أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن قضية وحدة العالم الإسلامي يتنازعها تياران مختلفان ، الأول موضوعي ومنطقي وعقلاني وواقعي وشرعي، وهو ما يمثله مؤتمرنا هذا في البحث عن القواسم المشتركة والعمل على تعزيزها بما يرسخ علاقة الإنسان بوطنه أولًا سواء أكان المسلم يعيش في دولة ذات أغلبية مسلمة أم ذات أقلية مسلمة ، فمن لا خير فيه لوطنه لا خير فيه أصلا.
جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر الوحدة الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وبحضور الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وسماحة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى السلم بأبو ظبي ، والدكتور علي النعيمي رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ، وجمع غفير من الوزراء والسفراء والعلماء والكتاب والمفكرين.
وأضاف، أنه يأتي التعاون بين الدول في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية بما يسهم في حل مشكلات عصرنا ومستجداته ومعضلاته من خلال إعمال العقل في فهم صحيح النص ، والتعامل مع عصرنا بأدواته لا بأدوات مراحل زمنية ذات ظروف سياسية واجتماعية معينة ناسبت تلك المراحل وفرضت عليها أنماطًا معينة ، ربما ناسبت واقعها وظروفها آن ذاك وأصبحنا في حاجة إلى طرائق أخرى ونظم أخرى لمعالجة ما استجد من قضايانا في ظل ظروف عصرنا وتشابكاته وتعقيداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية وقوانينه الدولية ، ولنا في تراثنا العلمي متسع كبير.
\
وتابع أنه يؤكد العلماء المتخصصون بإجماعٍ أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأحوال وما كان راجحًا في عصر ما أو ظرف ما قد يصبح مرجوحًا إذا تغيرت ظروف الزمان أو المكان أو الأحوال ، كما تتطلب الوحدة الإسلامية في واقعنا المعاصر تنسيق مواقفنا في المحافل الدولية ، لاستصدار مواثيق ملزمة تجرم ازدراء الأديان والمقدسات ، كل الأديان والمقدسات ، وتحول دون العبث بمقدساتنا من مثل تلك المحاولات الأثيمة والمتكررة لحرق المصحف الشريف ، أو تلك الرسوم المسيئة لنبينا (صلى الله عليه وسلم) بما يؤذي شعور كل مسلم حر غيور على دينه ، مع العمل أيضًا على استصدار وتفعيل القوانين الدولية في مواجهة الجرائم الإرهابية ، ولا سيما الإرهاب الإلكتروني وتمويل الجماعات الإرهابية والمتطرفة ، تلك الجماعات التي تتخذ من الدين ستارًا وتُستخدم شوكة في ظهور أوطانها ، مع ما تقوم به من تشويه لصفحة نقية من ديننا السمح.
وأردف، أنه لو أن أعداءنا استنفذوا أقصى وسعهم أو طاقاتهم للنيل من ديننا ما بلغوا معشار ما أصابه جراء تحريف هذه الجماعات الإرهابية للكلم عن مواضعه ، واستباحتها للأموال والدماء والأعراض بدون حق ، فضلا عن احترافها الكذب وخلفها لكل العهود والوعود والمواثيق الوطنية والدولية على حد سواء ، ومن ثمة فإننا نعلن من هذا المنتدى الدولي العظيم أننا نقف صفًّا واحدًا في وجه كل جماعات التطرف والإرهاب وسفك الدماء ، وأن واجب الوقت وعبادة العلماء المتخصصين هي كشف زيف هذه الجماعات وتفنيد ضلالالتها وأباطيلها خدمة لديننا وأوطاننا والإنسانية جمعاء.
وأوضح: أما الفريق الآخر فيتاجر بقضية مستحيلة عقلًا وواقعًا بالدعوة إلى جمع المسلمين من مختلف دول العالم تحت لواء دولة واحدة وعلم واحد وحاكم واحد مع ما يترتب على هذه الدعوات من مخاطر لا حد لها من أهمها :
١-إضعاف الدولة الوطنية ، بل التنكر للأوطان وربما التآمر عليها ، لتحقيق أوهام مزعومة ، إما بجهل أو بخيانة أو عمالة لأعداء أوطاننا.
٢- وضع الأقليات المسلمة في أوطانهم ووضعهم موضع الريبة والتهمة من حيث إما حثهم على الانفصال أو على الولاء للدولة الإسلامية الكبرى المزعومة ، بما يضر بأوضاعهم وقضاياهم في أوطانهم ومجتمعاتهم التي إما أنهم نشأوا فيها أصلًا أو انتقلوا إليها واستقبلتهم حين ضاقت بهم الدنيا فصارت ملاذًا آمنًا لهم ، فكان جزاؤها منهم جزاء سنمّار ، في حين أن من تنكروا لأوطانهم أو ضاقوا بها لم يجدوا الجنة التي كانوا يحلمون بها أو يبحثون عنها ، حتى قال أحدهم بعد غربة طويلة في المهجر : لو رضينا في بلادنا وأوطاننا ببعض ما رضينا به في غربتنا لاتسعت لنا أوطاننا وما ضاقت بنا ولا ضقنا بها لكنها التجربة بعد فوات الأوان.
ووجه الحديث إلى دعاة هذه الاوهام : دعوا التعلق بالمستحيلات وتعالوا لنناقش قضيانا الهامة والملحة من ضرورة فتح باب الاجتهاد والأخذ بركاب العلم الحديث وزمامه لنكون فاعلين في تقدم العالم ورقيه ، فلن يحترم الناس ديننا مالم نتفوق في أمور دنيانا ، فإن تفوقنا في أمور دنيانا احترم الناس ديننا ودنيانا .
تعالوا لنرسخ معا لفقه المواطنة وقوة الدولة الوطنية ونعالج بمنطق سديد وقويم قضايا المرأة وحقوق ذوي الهمم في وقت لازلنا نسمع فيه من بعض الجماعات المتطرفة أو المتشددة من يجادل للأسف في حق المرأة في التعلم أو يفتئت على حقها الشرعي الذي قسمه الله (عز وجل) لها في الميراث.
وختاما أكد الوزير على أهمية ولاء المسلم للوطن الذي يعيش فيه وعلى وفائه له وعلى إخلاصه له وعمله على رقيه وتقدمه وأن يكون صورة مشرفة لدينه حيث كان ، فالمسلم الحقيقي كالغيث أينما وقع نفع وإلا كيف نبرز سماحة ديننا وعظمة أخلاقه ورقيه الإنساني للدنيا وما فيها ، وكيف نكون دعاة بسلوكنا وأخلاقنا وصدقنا وأمانتنا في بيعنا وشرائنا وسائر معاملاتنا ، كما كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) قرآنًا يمشي على الأرض ، فالمسلم الحقيقي له وجه واحد ظاهره كباطنه ، ليس له وجهان ولا دينان أحدهما ظاهر للخلق وآخر باطن لجماعته ، ولا يفوتني أن أذكر ما حدث أمس من محاولة مجموعة من عناصر إرهابية استهداف محطة رفع للمياه بسيناء ، وهذه هي طبيعة الإرهابيين في الغدر واستهداف البنى التحتية والمناطق المدنية الآمنة ، وهو ما عانينا منه كما عانيتم منه حين حاولت يد الغدر استهداف بلدنا الثاني الإمارات العربية المتحدة أو شقيقتنا المملكة العربية السعودية ، مما يتطلب منا وقفة جادة منًّا جميعًا في وجه الإرهاب الأسود بكل طوائفه وجماعاته ومنظِّريه وداعميه.
وتوجه بخالص العزاء إلى أسر كل الشهداء وإلى قواتنا المسلحة المصرية الباسلة في شهدائنا الأبطال وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في شهدائها الأبطال ، سائلا المولى (عز وجل) أن يتغمدهم جميعًا بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته ، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان ، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل ، وأن يحفظ مصر وأهلها ، والإمارات العربية المتحدة وأهلها ، وأن يحفظ أوطاننا جميعًا من كل سوء ومكروه.