قطع رخامية تفترش الرصيف يتوسطها رجل في العقد السادس من عمره، بدت وكأنها صديق له ألفه منذ سنين عديدة إذ يقبل عليها في صباحه مبتسما وكأنها ملاذه الوحيد الذي يجد فيه ما تطيب له نفسه، إذ تعاهدا على الجلوس سويا يتصارعان مع حرارة وبرودة الطقس معا، كأنهما أرادا أن يبرهنا مقولة 'حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب'.
ويذكر ذلك الرجل الذي يجلس بين تلك القطع الرخامية، أن مهنة الحفر على الرخام من المهن اليدوية التي أوشكت على الاندثار، حيث أضحت ماضي في طيّ النسيان إلا أن صانعي تلك المهن يأبون ذلك، فهم يضربوا أروع الأمثال في الحفاظ عليها إذ أنها تحمل تراث شعب برمته آملين في نقل هذا التراث إلى أوطان عديدة.
وألتقت عدسة 'أهل مصر'، بهذا الرجل الذي يدعى 'محمود علي إبراهيم'، أحد أقدم ناحتي الرخام بدمنهور، ليروي لنا ما تحمله تلك المهنة بين طياتها من تراث.
وذكر أنه ينحت على قطع رخام المقابر والمنازل، مشيرا إلى أن هذه المهنة اليدوية لا تدخل بها صناعات آلية، لكنها تعتمد على بعض المعدات مثل شاكوش، وقلم أزميل بطرفين، حيث يستخدم الشاكوش بالطرق على أحد جانبي الأزميل بالتبادل مع الآخر.
وأضاف أقدم ناحتي الرخام بدمنهور، أنه قبل عملية النحت يقوم أحد الخطاطين بالكتابة على قطعة الرخام، ثم يأتي دوره في عملية النحت، وأشار إلى أنه يعمل على نوعان من الرخام هو الأبيض والمصري، كما أنه يعمل بجميع مقاسات قطع الرخام المختلفة.
وأشار 'عم محمود'، إلى أن أسعار القطعة الرخامية وهي قطعة الرخام مقاس (30 في 40)، تكلف 70 جنيها شاملة الخطاط بثمن الرخامة، والقطعة الأكبر حجما من ذلك مثل الـ(40 في 40)، تكلف 100 جنيه.
وتابع 'علي' حديثه، مشيرا إلى أنه يعمل بمهنة الحفر على الرخام منذ عام، 1983 حيث كان يبلغ عمره 15 عاما، وأضاف أنه لم يرث تلك المهنة بل أنه اتقنها في عام حيث كان يعمل مع صديقه في صغره، فلم يبدأ بالحفر على الرخام مباشرة، حيث كان يعمل بواجهات المنازل السكنية، وعندما تقدم في العمر اتجه لتلك المهنة.
وأردف 'عم محمود'، أنه ليس لديه عمل سوا تلك المهنة التي يعتمد عليها في كسب قوت يومه، لافتا إلى أنه يبدأ عمله من الساعة الـ11 صباحا حتى الـ6 مساء، كما أنه ليس لديه مكان يعمل به فقد اعتاد على الجلوس بجوار مسجد التوبة بمدينة دمنهور، والذي يمكث به منذ قرابة 35 عاما ولم يعترضه أحد، حيث اعتاد جميع سكان المنطقة على وجوده.
وذكر أنه لم يسعى لتعليم ابنه تلك المهنة، حيث أنها أوشكت على الاندثار كما أنها لا توفر المال الذي يضمن لابنه حياة كريمة، نظرا لاختلاف زمنه الذي نشأ به وعاصره عن زمن ابنه الحالي الذي يسعى فيه الشباب في البحث عن مقومات الرفاهية أكثر من المقومات الأساسية التي تضمن استمرار الحياة، وفيما يتعلق بما يدخره من تلك المنهة وظروف المعيشة ذكر أنه نسق بين دخله اليومي وما ينفقه على أولاده بحيث يكون دخله كافيا لظروف معيشته فلا يحتاج لمساعدة أحد.
وفي ختام حديثه لم يطلب 'عم محمود' مساعدة من مسؤولي البحيرة كتوفير مكان آمن يمارس به عمله، بل توجه بالطلب إلى الله في أن يديم عليه ستره وعافيته، موجها النصيحة للشباب بضرورة الاجتهاد ومواصلة العمل ليلا ونهارا لتحقيق ذاتهم.