أثار البدء في ترميم قاعدة تمثال ديليسبس، موجة من الغضب العارم على صفحات التواصل الاجتماعي 'الفيسبوك'.
وبدأت حملة لا لعودة تمثال ديليسبس تنشط بشكل كبير، ومع تفعيل هشتاج #لا- لتنصيب – تمثال – ديليسبس #، تذكر العديد من الحقائق التاريخية التي لا يعرفها الكثير من المواطنين.
أهل مصر تتناول بعض هذه المعلومات منها رسالة خطية للدكتور مصطفى الحفناوي أول مستشار قانوني لقناة السويس في عهد الرئيس عبدالناصر موجهة للصحفي علي أمين.
يقول المهندس علي الحفناوي نجل الدكتور مصطفى الحفناوي 'المراجع القانوني لقرار تأميم قناة السويس'، والذي عهد إليه الرئيس جمال عبد الناصر في 25 يوليو 1956 وقبل تأميم القناة بيوم واحد، بأن يكون المستشار القانوني لأول شركة مصرية تدير قناة السويس.
ويقول إنه في بداية الخمسينات، فوجئ والده بهجوم من الصحفي 'علي أمين' على الإذاعة المصرية بخصوص ديليسبس، فأمسك بقلمه في لحظتها وكتب برسالة لعلي أمين توضيحًا للحقيقة.
حضرة الأستاذ الفاضل علي أمين:
رسالة الدكتور مصطفى الحفناوي للصحفي علي أمين
كتبتم بعنوان فكرة في الأخبار الجديدة بتاريخ 9 فبراير الجاري، كلامًا حملتم فيه على مذيع بهيئة الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية لأنه وصف ديليسبس بالنصب والاحتيال، وإني إذ أشكر المذيع على صراحته ووطنيته، أرجو أن تتفضلوا بنشر هذا البيان في مكان ظاهر من الأخبار الجديدة، عملا بحرية النشر، وإحقاقا للحق، مع رجاء ملاحظة مسئوليتي عن صحة هذه البيانات كمتخصص في هذا الموضوع من جامعة باريس، والوثائق عندي، لمن أراد أن يرجع إليها:
لم يكن ديليسبس مهندسا كما ذكرتم، فهو لم يتعلم الهندسة ولم يتخصص في أي فن وإنما اشتغل بالسلك القنصلي بعد أن قضى سنة واحدة في مدرسة الحقوق.
رسالة الدكتور مصطفى الحفناوي للصحفي علي أمين
و ليس من التجني أن يوصف بالنصب والاحتيال، فقد سبقنا بوصفه كذلك اللورد بلمرستون بمضابط مجلس العموم في سنة 1855، وصدر حكم القضاء الفرنسي نفسه بالسجن خمس سنوات والغرامة ضد فرديناند ديليسبس بتهم النصب والاحتيال والرشوة والتزوير، وهذه هي أمجاده.
و يعترف ديليسبس بنفسه في كتب منه إلى حماته بأنه يتسلط على الأمير محمد سعيد، منذ أن كان هذا الأخير في الثالثة عشرة من عمره، بالنساء والحشيش والليالي الحمراء.
الدكتور مصطفى الحفناوي يرفض عودة ديمثال ديليسبس إلى قاعدته
و ديليسبس هو أول من فتح باب القروض الأجنبية، وعقد صفقاتها في أيام سعيد وإسماعيل، وكان سمسارا جبارا في أهم تلك العمليات، هو رئيس لجنة التحقيق الأوروبية التي قضت على كيان مصر السياسي والمالي قبيل الاحتلال، وهو الذي خدع عرابي وأبعده عن القناة ثم فتح القناة للإنجليز وتسبب في مأساة التل الكبير.
وعقد دي ليسبس اتفاقات مع الحكومة البريطانية لتؤكد هيمنتها على القناة، ولم يحفر ديليسبس القناة، وإنما حفرها الفلاحون المصريون الذين ماتوا بعشرات الألوف، ودفعت مصر في عملية القناة من خزانتها ضعف ما تكلفته بواقع إحصاءات الشركة وبياناتها الرسمية.
كما اعترف في مذكراته بأنه كان يهدف لخلق دولة فرنسية في جسم مصر، توطئة لاحتلال فرنسا لمصر ثم سيطرتها على العالم، وقد خانه تقديره.
كتب ديليسبس للبابا بيوس التاسع في سنة 1857 يطلب تدخله لفرض مشروع القناة، وقرر أنه المشروع الأهم للتبشير المسيحي في بلاد المسلمين.
قبل المشروع، كان ديليسبس مفصولا من خدمة السلك السياسي الفرنسي بعد تهم ماسة بالشرف كانت منسوبة إليه، وحياته كانت سلسلة مغامرات متصلة.
القول إن القناة جعلت مصر قطعة من أوروبا كلام تردده شركة قناة السويس في دعايتها بالخارج بقصد مد أجل الامتياز، وهي تلك المحاولة التي بذلت في سنة 1910 وقضي عليها الورداني، رحمه الله.
وإن شئت تفضلا فاقرأ كتبي، وإن شئت أن تتحقق من صحة بياناتي، فاحضر إلى مكتبي، وإني ألح في طلب نشر هذا البيان، راجيا أن تحكم ضميرك وشرفك الوطني.
رأي الدكتور مصطفى الحفناوي في عودة تمثال ديليسبس أثناء حوار في التليفزيون الفرنسي
ويذكر المهندس على الحفناوي رأى والده في وضع التمثال، فيقول إنه بمناسبة مائة عام على افتتاح قناة السويس، استضاف التليفزيون الفرنسي في مايو 1969 الدكتور مصطفى الحفناوي في حلقة خاصة بتاريخ القناة، ثم سأله المذيع نقلا عن المشاهدين عن رأيه في إعادة وضع تمثال ديليسبس في مكانه، وهذا كان رده:
لأني أكثر من اضطلع ودرس ملفات هذه القضية دون عن مواطنين بلدي، وبصفتى مصري ووطني، يجب أن أجزم أني لم أكن أبدًا على وفاق مع ديليسبس.
ولكني، لو كنت فرنسيا، لوضعت له تمثالا في كل ميناء فرنسي، بل في كل ميناء أوروبي، حيث إن الدول الأوروبية تدين له بازدهارها ونموها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر على حساب القناة.
صور نادرة جدا ..على الحفناوى :جد والدى هو احد عمال حفر القناة
ويقول المهندس علي الحفناوي، إنه في بداية عصر ظهور التصوير الفوتوغرافي، قام بعض المصورين بالتقاط صور نادرة - رغم تزامن العصر مع استمرار نقل المعلومات بالرسومات الفنية – إلا أن الصور تمثل شهادة حية للوقائع دون تدخل خيال الرسام في إخراج اللوح الفنية.
صور نادرة لحفر قناة السويس
وفي أرشيف شركة قناة السويس في فرنسا، ظهرت بعض الصور الفوتوغرافية لمراحل حفر قناة السويس، ويظهر بها عمال السخرة المستخدمين في الحفر (وقد يكون جد والدي أحد هؤلاء العمال)، أنشر بعضها ردًا على مقولة أن الشركة لم تستخدم عمال مصريين في الحفر لأنه تم ميكنة العمل، فبعدما تولى الحكم، ألغى الخديوى إسماعيل استخدام السخرة في الحفر عام 1864.
صورة نادرة للفلاح المصري وهو يحفر قناة السويس
ولكن كان قد بدأ الحفر عام 1859 في عصر محمد سعيد باشا، واستمر حتى وفاته في 1863، وعندما اضطر ديليسبس إلى جلب الآلات والماكينات، أحضر إلى مصر مئات العمال والفنيين من إيطاليا وفرنسا واليونان لتشغيل الآلات والحفارات.
هذه هي شهادة التصوير الفوتوغرافي لتوثيق التاريخ الذي يكذبه البعض
صور نادرة لحفر قناة السويس
ويتابع المهندس علي الحفناوي حديثه، فيقول إن جدي الأكبر، عبد الله الحفناوي، تم اقتياده ظلماً مع عمال السخرة لحفر قناة السويس عام 1861، بعيدًا عن قريته 'حفنا' بجوار بلبيس.
جدى لوالدتي، الشيخ على الغاياتي، نشر ديوان شعر اسمه وطنيتي، به قصيدة ضد مشروع مد امتياز قناة السويس، فحكم عليه وعلى محمد فريد وعبد العزيز جاويش بالسجن، فاستطاع الفرار إلى سويسرا حيث ظل منفيا، مصدرًا لجريدة منبر الشرق، من 1910 إلى 1937.
والدي مصطفى الحفناوي المحامي، قضي عمره مجاهدًا على الساحات الدولية لإثبات حق مصر في استعادة قناة السويس، حتى تحققت نتيجة هذا الكفاح بصياغته لقرار تأميم شركة القنال، بطلب من عبد الناصر عشية إعلان التأميم.
كيف لي، وأنا من الجيل الرابع لهذه العائلة الوطنية التي ارتبطت بتاريخ قناة السويس، أن أصمت عندما أرى تاريخ عائلتي متمثلا في تاريخ وطني يمتهن؟! لا لن أصمت.
واختتم الحفناوى حديثه، فيقول البعض يتخيل أن وضع تمثال ديليسبس في مدخل القناة ببورسعيد سيجلب السياحة والمليارات على المدينة الباسلة، هذا مجرد وهم وعدم فهم لآليات الأسواق السياحية ولمحركات المصالح الدولية، لن نبيع تاريخنا الوطني لإرضاء بعض الواهمين والحالمين، ولن نبيع كرامتنا الوطنية لمجاملة أي كيان، مهما كانت صداقاتنا وتخيلنا الساذج لمردود ديبلوماسي أو اقتصادي لن يكون، أغلقوا هذا الملف حفاظا على احترام العالم لنضال هذا الشعب، وحفاظا على السلم الاجتماعي ومنعًا للإحباط.