سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء في تحليل جديد على مفهوم الاستثمار غير الملموس وأنواعه، بالإضافة إلى الاتجاهات العالمية المتعلقة بنمو هذا النوع من الاستثمار كما استعرض جهود مصر في تعزيز استثماراتها غير الملموسة، وخاصة في مجال الملكية الفكرية.
وأشار المركز إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا كبيرًا في كيفية خلق القيمة وقياسها في عالم الأعمال في ظل الهيمنة المتزايدة للاقتصاد الرقمي والعولمة والتقدم التكنولوجي السريع، أصبحت الأصول غير الملموسة أكثر أهمية، حيث تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز الأداء المالي للشركات وتقييم السوق كما أن الشركات التي تمتلك أصولًا غير ملموسة قوية تتمتع بمرونة أكبر وقدرات ابتكارية ومكانة سوقية متميزة، مما يمكنها من التفوق على المنافسين على المدى الطويل، حيث تشكل هذه الأصول أساسًا للنمو المستدام والربحية.
إمكانية تصنيف الأصول غير الملموسة إلى فئات متعددة
وأوضح المركز أن الاستثمار كان تاريخيًا موجهًا بشكل أساسي نحو الأصول المادية، مثل المصانع والمعدات ومع التطورات التكنولوجية، بدأت الاقتصادات تعتمد بشكل متزايد على مخزون من الأصول غير الملموسة التي لا تتواجد بشكل مادي، مثل البحث والتطوير والمعرفة والبرمجيات.
أشار التحليل إلى إمكانية تصنيف الأصول غير الملموسة إلى فئات متعددة استنادًا إلى خصائصها واستخداماته وتعتبر الملكية الفكرية، مثل براءات الاختراع وحقوق النشر والعلامات التجارية، جزءًا كبيرًا من هذه الأصول فهي تحمي الإبداعات الفريدة للشركة وتوفر حقوقًا قانونية تتعلق باستخدامها أو توزيعها.
علاوة على ذلك، تُعتبر العلامة التجارية من الأصول غير الملموسة الهامة؛ إذ يمكن لعلامة تجارية قوية أن تميز الشركة عن منافسيها وتساهم في بناء ثقة وولاء العملاء.
كما تُعد علاقات العملاء من الأصول غير الملموسة القيمة، وغالبًا ما تتمتع الشركات التي تركز على إدارة علاقات العملاء بميزة تنافسية في السوق، حيث يمكنها الاستفادة من قاعدة عملائها الحالية لتعزيز النمو المستقبلي.
في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، تُعتبر أنظمة البرمجيات نوعًا أساسيًا آخر من الأصول غير الملموسة، إذ تعتمد الشركات بشكل كبير على البرمجيات لأداء مهام متنوعة، بما في ذلك إدارة علاقات العملاء وإدارة سلسلة التوريد وتحليل البيانات.
على الرغم من عدم ملموسيتها، فإن الأصول غير الملموسة تلعب دورًا حيويًا في خلق القيمة، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو على مستوى الشركات والأفراد. على صعيد الاقتصادات، تُعتبر هذه الأصول محركًا رئيسيًا للإنتاجية ونمو الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تعزز من قدرة الاقتصادات على التكيف مع الصدمات الكبيرة من خلال استخدام التقنيات الرقمية.
الاستثمار في الأصول غير الملموسة
أما بالنسبة للشركات، فإن الاستثمار في الأصول غير الملموسة يسهم بشكل كبير في تعزيز ميزتها التنافسية وحماية الملكية الفكرية، بالإضافة إلى دفع الابتكار والنمو، وجذب أفضل الكفاءات، وزيادة ولاء العملاء، مما يضمن في النهاية نجاحها في السوق.
وعلى مستوى الأفراد، تؤثر هذه الأصول على حياتهم اليومية من خلال تعزيز الابتكار وتحسين الظروف الاقتصادية، وخلق وظائف ذات أجور أعلى، وتحسين جودة المنتجات.
في هذا السياق، يشهد الاقتصاد العالمي زيادة ملحوظة في الاستثمارات في الأصول غير الملموسة، حيث بلغ حجم الاستثمار العالمي في هذه الأصول 6.9 تريليون دولار أمريكي في عام 2023، مقارنة بـ 2.9 تريليون دولار أمريكي في عام 1995، مما يعكس أكثر من ضعف هذا الرقم.
أظهر التحليل أن الاستثمار غير الملموس ينمو بوتيرة أسرع من الاستثمار الملموس، وهناك اتجاهات أخرى تستحق الإشارة في هذا السياق من بين هذه الاتجاهات، تزايد حصة الاستثمار غير الملموس من الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بالاستثمار الملموس في الاقتصادات التي تتمتع بمستويات مرتفعة من الاستثمار غير الملموس، اتسعت الفجوة بين الاستثمارين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ على سبيل المثال، في عام 2023، كانت حصة الاستثمار غير الملموس في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية تقارب ضعف حصة الاستثمار الملموس.
على النقيض من ذلك، في الدول التي تسجل مستويات منخفضة من الاستثمار غير الملموس، تقلصت الفجوة بين الاستثمارين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بدأ الاستثمار غير الملموس في اللحاق بالاستثمار الملموس.
وأشار التحليل إلى أن الزيادة في نسبة الاستثمار غير الملموس من الناتج المحلي الإجمالي تعود إلى تزايد أهميته الاقتصادية، خاصة في أوقات الأزمات، حيث تُظهر مستويات الاستثمار غير الملموس مرونة أكبر مقارنةً بمستويات الاستثمار الملموس.
في الآونة الأخيرة، ومع ارتفاع أسعار الفائدة وتراجع تمويل الابتكار الذي أثر على رأس المال الاستثماري، أظهرت الاستثمارات غير الملموسة مرونة ملحوظة مقارنة بالاستثمارات الملموسة يمكن توضيح هذه المرونة من خلال تحليل التغير في نسبة الاستثمارات غير الملموسة إلى الناتج المحلي الإجمالي قبل وبعد جائحة كوفيد-19 وقد تصدرت لوكسمبورغ وفرنسا والسويد قائمة الدول التي شهدت زيادة في هذه النسبة، بينما سجلت كرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا أكبر انخفاض في الاستثمارات غير الملموسة خلال نفس الفترات.
الاستثمار في منتجات الملكية الفكرية
كما أظهر التحليل أن البرمجيات والبيانات والعلامات التجارية كانت من أسرع أنواع الاستثمارات غير الملموسة نموًا خلال العقد الماضي، حيث نمت بمعدل ثلاث مرات أسرع من البحث والتطوير بين عامي 2010 و2018. في المقابل، شهد الاستثمار في منتجات الملكية الفكرية الأخرى، مثل التنقيب عن المعادن والأعمال الفنية والترفيهية والأدبية، انخفاضًا خلال الفترة من 2011 إلى 2020.
فيما يتعلق بدور مصر في تعزيز استثماراتها غير الملموسة، يبرز التحليل أهمية الملكية الفكرية كأحد أبرز أشكال هذا النوع من الاستثمار إدراكًا لدورها الحيوي في تعزيز الابتكار والإبداع، اللذين يُعتبران أساس النمو الاقتصادي والتنمية الثقافية في أي دولة، أصدرت مصر قانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 هذا القانون يحدد الإطار القانوني لحماية مجموعة متنوعة من حقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك التصميمات الصناعية، والعلامات التجارية، وحقوق النشر، وبراءات الاختراع.
ومن الجدير بالذكر أنه تم تعديل بعض أحكام هذا القانون بموجب القانون رقم 178 لعام 2020، بالإضافة إلى إصدار الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية في سبتمبر 2022، التي تُعتبر حجر الزاوية لمنظومة الملكية الفكرية في مصر.
على الرغم من الإطار القوي الذي يوفره القانون رقم 82 لسنة 2002، إلا أن تنفيذ حقوق الملكية الفكرية يواجه عدة تحديات، منها التعقيدات الناتجة عن التحول الرقمي وتوسع التجارة الإلكترونية، وما يترتب على ذلك من سرقة البيانات والقرصنة عبر الإنترنت كما أن هناك نقصًا في الوعي العام حول أهمية حقوق الملكية الفكرية ويمكن التغلب على هذه التحديات من خلال:
الإصلاحات التشريعية: يتطلب تحديث قوانين الملكية الفكرية لمواجهة التحديات الجديدة، خاصة تلك المرتبطة بالمحتوى الرقمي والتجارة الإلكترونية. ويشمل ذلك توسيع نطاق الحماية ليشمل أشكالًا جديدة من الانتهاكات.
حملات التوعية العامة: من الضروري تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية حقوق الملكية الفكرية من خلال تطوير برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الالتزام بحماية هذه الحقوق، سواء على مستوى الشركات أو المستهلكين أو المهنيين والقانونيين.
تعزيز التعاون الدولي: يتعين إقامة تعاون فعال مع المنظمات الدولية لتوفير الموارد والخبرات اللازمة لمواجهة تحديات إنفاذ الملكية الفكرية على سبيل المثال، يمكن التعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمكاتب الإقليمية المعنية.
وقد أظهر التحليل أن الاستثمار في الأصول غير الملموسة يلعب حاليًا دورًا حيويًا في تعزيز الابتكار والإبداع ودعم النمو الاقتصادي ومع التحول الرقمي السريع وظهور تقنيات جديدة، تزداد أهمية الأصول غير الملموسة، مما يدفع العديد من الدول إلى تبني سياسات تشجع على هذا النوع من الاستثمار.