قال مرصد الأزهر، اليوم الإثنين، إن المناهج الدراسية من الوسائل الرئيسة المؤثرة في تكوين أفكار الأجيال الصاعدة، وتشكيل الوعي لدى النشء والشباب، ورغم أن الهدف الأساس للتعليم -ومن ثم المناهج التعليمية- هو إيجاد وسيلة فعالة لتحقيق التنمية الشاملة وتعزيز قيم السلام والتسامح، فإن بعض الأنظمة تأبى إلا أن تستغل تلك الوسيلة في غرس الفكر المتطرف والتربية على العنصرية والتمييز، بل الإرهاب؛ بأن تجعل من المقررات الدراسية وعاءً لكثير من النفايات العقلية، والتشوهات المعرفية التي تحفز التعصب الفكري وتقود الطلاب والدارسين نحو هاوية التطرف والإرهاب.
مجازر الاحتلال
وتابع مرصد الأزهر، في بيان له، أن فلسطين قد شهدت منذ سنوات عدة سلسلة من المجازر التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين على يد الكيان الصهيوني المحتل، ما يثير القلق والاستنكار الدولي، ويقضّ الضمير الإنساني.
وهذه المجازر تشمل قصفًا همجيًّا للمناطق السكنية وهجمات على المدنيين العزل بأساليب تشكل جرائم حرب – مثل الاستهداف العشوائي والقصف البساطي، ما أسفر عن فقدان الأرواح البريئة وتدمير البنية التحتية.
ولا يخفى على الجميع بشاعة المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني وقتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات وقتل الأطباء والصحفيين، كل ذلك يجعلنا نتساءل: ما الطبيعة الفكرية والنفسية لهذا الكيان الصهيوني، وما الخلفية التربوية والتعليمية التي نشأ عليها أبناؤه؟ وما طبيعة المناهج التعليمية داخل الكيان الصهيوني، وكيف أسهمت في ترسيخ فكر الهمجية والوحشية والعنف بهذه الدرجة؟ للإجابة عن هذه التساؤلات، علينا أن نتطرق إلى بيان الأهداف التربوية التي ينشأ عليها أطفال الكيان، ومراحل تحقيق تلك الأهداف.
أهداف التربية لدى الكيان الصهيوني:
- الإيمان المطلق بحق الكيان الصهيوني في جميع أرض فلسطين، وكثير من الدول العربية، وزعمهم ملكيتهم لها والاستيطان فيها من خلال التكرار والتأكيد بالحديث عن الحق التاريخي في أرض (الوطن المزعوم) 'من النيل إلى الفرات'.
- تضمين المقررات والمناهج الدراسية في الكيان الصهيوني فكرة التوسع والاحتلال والعنف وكراهية العرب؛ وذلك بحجة إنقاذ الأرض التي يدعون ملكيتها منذ فجر التاريخ.
-عمل المناهج الدراسية على بث الشعور بالقلق والتوتر وأن الكيان يواجه تهديدًا وجوديًّا، لضمان استمرار الحماس والإحساس بالاضطهاد عند الأجيال المتعاقبة، بما يضمن للكيان الصهيوني تحقيق الوحدة بين عناصر المجتمع الصهيوني، والتكاتف بين أتباعه، خصوصًا أنهم من جنسيات وثقافات ودول مختلفة من شتى بقاع العالم.
- تأكيد التفوق العبري الحضاري عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق والشعور بالاستعلاء عند الأجيال المتعاقبة في الكيان الصهيوني، وعودة 'الشعب المختار' إلى 'الأرض الموعودة'، وهذا خلاف تاريخهم المشبع بالخيانة والمؤامرات والتمرد وسلب الحقوق، وكأن الكيان الصهيوني يستعمل فكرة الاستعلاء لتكون قرارات الكيان فوق تعاليم الديانات السماوية، وفوق كل القيم الإنسانية والقوانين والأعراف والمواثيق الدولية.
- كراهية العرب وتشويه العربي وتقزيم صورته في نظر الطالب الصهيوني مقابل ترسيخ صورة الصهيوني باعتباره البطل الذي لا يقهر، والشخصية المثالية، مع توظيف بعض النصوص الدينية والفتاوى الحاخامية لخدمة هذه الأغراض حسب الحاجة.
-تنشئة أجيال صهيونية متعصبة جدًّا لصهيونيتها بكل ممارساتها، مؤمنة بذلك مهما ارتكبت من مجازر وجرائم في حق الشعوب الأخرى، فنادرًا ما تجد منهم صوتًا إنسانيًّا منصفًا يدين ما يرتكبه الكيان من إرهاب ووحشية.
واستُمدت مصادر الأهداف التربوية والتعليمية داخل الكيان الصهيوني من المصادر التالية:
1- التلمود:
وهو المشنا والجمارا، تلك النصوص التي تجسد معتقدات الكيان الصهيوني وتحمل تراثهم عبر التاريخ، والحقيقة أن التلمود ليس نصوصًا دينية من التوراة، بل عبارة عن شروح بشرية تراوحت بين النقل بالمشافهة والكتابة على مدار قرون طويلة، والشاهد على ذلك الأسفار والنصوص التي تحرض على القتل والعنف، والخراب والدمار، وقتل الأطفال والنساء والشيوح وحتى الحيوانات، ويقيننا أنه ما من ديانة سماوية تقر كل ذلك العنف والقتل والدمار - حتى في حال الحرب.
2- الفكر الاستعماري:
لا سيما لدى الصهاينة المتأثرين بالحضارة الغربية باعتبارها الوطن الأصلي لمعظم أفراد المجتمع الصهيوني؛ إذ يتأثر الصهاينة أيما تأثر بالفكر الاستعماري الغربي.
3- الحركة الصهيونية:
جاءت خلاصة ونتاجًا للتفاعل ما بين الديانة اليهودية والحضارة الغربية، وقامت هذه الحركة بوصفها فكرة للخلاص من المعاناة والاضطهاد الذي عانى منه اليهود في المجتماعات الغربية خاصة.
4- الاستعلاء والإيمان بفكرة "شعب الله المختار"
الاستعلاء والإيمان بفكرة 'شعب الله المختار' وتمايزهم على كل الشعوب الأخرى باعتبارهم من 'الأغيار' الذين لا قيمة لهم ولا وزن، فالصهاينة لا يعرفون لغة التعايش السلمي مع الشعوب الأخرى، الأمر الذي يفسر سوابق طردهم وتهجيرهم من دول كثيرة؛ والأعجب أنها دول أوروبية وغربية أصبحت اليوم أكبر داعميها! نماذج لبحوث في محتوى المناهج داخل الكيان الصهيوني قدم سمعان (۲۰۰۳) تحليلات لمضمون أحد الكتب التعليمية الذي يدرس للصف السابع في مدارس الكيان الصهيوني، وهو كتاب معدٌّ لتدريس مادة التاريخ العام وتاريخ هذا الكيان الإرهابي بدءًا من نهاية القرن الخامس الميلادي وحتى بداية القرن التاسع عشر، أي على امتداد حقبة تاريخية يصل مداها إلى ١٤ قرنًا.
توصل سمعان في دراسته هذه إلى أن الكتاب لم يخل (كغيره من العلوم الاجتماعية التي تدرس في مدارس الكيان الصهيوني) من التنكر لحق الآخرين في المعتقد، والوجود والكيان السياسي والتاريخي، ويتابع سمعان فيبين الصورة السلبية لعدة موضوعات إسلامية تناولها الكتاب من العروبة والإسلام، ومكانة الأنبياء والرسل ووصف للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، إضافة إلى وجود تناقض واضح عند التطرق إلى معاملة المسلمين لليهود، مع إظهار الفوقية والاستعلاء والثراء اليهودي مقابل النظرة الدونية والفقر والعبودية عند العرب. كما أجرى عبد الجواد (۲۰۰۳) تحليلات لمضمون أحد الكتب التعليمية الذي يُدرَّس لطلاب المدارس الثانوية.
وكان الهدف من تلك الدراسة الوقوف على مضمون الكتاب الذي هو عبارة عن النظام الحاكم لهذا الكيان الصهيوني، والحديث عنه منذ قيامه، وقضية الدستور والقوانين فيه. وقد توصل عبد الجواد إلى أن كتب التربية والمناهج التي وضعها الكيان الصهيوني تربي الصغار على المفاهيم المغلوطة التي من شأنها أن تخلق جيلًا عنيفًا لا يعرف السلام، ولا يجيد نسج علاقات محبة وسلام مع جيرانه من الدول العربية.
وختامًا، وفي ظل هذا الخطر والإرهاب الصهيوني الناشئ عن فكر ومناهج متطرفة قائمة على العنصرية والتمييز، لا بد من صياغة مجموعة من التوصيات، منها: ضرورة إنشاء مركز بحثية متخصصة في تحليل المقررات والمناهج التعليمية داخل الكيان الصهيوني في جميع المراحل التعليمية، وذلك لوضع خطط لمواجهة الخطر الناجم عن تدريس تلك المقررات هذا من ناحية، وفهم الشخصية الصهيونية والتشوهات المعرفية لديها من ناحية أخرى، مع الوقوف على ما نتج عن النفايات الفكرية والمعرفية التي يتلقاها النشء الصهيوني من مناهج مسمومة أُعدت خصيصًا لخدمة خطط الكيان الصهيوني وأفكاره. تبني خطابٍ إعلاميٍّ موحدٍ على المستوى العربي يكون قادرًا على بناء النفوس وتهذيبها، وعلى فضح الادعاءات الصهيونية، وتوحيد الفكر والقضايا العربية، والدفاع عن الحقوق العربية المغتصبة أمام العالم أجمع. تنبيه القائمين على وضع وتدريس المناهج التربوية في الدول العربية والإسلامية لتضمين المقررات المدرسية المعلومات الكافية للتصدي للاتجاه الموجود في بعض الكتب الدراسية لدى الكيان الصهيوني، خصوصًا تركيزه على العنف والكره ضد العرب بحجة إنقاذ السامية؛ على أن يُراعى في ذلك ألا نقع في مستنقع التشويه والتزييف والتحقير كما وقع فيه من يزعمون أنهم واحة الديمقراطية في المنطقة وروح الغرب في منطقة الشرق! تعاون الأدباء والتربويين والمؤرخين العرب من أجل العمل على التوعية بأهمية التاريخ، باعتباره أحد الأسلحة التي يلعب بها الكيان الصهيوني ويسعى لتوظيفها لخدمة أغراضه وأهدافه الخبيثة، والعمل على فضح الأكاذيب والمغالطات المتعمدة من جانب الصهاينة.