يعتبر الحج ركن الإسلام الخامس، ويجب على كل مسلم مستطيع مكلف أن يقوم به مرة في العمر، خاصة مع ما تحمله ألقاب مثل خليفة المسلمين و'أمير المؤمنين'، وهو منصب سياسي وديني، لطالما يعني أن صاحبه يلي أمر المسلمين ويخلف الرسول الكريم في شؤونهم، ورغم ذلك فهناك دول لم يحج خلفائها خلال العصر الإسلامي، إما بأسباب صعوبة الحج أوبعد المكان، أولهو الخلفاء أنفسهم وبعدهم عن فكرة تأدية الفريضة.
الدولة الفاطمية
كشف أيمن فؤاد السيد، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة، في كتابة 'الدولة الفاطمية في مصر'، واحدة من دول لم يحج خلفائها، حيث بدأت الدولة الفاطمية من الدعوة السرية التي قام بها الأئمة الإسماعيلية في الشام، وينتسب خلفائها إلى إسماعيل ابن محمد الباقر، وينتهي نسبهم للإمام علي بن أبي طالب، ويوجد الكثير من المشككين في هذا النسب، وبدأت دولتهم حين بايع عدد من أبناء قبيلة كتامة المغربية لأبو عبد الله الشيعي، الذي نجح في إسقاط دولة الأغالبة في تونس وهناك نشأت الدولة الفاطمية، ونجحت في عصر خليفتها الرابع المعز لدين الله الفاطمي في دخول مصر، واعتبرت نفسها الخلافة الشرعية للمسلمين وتلقب الخليفة بـ 'أمير المؤمنين'، وكانوا على المذهب الشيعي بل ويبالغون في التشيع لآل البيت.
وينقسم عصر الفاطميين إلى عصرين الأول وهو العصر الذهبي، حين حكم الخلفاء من أقصى المغرب وحتى الشام والحجاز، واستمر من الخليفة المعز لدين الله الفاطمي وحتى المستنصر بالله، لتأتي الشدة المستنصرية وتبدأ معها العصر الثاني المسمى بعصر الوزراء العظام وفيها اصبح نفوذ الخلفاء إسميًا وتحكم بالأمر الوزراء العظام الذين تولوا شئون الدولة مدنيًا وعسكريًا، وهم بدأوا بالوزير بدر الجمالي في عصر المستنصر حتى صراع الوزيرين شاور وضرغام في عصر العاضد، لتنتهي الخلافة الفاطمية بدخول صلاح الدين الأيوبي إلى مصر.
ولم يحج أي من الخلفاء الفاطميين إلى بيت الله الحرام، والبالغ عددهم 11 خليفة، وامتد حكمهم إلى 3 قرون، رغم أن الحرمين الشريفين كانا تحت سلطة الخليفة الفاطمي وقرب المسافة بين الحجاز ومصر، وحفظت لنا كتب التاريخ قصة الخليفة المستنصر الذي كان يدعي خروجه للحج ولكن في الواقع كان يذهب للنزهة عند أحد محطات التي تبدأ منها رحلة القافلة المصرية للحج والمسماه 'بركة الجب' ويحمل الخمر معه بدل الماء، حسبما روى المقريزي.
وأشرف الخلفاء الفاطميين رغم عدم تأديتهم لفريضة الحج على المحمل المصري وكسوة الكعبة الذاهبة إلى مكة، والتوديع الرسمي لقافلة الحج المصري التي يحضرها الخليفة، واصبح يوم التوديع عيد رسمي لدى الفاطميين.
الخلفاء الأمويين في الأندلس
الخلفاء الأمويين في الأندلس
تأتي الدولة الأموية في الأندلس، والتي تعتبر استمرارًا للدولة الأموية بعد سقوطها في الشرق، فبعد ظهور الدولة العباسية فر الأمير عبد الرحمن الداخل الملقب بـ'صقر قريش' وحكم الأندلس وأسس الإمارة الأموية هناك، وظل كذلك حتى أعلن عبد الرحمن الثالث الخلافة الأموية في الأندلس، واستمرت الدولة حتى انهارت وقسمت الخلافة على يد ملوك الطوائف.
لم يحج أي من خلفاء الدولة الأموية، بل وأفتى سيطرة كبار العلماء في الأندلس بمنع الحج لسلامة الناس، كان من بينهم الفقيه الشهير ابن رشد واللخمي وابن حميدين، ويرجع المؤرخين عدم حج الخلفاء الأمويين في الأندلس للعداء بين دولتهم وكل من الدولة الفاطمية والعباسية اللذان يسيطران على مكة والمدينة، وانتشار الهجمات الصليبية والمد الصليبي في البحر المتوسط مما يجعل من الحرحلات البحرية للشرق خطرًا.
خلفاء العباسيين في العصر العباسي الثاني
العصر العباسي الثاني
لم يحج أي من خلفاء الدولة العباسية الثانية، والتي بدأت من مقتل الخليفة العباسي المتوكل، وتحويل عاصمة الخلافة من بغداد إلى سامراء، واستمرت حتى سقوط بغداد في يد جيوش المغول، وتميز عهدهم بسيطرة القادة الأتراك على الدولة ومن بعدهم الديلم، ثم السلاجقة، وانشغل خلفائها بحياة الترف والدعة وانشغالهم عن اداء فريضة الحج فلم يحج أي منهم، ويتجه بعض المؤرخين أن سبب عدم ذهابهم للحج هو سيطرة كبار الأمراء على أمر الخلافة وعدم السماح للخلفاء بالخروج من بغداد.
الخلفاء العثمانيين
الخلفاء العثمانيين
ويعتبر أشد الخلافات الإسلامية، غرابة في عدم حج خلفائها هم الخلفاء العثمانيين، حيث قامت دولتها على يد طغرل بك على أنقاض دولة سلاجقة الروم، واستمرت في توسعها على حساب الأوروبيين والفرس حتى عصر السلطان سليم الأول الذي غزا مصر والشام وأسقط دولة المماليك وبويع بالخلافة ليصبح أول خليفة عثماني، واستمرت الخلافة العثمانية التي سميت في أواخر عهدها بـ'رجل أوروبا المريض' إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حين قام مصطفى كمال أتاتورك في الإطاحة بالخليفة العثماني وبناء تركيا الحديثة.
ولم يقوم أي من خلفاء العثمانيين سواء في أوج قوتها أو ضعفها، بالحج إلى بيت الله الحرام وتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، وتعددت مبررات المؤرخين الأتراك عن ذلك، وأولها هو خوف السلاطين من الإنقلاب ضدهم اثناء انشغالهم في رحلة الحج، وهو الأهم، وبعضهم ذهب إلى عدم تأمين طرق الحج وهجمات الصليبيين ضد الحرمين وكلها أسباب لم تستمر لأكثر من قرن ولم تكن موجودة لمدة قرنين تاليين حكمت فيها الدولة العثمانية الحجاز.
الخلفاء الموحدين
خلفاء الموحدين
تأسست دولة الموحدين عام 1133م، وكانت صاحبة منهج إسلامي متشدد بني على تنقية العقيدة الإسلامية وتوحيد الله توحيدًا قاطعًا، وأسقطوا دولة المرابطين، وحكموا المغرب والأندلس وكانت الحرب بينهم وبين الدول المسيحية في إسبانيا سجالاً بدأت بإنتصار في معركة الأرك، وانتهت بهزيمة كبرى في معركة العقاب، وتسمى حكامها بـ'الخلفاء'، واستمر حكمها حتى عصر إدريس الواثق أبو دبوس 1269، عندما أسقط حكمهم الحفصيين والمرينيين.
لم يؤدي أي من الخلفاء الموحدين البالغ عددهم 13 خليفة والممتد حكمهم إلى قرن من الزمان رغم تشددهم الديني فريضة الحج، وذلك لنفس الأسباب التي أفتى بها المرابطون اللذين قاموا ضدهم من بعد المسافة وعدم تأمين الطريق إلى الأماكن المقدسة، والحروب الصليبية، ولعل السبب كان في الإضطرابات الأولى في العلاقة بين الموحدين وصلاح الدين مؤسس الدولة الأيوبية التي حكمت مصر والشام.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
