قال الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن إدارة الشأن العام والحديث عنه يحتاجان إلى خبرات كبيرة فيه وإدراك واع لمتطلبات تناوله ، لكن من العجيب والغريب وغير المنطقي أن يتصدى لقضايا الشأن العام من لم يمارس العمل السياسي أو العمل العام على أرض الواقع قط ، ولم يقترب من دوائره ، ولم يدرس أو يمارس كيف تدار شئون الدول , ولم يفهم معنى الدولة , ولا ظروف العصر.
وأضاف أنه وربما لا يعرف كامل أسماء المؤسسات والمنظمات الدولية , فضلا عن معرفة أدوارها ونظمها ولوائحها وطبيعة عملها ومقارها الرئيسية والفرعية , ولم يقرأ كلمة واحدة في القانون الدولي , ولا في قوانين المجال الجوي واستخدام الفضاء , ولا أسس ترسيم الحدود بين الدول , ولا حقوق استخدام المياه المشتركة , ولا طبيعة عمل الشركات العابرة للحدود والقارات , ولا مفاهيم التكتل الاقتصادي , ولا نظام المحاكم الدولية أو قضايا التحكيم الدولي , فضلا عن معرفة ما هو دستوري وما هو غير دستوري , ومهام المؤسسات القضائية المختلفة , ولا نظام إدارة البنوك أو البورصات , ولا حوافز تشجيع الاستثمار , ولا آليات حفظ الأمن القومي ولا إدارة أمن المجتمعات , ولا كيفية توفير الخدمات الأساسية فضلا عن تحديدها , وترتيب أولوياتها , ولا قرأ شيئا عن شئون الحياة السياسية وأسس بنائها والعلاقة بين السلطات , ولا قواعد عمل كل منها ، وهو ما جعل أحد أهم أصدقاء الجماعة الإرهابية وداعميها ومسانديها إبان عام حكمهم المشئوم يصرح بعد زوال حكمهم في حوار متلفز بأن هذه الجماعة إنما تصلح لإدارة "دكان" لا إدارة دولة .
وتابع أنه قد نرى للأسف الشديد أدعياء أو دخلاء لا يُلمون بشيء مما سبق ومع ذلك يطلقون الفتاوى أو الأحكام في الشأن العام الداخلي والخارجي دون بصيرة بالأمر أو حتى إلمام به , وقد يورط أحدهم نفسه أو مؤسسته أو دولته في مشاكل لا يدرك عواقبها ولا نتائجها جراء تسرعه وعدم إدراكه مفهوم العلاقات الدولية ، وربما يسقط بعض النصوص دون فهمها ودون تحقيق مناطها على أحداث غير تلك الأحداث التي تناولها هذا النص آنذاك غير مفرق بين ما هو من شأن العقائد والعبادات وما هو من شئون نظام الحكم وإقامة الدول , وبعبارة أدق بين ما هو ثابت وما هو متغير ، ومن له الحق في الفتوى أو التصرف فيما يتصل بشئون الدول ، ولهذا أكدنا أن إعلان التعبئة العامة للدفاع عن حدود الدولة وكيانها " المعبر عنه في كتب التراث" بإعلان الجهاد هو من اختصاص ولي الأمر، وليس من اختصاص آحاد الناس أو جماعة منهم ، كما أكدنا أيضًا أنه ليس لآحاد الناس أو عامتهم الحكم على أحد بالكفر أو الخروج من الملة ، وإنما يثبت ذلك بحكم قضائي نهائي وبات ، لخطورة ما يترتب على الحكم بالتكفير والإخراج من الدين , وللعلماء بيان ما يترتب على الفعل لا الحكم على الأشخاص, مما يتطلب التفرقة بين تكفير غير المعين وتكفير المعين , فالأول الأمر فيه للعلماء والآخر الحكم فيه للقضاء .
واختتم أن هذا كله يتطلب مزيدًا من الاحتياط عند الحديث في الشأن العام , فضلا عن ضرورة إلمام من يتحدث فيه بالواقع المعاصر سياسيًّا واقتصاديًّا وقانونيًّا وثقافيًّا وفكريًّا , مع الوقوف على سائر التحديات المحلية والإقليمية والدولية, حتى نضع كل شيء في نصابه , ونحسب لكل كلمة حسابها, ونترك لكل أهل اختصاص أمر اختصاصهم ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا" (صحيح البخاري) ، وأهل العلم هم أهل الاختصاص كلٌّ في مجاله وميدانه شرعيًّا كان أو حياتيًّا .