المصرية تحتاج إلى مراجعة، قمت بها بسبب تعرضي شخصيًا لمثل هذا الموقف عندما عملت في قنوات عربية داخل وخارج مصر.

يذكر علماء اللغة أن للجيم في العربية صورا نطقية عديدة كلها صحيحة وردت عن العرب في مصادر الدراسات اللغوية الكبرى مثل الكتاب لسيبويه، والخصائص لابن جني، وطيّبة النشر لابن الجزري، وغيرهم: فهي تُنطق جيم معطشة وهي التي نزل بها القرآن وتسمى الجيم القرشية وهي الأشهر بسبب القرآن، وتُنطق أقرب الي الشين وتسمى الجيم الشامية، وتنطق ياء وهي لهجة تميم وينطق بها سكان الخليج للآن، فيقولون الريال بدلًا من الرجال، وتنطق زاي وينطق بها بعض سكان المغرب العربي في تونس وليبيا، فيقولون زوز أي جوز، وتنطق دال كما في في بعض مناطق الريف المصري، فيقولون ديش أي جيش، وتنطق جيم كما ينطقها المصريون في القاهرة وبعض الحواضر ومعظم اليمنيين وبعض سكان جنوب الجزيرة.

إذن فالجيم المصرية فصيحة وصحيحة ورد نطقها على هذا النحو كما قلنا عن العرب، فهي ليست تحريفًا عاميًا لحرف الجيم في اللغة العربية كما يعتقد البعض، وليست من بقايا اللغة المصرية القديمة كما يظن البعض الآخر.

لكن المفاجأة التي توصلت إليها بالبحث في هذه المسألة أن هذه الصورة من صور نطق الجيم كما ينطقها المصريون واليمنيون، هي الأصل الذي تفرعت عنه الصور السابقة كلها في اللغات السامية القديمة - وعلى رأسها العربية أصل اللغات السامية - كالحبشية والسريانية والأكادية والعبرية؛ فالساميات القديمة لم يكن فيها من صور نطق الجيم إلا هذه الصورة (التي هي كالكاف) كما يقول سيبويه، ثم تفرعت عن هذا الاصل الصور السابقة ومنها الجيم القرشية التي نزل بها القرآن بعد ذلك.

يعني الجيم التي ينطقها المصريون ليست فصيحة فقط وإنما فصيحة جدا جدا جدا

WhatsApp
Telegram