تُعد منطقة العكرشة الصناعية، التابعة لمركز الخانكة في محافظة القليوبية، أكبر تجمع صناعي عشوائي، إذ تضم أكثر من 400 مصنعا في مختلف الصناعات كـ'البلاستيك، والورق، والزجاج، ومسابك الزهر، والقطن'، وغيرها من مصانع بئر السلم التي لا تخضع لرقابة الدولة، كما تضم 4 أحواض على مساحة ما يقرب من 350 فدانا.
وتحولت المنطقة بأكملها لأكبر بؤرة تلوث بالمحافظة، إذ تتصاعد الأدخنة والغازات السامة من المصانع التي تسببت في إصابة المحيطين والعاملين بالمنطقة بأمراض سرطانية مزمنة، فضلا عن تلال القمامة التي تحاصر المنطقة من كل جانب، خاصة 'مصرف الجبل الأصفر'، الذي يمر بمنتصف المنطقة الصناعية.
ويعيش أهالي تلك المنطقة في جحيم بسبب سوء الخدمات المقدمة لهم وإهمال المنطقة منذ عشرات السنين، وعدم وجود خطة حكومية واضحة وعاجلة لتطويرها، على الرغم من قيام الدولة بتخصيص أموالا لتطوير المنطقة قبل ثورة يناير 2011، وتحويلها لمنطقة صناعية نموذجية للاستفاده منها، إلا أن التطوير لم يصل لـ'العكرشة'، لإصطدامه بمعوقات الروتين.
مصنع بلاستيك بير سلم
انبعاثات غازات وأدخنة سامة
'إحنا عايشين في جحيم'.. بتلك الكلمات قال 'حمدي فروح'، موظف، إن منطقة 'العكرشة' تعد أسوأ بؤرة تلوث على مستوى الجمهورية بأكملها، نظرا لانعدام كافة الخدمات بتلك المنطقة، على الرغم من الزيارات المتكررة لمسئولي المحافظة، وإطلاق الوعود البراقة بتطويرها، إلا أن المنطقة لم تشهد حتي الآن أي تطوير، وأصبحت تصريحات المسئولين استهلاكا للشو الإعلامي فقط.
وأشار فروح، في حديثه لـ'أهل مصر'، إلى أن المنطقة يوجد بها 15 مسبكا، تعمل معظمها ليلا فى الخفاء بعيدا عن أعين الأجهزة التنفيذية، إذ تقوم على تصنيع المواد الخطيرة، مثل: 'صهر بطاريات السيارات القديمة'، لاستخراج الرصاص منها، وصناعة المواد الكيماوية التى تستخدم فى بعض الصناعات، وتسييح المخلفات لاستخراج الحديد والألومنيوم، باستخدام وسائل بدائية، وإنتاج مواد كيماوية مختلفة.
ولفت أن كل هذه المصانع ينتج عنها انبعاثات الغازات السامة المدمرة، التي أصابت أهالي القري والمناطق المحيطة بها بالأمراض الصدرية، مثل: الربو، والحساسية، المزمنة'، وغيرها من الأمراض جراء استنشاق تلك الغازات السامة، خاصة بين كبار السن والمرضى والأطفال، في ظل غياب تام لأجهزة الرصد البيئي وتقاعس مسئولي المحافظة عن محاسبة أصحاب تلك المصانع قاتلي الحياة بالمنطقة.
مصنع قطن في الشارع
مصرع 4 أشخاص بسبب التلوث
وأوضح عبدالرحمن عبدالكريم، محامي، أن 'مسابك' العكرشة تعد قنبلة موقوتة نظرا لما ينبعث منها من مخلفات الرصاص القاتلة واختلاطها بمياه الصرف، مما ينتج عنها انبعاثات وأدخنة سامة تفتك بأجساد المواطنين والعاملين، مشيرا أن المنطقة لا تخلو يوما من الكوارث البيئية، أخرها الكارثة التي راح ضحيتها 4 أشخاص وإصابة 10 أخرين، جراء استنشاقهم دخان وأبخرة المصانع السامة، عندما قام أحد الأهالي باستخدام بعض الأتربة لردم قطعة أرض فضاء تتوسط المنازل، بعد أن ظهرت بها مياه الصرف الصحي وتصاعد منها الدخان والأبخرة السامة.
وطالب عبدالكريم، كافة أجهزة الدولة بالتحرك سريعا والقضاء على نسبة التلوث المرتفعة والغازات السامة الناتجة عن المصانع بالمنطقة، التي أصبحت تحصد أرواح الأبرياء والشباب الباحثين عن فرص العمل بتلك المصانع وتقنين أوضاعها بيئيا حرصا على صحة وسلامة الأهالي .
مصنع ورق مخالف
البنية التحتية
وأضاف 'أحمد مصطفي'، تاجر أراضي، أنه على الرغم من أن العكرشة تضم أكثر من 400 مصنعا، إلا أنها تعاني من سوء أوضاع البنية التحتية، لافتا أنه لا يوجد بها طرق سليمة ممهدة، ولا نقطة شرطة، ووحدة صحية مجهزة بأحدث المعدات، والألات والأجهزة الطبية تكون مستعدة للتعامل مع أي حالات طارئه أو إصابات.
وأشار أنه لا يوجد بها وحدة مطافئ مجهزة للتعامل مع أي حرائق، فضلا على مصرف العكرشة التي تحولت جسوره إلى تلال من القمامة تسكنها الزواحف والحشرات وتنبعث منها روائح كريهة تزكم أنف المارين بتلك المنطقة، متهما الحكومة بإهمال العكرشة لسنوات طويلة وعدم النظر إليها حتي تحولت لأكبر منطقة تلوث بالجمهورية.
قروض لتحسين الوضع البيئي
من جانبه، قال رمضان الزيني، رئيس جمعية مستثمري العكرشة، إن المنطقة تواجه مشاكل كثيرة، أهمها عدم وجود صرف صحي مما يؤدي لقيام أصحاب المصانع بالمنطقة بصرف صرفها الصناعي بمصرف العكرشة الذي يمتلىء على آخره، مما يضطر معه العاملون بالوحدة المحلية لتعلية جوانب المصرف حتى لا تغرق المنطقة بمياه الصرف.
وأوضح الزيني، أنه منذ صدور القرار رقم 208 لسنة 2008، بتخصيص العكرشة منطقة صناعية لم يتم إنشاء أي مرافق أو خدمات بها، وليس للجهات التنفيذية أي نشاط بها سوا تحصيل الضرائب والتأمينات، مطالبا الحكومة بضرورة البدء في مشروع الصرف الصناعي بالمنطقة، ثم تغطية المصرف المار بوسط العكرشة، وإدخال الغاز الطبيعي لخدمة المصانع، وإنشاء نقطة شرطة، ونقطة إطفاء، وإسعاف.
كما طالب برصف الطرق وإعادة الطريق الرابط بين عزبة الأبيض بأبو زعبل، وطريق مدينة السلام بالخاكة، وهو الطريق الرئيسي الذي يعتمد عليه معظم المصانع بالمنطقة، كما طالب وزارة البيئة بمنح قروض لأصحاب المصانع للمساعدة في تطوير بعض المصانع لتتلاءم مع البيئة وذلك للقضاء على معدلات التلوث المرتفعة بمنطقة العكرشة.
مصرف العكرشة
دعم المستثمرين بالعكرشة
من جانبه، أشار اللواء عبدالحميد الهجان في تصريح لـ'أهل مصر'، أن المحافظة تولي اهتماما بالغا لملف الاستثمار ودعم المستثمرين الجادين وحل مشاكلهم بالتنسيق مع الهيئات والجهات المختصة، مشيرا أنه فور توليه المسئولية محافظا للقليوبية، تفقد منطقة العكرشه الصناعية، واستمع إلى مشاكل العمال والمستثمرين ورجال الأعمال للعمل على حلها بالتنسيق مع هيئة التنمية الصناعية، ووزارة البيئة، لتوفيق أوضاع المصانع غير المطابقة لاشتراطات التراخيص أو البيئة، والوصول إلى حل عادل يدعم المستثمرين وفي نفس الوقت يحفظ للدولة حقوقها، وتطبيق الإشتراطات البيئية حفاظا على الصحة العامة لمواطني المنطقة.
وأضاف 'الهجان'، أنه تم التنسيق مع وزارة التجارة والصناعة، وهيئة التنمية الصناعية لتوفيق أوضاع المنطقة بالكامل للنهوض بها وتطويرها، وإستكمال الخدمات التي تحتاجها وعلى رأسها الصرف الصحي وزيادة أحمال الكهرباء ورصف الطرق الداخلية والأمن وتغطية مصرف الصرف الصحي، مؤكدا أنه سيقوم بتكرار تلك الزيارات للعكرشه لمتابعة الموقف على أرض الواقع والاجتماع مع المستثمرين حتى يتم إنهاء جميع المشكلات، مشيرا أن المحافظة ستبذل قصارى جهدها في تسخير كافة إمكانياتها للنهوض بقطاع المستثمرين لدفع عجلة الإنتاج والتنمية لخلق المزيد من فرص العمل للشباب وتقليل البطالة.