هل الممتنع عن المشاركة في الانتخابات آثم؟.. الإفتاء توضح حكم الشرع

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية
كتب : أهل مصر

يتساءل عدد كبير من الأشخاص عن حكم الشعر في الشخص الذي يمتنع عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024، لهذا السبب ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه:" ما حكم الامتناع عن التصويت في الانتخابات؟"، وكان رد دار الإفتاء ما يلي:

حث الإسلام على التحلي بالصدق والأمانة

أولًا: حث الإسلامُ المسلمين في كل زمان ومكان على التحلي بالصدق والأمانة والتخلي عن الكذب والخيانة، وطلب من المسلم أن يكون صادقًا ويتحرَّى الصدق ويبتعد عن الكذب والغش، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» متفق عليه.

وحينما قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: «لَا». رواه الإمام مالك في "الموطأ".

حث الإسلام على أداء الأمانة

ثانيًا: أمر الإسلام المسلم بأداء الأمانة التي تحملها بكل أنواعها وأشكالها فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وأوجب عليه أن يكون أمينًا وصادقًا في أداء الأمانة مع ربه أولًا، ومع نفسه ثانيًا، ومع الآخرين ثالثًا، فبهما -أي بالصدق والأمانة- ترقى الأمم وتتقدم الشعوب، وهما أساس النجاح في كل عمل على مستوى الفرد والجماعة.

ثالثًا: إنه ليس من شك في أن الشورى في الإسلام هي الديمقراطية الحقَّة وهي التي يجب أن يتربى عليها أبناء المجتمع؛ ليكونوا أمناء صادقين دائمًا في أقوالهم وأفعالهم، ويحترموا عن إيمان صادق سلطات بلادهم التشريعية والقضائية والتنفيذية التي جاءت بالشورى الصحيحة بينهم، والشورى لازمة وواجبة بين أفراد الأمة لاختيار عناصر سلطتهم التشريعية؛ لأن هذا الاختيار من الأمانات الدينية والشرعية التي أمر الله بأدائها لأهلها وأصحابها في قوله تعالى:﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَدِّ الأَمَانَةَ لِمَن ائتَمَنَك ولا تَخُن مَن خَانَكَ» أخرجه أبو داود والترمذي، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58].

رابعًا: يجب على من توافرت فيه الصلاحية لأداء هذه الأمانة في الشورى والديمقراطية حسب المصطلحات العصرية والعربية للإدلاء بصوته الانتخابي ألا يتأخر عن القيام بهذا الواجب بصدق وأمانة ونزاهة وموضوعية حتى نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن يكون ذلك بعيدًا عن العصبية المدمرة والمجاملات والغش والتدليس والابتزاز والعنف والإكراه والتزوير، وأن يكون رائد الجميع أن مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية، ومنع أداء الصوت كتمان للشهادة التي أمرنا الله بأدائها، وسلبية يمقتها الإسلام وينهى عنها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً؛ تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا» رواه الترمذي.

خامسًا: المسلم الذي يراقب ربه ويخشاه يجب عليه البعد عن السلبية ووضع الأمانة التي كلف بها في محلها، والشهادة بالحق والعدل لمن هو أهل لها من المرشحين لعضوية المجالس النيابية والتشريعية في مختلف مراحلها، وعدم الإدلاء بالصوت الانتخابي بالحق والعدل والصدق لمن هو أهل له يُعدُّ في نظر الإسلام جريمة سلبية، توجب المؤاخذة على صاحبها من الناحية الدينية؛ لأن هذه السلبية تؤدي نتيجتها ما تؤديه شهادة الزور من إفساد وفساد على الفرد والمجتمع في الدولة في مجال ضياع الحقوق والواجبات المشروعة للجميع الحاكم والمحكوم، وهي تلتقي من حيث الأثر مع الجريمة الإيجابية وهي شهادة الزور والتدليس وخيانة الأمانة من حيث ضياع الحقوق والواجبات للفرد والجماعة، والدليل على أن السلبية من الجرائم المعاقب عليها في الإسلام من الناحية الدينية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97]، فهذا النص القرآني يظهر مدى خطورة السلبية في حياة الناس لدفع الظلم وتحقيق العدل فيما بينهم من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتولي الأمر فيما بينهم فيما سبق لمن ليس أهلًا له من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهذا ما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري.

حكم الامتناع عن التصويت في الانتخابات

وبناءً على ذلك وفي واقعة الأمور المسؤول عنها والمستفتى فيها من الناحية الشرعية: فإن من يمتنع عن أداء صوته الانتخابي يكون آثمًا شرعًا؛ لأنه بذلك يكون قد منع حقًّا واجبًا عليه لمجتمعه الذي يطالبه بأداء الشهادة لمن قدم نفسه للخدمة العامة بترشيح نفسه للمجلس النيابي التشريعي؛ وذلك لبيان مدى صلاحيته لهذه المهمة القومية والوطنية من خلال هذه الشهادة.

كما أن من يدفع صاحب الشهادة إلى مخالفة ضميره أو عدم الالتزام بالصدق الكامل في شهادته بأية وسيلة من الوسائل المادية أو المعنوية سواء كان مسؤولًا أم مواطنًا عاديًّا يكون مشاركًا مشاركة إيجابية ومساعدًا لصاحب الشهادة في ارتكاب جريمة خيانة الأمانة والتزوير في الشهادة؛ والشريك كالأصيل تمامًا من حيث الفعل والأثر في الإسلام.

وكذلك الذي ينتحل اسمًا غير اسمه ويدلي بصوته بدل صاحب الاسم المنتحل سواء كان حيًّا أو كان من الأموات أو المسافرين الغائبين غير الموكلين يكون قد ارتكب غشًّا وتزويرًا يعاقب عليه شرعًا، ويكون آثمًا، وجميع التصرفات المسؤول عنها محرمة شرعًا، لانطوائها على جرائم الإفساد في الأرض المنهي عنها شرعًا؛ ولأنها تعطي فرصة لوصول الشخص غير الكفء، وغير الأهل شرعًا للنيابة عن الناس في طلب حقوقهم المشروعة والدفاع عنها، وهذا ما يضيع مصالحهم ويؤدي إلى الفساد في المعاملات العامة والخاصة وضياع الحقوق؛ ولهذا شدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عن قول الزور وشهادته فقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ لَا يَسْكُتُ. رواه البخاري.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً