صرخات صامتة لفتيات وقعن فريسة للتحرش والاعتداء الجنسي، خشين الإفصاح عن ذلك لعدم التشهير خاصةً وأنهن يعيشن في بيئة ذات طابع ريفي وتحكمها عادات وتقاليد خاصة.
ففي خضم تصدر قضية الاغتصاب والتحرش الجنسي واجهة النقاش واحتدامه حولها، بعد أن ضجت مصر خلال الأيام الماضية على خلفية قضية طالب في الجامعة الأمريكية تتهمه أكثر من 100 فتاة بالاغتصاب والاعتداء الجنسي على قاصر والتحرش بأخريات، بدأت بعض الفتيات في روي قصص صادمة لما حدث لهن من وقائع التحرش والاعتداء الجنسي.
داخل بعض القري في محافظة البحيرة التقت "أهل مصر" بضحايا للاعتداء الجنسي والتحرش، كسرن حاجز الصمت وتحدثن عن بشاعة ما عاشونه خلال عملهن في بعض المهن، لاسيما مهنة "السكرتارية"، تلك المهنة التي أصبحت المتنفس الوحيد حاليًا للفتيات حديثي التخرج وطالبات الجامعة والعاطلات عن العمل والمطلقات والأرامل، بعد غلق جميع أبواب العمل أمامهن، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود شروط علمية للالتحاق بتلك المهنة، وإنما فقط تعتمد علي مواصفات خاصة يحددها صاحب العمل.
البحث عن طوق نجاة من الغرق في الديون والعجز عن سد الاحتياجات المنزلية، كان سببًا كافيًا للموافقة علي أي شروط من أجل الحصول علي عمل داخل شركة، إلا أن الصدمة الكبري التي واجهت الفتيات اللاتي تحدثن إلينا بأنهن وجدن شروط العمل في وظيفة السكرتارية تتخطي ما هو معتاد في أي وظيفة أخري من توافر شهادة جامعية وخبرات سابقة وغيره، إلي التخلي عن الشرف والعادات والتقاليد والتحلي بعادات وتقاليد صاحب العمل الذي يريد "ممارسة الجنس" خلف ستار لا يدركه غير الفتيات اللائي اخترقن حدود هذا العالم الملئ بالجرائم.
"الجنس مقابل العمل"
"فوجئت به يعرض عليّ مبلغًا كبيرًا من المال مقابل ممارسته الجنس معي، فأصابتني صدمة كبري وتركت العمل وعُدت مسرعة إلى المنزل ودخلت في نوبة بكاء شديدة"، هكذا شرعت "يسرا. م"، البالغة من العمر 30 عامًا، والمقيمة في إحدى القرى التابعة لمركز دمنهور، في حكايتها مع مهنة السكرتارية.
بنبرة حزيية تسترسل "يسرا" في قصتها: "بعد حصولي علي دبلوم فني صناعي بحثت عن عمل لتوفير مصدر دخل لضيق المعيشة وبسبب عدم استكمال التعليم وحصولي علي مؤهل عالٍ كان صعب الالتحاق بأي وظيفة حكومية وليس هناك خيار أمامي غير العمل في القطاع الخاص، مثل العمل في مصنع أو محل تجاري أو العمل سكرتيرة في عيادة أو شركة، وكان أسهل وأنسب عمل لي السكرتارية لأنها مهنة لا تتطلب إجراءات وشروط كثيرة".
تُتابع "يسرا": "جارتي استطاعت توفير عمل لي سكرتيرة في مكتب لفرع شركة استيراد وتصدير في مدينة دمنهور، وكانت أول تجربة لي في هذه المهنة، وكنت خائفة للغاية أثناء التقدم للعمل وإجراء مقابلة خشية طلب شروط تعجيزية مثل اتقان لغات أجنبية ومهارة العمل علي جهاز الكمبيوتر، ولكن فوجئت بصاحب العمل كانت كل المواصفات التي حددها هي حُسن المظهر واللباقة فقط، وبعد ٢٤ ساعة من المقابلة الشخصية قام صاحب المكتب بالتواصل معي للبدء في العمل، فرحت فرحًا شديدًا لأنني كنت في حاجة لمصدر دخل".
وأضافت أنها عملت عام ونصف العام، وبعد فترة من العمل توقف راتبها الشهري بسبب وجود أزمة مالية، وعندما تواصلت مع مدير فرع الشركة لتوفير الراتب بسبب ظروفها المعيشية الصعبة أكد لها بأن الرواتب معلقة منذ شهرين في فرع الشركة في القاهرة بسبب الأزمة، مضيفة أنه بعد مرور أسبوعٍ طلبها مدير الفرع في مكتبه فذهبت له علي الفور ففوجئت به يعرض عليها مساعدة مالية بمبلغ كبير وقال بأنه مساعدة منه لها، فرفضت بحجة أنه من الغير ممكن أن تحصل علي مبلغ مالي بدون مقابل عمل، ليصدمها المدير بقوله بأن هذا المبلغ هو نظير موافقتها علي ممارسة الجنس معه.
"هددني بالفضيحة"
واستمرت "يسرا" في رواية قصتها: "صُدمتُ من حديثه وفورًا خرجت من المكتب وذهبت إلي المنزل ودخلت في نوبة بكاء شديدة وقررت ترك العمل وتواصلت مع جارتي الوسيط بيني وبين صاحب الشركة لإرسال راتب الشهرين لها بعد مرور الأزمة لأنها غير قادرة على استكمال العمل في فرع الشركة، ولكن كان رد مدير الفرع في القاهرة بأن الرواتب لا تتوقف ويتم إرسالها بشكل مستمر شهريًا، فذهبت إلى الفرع وقمت بالتحدث إلي مدير الفرع في المكتب ومواجهته بالحقيقة، فاعترف بأنه قام بحجب الراتب للضغط عليّ لكي يستطيع ممارسة الجنس معي، وعندما قمت بتهديده اعتدى عليّ بالضرب وهددني بصور وفيديوهات قام بتصويرها لي في غرفة تغيير الملابس داخل المكتب وخيرني ما بين أمرين إما الفضيحة وإما العمل معه وممارسة الجنس، وبعد رفضي خاصة وأنني بنت بنوت، طلب مني البحث له عن مطلقات للعمل في المكتب لممارسة الجنس معه".
واستكملت حديثها قائلة: "عقلي توقف عن التفكير.. كنت متحيرة ما بين الفضيحة وأن أحمل وِزر سيدات يقعن فريسة من أجل احتياجهن إلي مصدر رزق لتلبية احتياجات منزلهن، ولكن خوفًا من الفضيحة نفذت طلبه وتحدثت مع سيدة مطلقة للعمل في المكتب، وبعد مرور أسبوع من استلامها العمل طلبت منه حذف الفيديوهات والصور التي لديه وترك العمل والتنازل عن راتب الشهرين فقام بحذفهم بعدما اشترط التوقيع على إيصال أمانة بمبلغ مالي حتى يستطيع الضغط عليّ في حالة كشف سره أو قمت بلفت انتباه السيدة المطلقة عن ما يحدث داخل المكتب".
"صفاء. ن" صاحبة الـ 22 عامًا، مقيمة في مركز كفر الدوار، تعرضت هي الأخرى لتحرش واعتداء جنسي من طرف صاحب محل سوبر ماركت، وتقول في هذا الخصوص: "تعرضت للتحرش والاعتداء الجنسي أثناء عملي لدي صاحب سوبر ماركت، حيث بعد وفاة والدي لم أقوي علي مصاريف الجامعة وبدأت في البحث عن عمل مناسب إلي جانب دراستي في الكلية فرشحت صديقة لي أحد محلات السوبر ماركت المجاورين للجامعة للعمل به في الفترة ما بعد انتهاء اليوم الدراسي، وعلي الفور ذهبت لصاحب المحل، وكان رجلًا مسنًا وتبدو عليه الهيبة والاحترام، وعرضت عليه العمل معه ورحّب بشدة وتم الاتفاق على مواعيد العمل وفقًا لجدول دراستي".
وتابعت "صفاء": "بعد مرور ٢٠ يومًا من العمل في السوبر ماركت، كان قد اعتاد صاحب العمل علي غلق الباب الرئيسي للمحل وترك الباب الخلفي خلال فترة الظهيرة بسبب أن حركة الشراء تكون شبه متوقفة في هذا التوقيت، ويقوم بتشغيل التلفاز لمتابعة الأخبار، أما أنا فكانت معي الكتب الدراسية وأقوم باستغلال تلك الفترة في المذاكرة إلي وقت العصر، ثم يتم فتح جميع أبواب المحل مرة أخري لتزايد إقبال المواطنين علي الشراء".
"أنقذني الصراخ من بين يديه"
تُشير "صفاء": "في ذات يوم طلب صاحب المحل الجلوس إلي جواره لمشاهدة التلفاز معه لتخفيف ضغط المذاكرة والعمل، وبعد الجلوس إلي جواره قام بوضع سلك آخر في التلفاز وفجأه تحول السوبر ماركت إلي مسقط رأس لممارسة الجنس بعد عرض مشاهد مخلة للآداب وطلب مني مشاهدة التلفاز معه، وعندما رفضت غضب بشدة قائلًا: يعني انتي أول مرة تتفرجي علي أفلام زي دي.. بلاش دور الشرف ده، واتهجم عليّ بقوة لدرجة أنني لم أستطع المقاومة سوي بالصراخ حتى امتلأ المحل بالمواطنين، ورفضت تحرير محضر بالواقعة خوفًا من الفضيحة خصوصًا بعد وفاة والدي".