هناك رجال خلقوا لدخول التاريخ من أوسع أبوابه ، بسبب مواقفهم التي لاتنسى وصلابتهم التي لا تلين عند الشدة ، خاصة إذا كانت هذه الشدة ملمة بوطنهم ، من هؤلاء الرجال "المحارب الزاهد " المشير حسين طنطاوي ، الذي تحل اليوم الذكرى الأولى لوفاته .
قاد مصر فى وقت عصيب، وتحمل ما لا تتحمله الجبال، ليكون كالقلعة الحصينة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد ظروف أمنية بالغة الصعوبة، وتحديات خارجية شديدة التعقيد، كان يعلم حجم المسئولية وقدر التحديات، كما أنه لم يكن في يوم من الأيام باحثا عن سلطة أو يتطلع لشهرة.
كان قائدا استثنائيا، نجح في العبور بسفينة الوطن إلى بر الأمان، عندما مرت البلاد بتحديات كبيرة خلال أحداث 25 يناير 2011، وتعامل مع أحداثها بتشابكاتها وتقاطعاتها المختلفة بحكمة وحنكة، متصديا لأخطر ما واجهته مصر من صعاب في تاريخها المعاصر.
هو رمز من رموز الوفاء، وبطل مخلص شارك في الدفاع عن الوطن في العديد من معاركه، وأفنى حياته في الدفاع عنها، فهو أحد رموز مصر العسكرية الخالدين، وأحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، هو المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق، والذي تحل علينا اليوم الذكرى الأولى لوفاته.
لم يكن المشير طنطاوي وزيرًا للدفاع أو قائدًا أعلى للقوات للمسلحة فقط؛ بل كان حصنًا لمصر عندما تعرضت لأكبر مُخطط للفوضى في عام ٢٠١١ بهدف تفتيتها وإضعافها كبقية الدول التي تعرضت إلى ما يُسمى الربيع العربي !
كان المشير طنطاوي قارءاً جيدًا للتاريخ وكان قارئا جيدًا أيضا لما كان يخطط لمصر وللمنطقة ؛ وبفطنة القارئ وبرؤية القائد العسكري ؛ نجح في إنقاذ مصر من مخطط الفوضى والتدمير الذي كان يعد لها منذ سنوات.
ما حققه المشير طنطاوي خلال رحلته سيجعل اسمه خالداً للأبد في تاريخ الأمة، وقلوب المصريين، وسجل شرفاء هذا الوطن، فقد كان قائداً عسكرياً فذاً، ورجل دولة من طراز خاص، استجاب لنداء الوطن في كل وقت وحين، وأدى مهامه الجسام بضمير وطني، وشجاعة وإقدام، لم يبتغ إلا أن يبصر راية مصر خفاقة، وأرضها حرة مستقلة، وإرادتها صلبة لا تلين ولا تنكسر.
مولده
ولد المشير حسين طنطاوي في 31 أكتوبر عام 1935، وحصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956، ودرس في كلية القيادة والأركان عام 1971 وفي كلية الحرب العليا عام 1982.
شغل المشير طنطاوي مناصب قيادية عديدة في القوات المسلحة المصرية، حيث كان رئيس هيئة العمليات وفرقة المشاة، كما شارك في العديد من الحروب القتالية منها حرب 1956 وحرب 1967 وحرب الاستنزاف، بالإضافة إلى حرب أكتوبر 1973 كقائد وحدة مقاتلة بسلاح المشاة، وقد حصل بعد الحرب على نوط الشجاعة العسكري، ثم عمل عام 1975 ملحقًا عسكريًا لمصر في باكستان.
المزرعة الصينية ومشاركته في حرب أكتوبر
المزرعة الصينية هى مزرعة تجريبية أنشئت فى الخمسينات، وعمل بها بعض الخبراء اليابانيون وكانت لهم كتابات يابانية على بعض الأماكن بها وظن الإسرائيليون أنها كتابة صينية ومن هنا أطلق عليها "المزرعة الصينية".
أهمية المزرعة الصينية
تعتبر المزرعة الصينية ذات طابع إستراتيجي كبير جدا ، وتنبع أهميتها من منطلق أنه فى حالة تمكن العدو من الاقتحام منه والانتقال لغرب القناة، سيكون على مسافة 100 كيلو من القاهرة، كما أنه سيكون فى نقطة مفصلية مهمة جدًا ما بين الجيشين الميدانيين الثانى والثالث.
وفي حال احتلال العدو للمنطقة، كان سيكون كارت ضغط على مصر فى حالة وقف إطلاق النار أثناء الحرب، لأنها تقع بين الجيشين الثاني والثالث، ومن هنا كانت القيادة تولى أهمية قصوى للمزرعة الصينية، وما فعله جنودنا البواسل في الدفاع عن منطقة المزرعة الصينية، ملحمة وبطولة كبيرة.
الهجوم الإسرائيلي على المزرعة الصينية
استنفذ العدو الإسرائيلى جميع محاولاته للقيام بالهجمات والضربات المضادة ضد رؤوس الكبارى، فبدأ تفكيره يتجه إلى ضرورة تكثيف الجهود ضد قطاع محدد حتى تنجح القوات الإسرائيلية فى تحقيق اختراق تنفذ منه إلى غرب القناة.
وكان اختيار القيادة الإسرائيلية ليكون اتجاه الهجوم الرئيسى لها فى اتجاه الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى فى قطاع الفرقة 16 مشاة وبالتحديد فى اتجاه محور الطاسة والدفرسوار، وبذلك أصبحت المزرعة الصينية هى هدف القوات الإسرائيلية المهاجمة فى اتجاه قناة السويس على هذا المحور.
وكان المشير طنطاوى، يرى حرب الاستزاف أنها كانت بمثابة عملية التطعيم للحرب الكبرى في 6 أكتوبر، معتبرا أن حرب الاستزاف كانت تميهدا لعملية العبور واسترداد سيناء وعودة الكرامة والعزة .