قصص وحكايات لطالما شاهدنا مثلها في التليفزيون لكنها تجسدت في الواقع مثل حكاية المجند محمد عبد الحميد، الذي أقام له أهله وذويه سرادق عزاء وهو لا يزال حيا، بعدما أشيع نبأ وفاته واختفت معالم وجوده بحرب أكتوبر 1973، واقتربت عدسة 'أهل مصر' لكي تتعمق في تفاصيل تلك الرواية.
في البداية، يقول محمد عبدالحميد عوانة صاحب الـ71 عاما ابن محافظة البحيرة أنه التحق بالجيش وكتب له المشاركة في حرب أكتوبر، وأصيب بطلق ناري في قدمه ظل ينزف قرابة اليومين بترعة فى الإسماعيلية حتى فقد وعيه.
وأضاف عوانة أنه بعد انتهاء الحرب ومطالبة إسرائيل 'بالهدنة' فوجئوا بطلق ناري من قبل بعض الجنود لكنها باءت بالفشل، مشيرًا إلى أنه أصيب على أثر تلك الأعيرة النارية واستيقظ بوجوده أسيرًا داخل إسرائيل، حيث تم علاجه من جراحه هناك، وذلك يوم 22 أكتوبر 1973.
وتابع وذكرياته تراوده بين حزن ٍوفخر، حيث قال إنه مكث أسيرا بإسرائيل لمدة شهرين و7 أيام، خلفت لديه كثير من الآمال في العودة إلى وطنه ورؤية ذويه، وامتزج بها حبه واعتزازه بانتمائه للجيش المصري وبسالته في الدفاع عن وطنه، فما كان لتلك العدو من حيلة في الانتصار عليهم سوى أخذ ما أصيب منهم كأسرى، مشيرا إلى أنه عاد إلى وطنه في صفقة لتبادل الأسرى.
منزل المجند البحراوي
وقال ووجهه مبتسما عندما تذكر عودته إلى قريته، إذ فوجئ أنهم أقاموا له سرادق عزاء حيث خيل لهم وفاته في الحرب، إلا أنهم استقبلوه بحفاوة بالغة ممزوجة بشئ من الصدمة حيث تفاجئوا بعودته إليهم بعدما ذيع نبأ وفاته.
منزل المجند البحراوي
وأكمل البطل البحراوي حديثه أنه كان يثق كل الثقة في عودته لوطنه مرة أخرى لكنه عاهد ربه بمجرد رجوعه سيقوم بخدمة أهالي قريته، وذلك من خلال قيامه بإصلاحات للأجهزة الكهربائية لديهم دون مقابل مادي، حيث أنه أتقن تصليح الأدوات الكهربائية والدبابات والسيارات، وذلك من خلال 'سلاح المهندسين' داخل المؤسسة العسكرية.
وأشار عم 'عوانة' إلى أنه تم تكريمه من قبل القوات المسلحة بـ نجمة سيناء ومنحه وسام الأبطال، وذلك بمسرح سيد درويش، عقب عودته من الأسر، كما أنه تم منحه وظيفة حكومية، إلا أنه رفض بعد ذلك التعيين، وفضل السفر للعمل بالخارج.
وأضاف ابن محافظة البحيرة، أن ما فعله من خدمة حوائج الناس، ثمرة ما تعلمه من المؤسسة العسكرية قائلاً: 'خير الناس أنفعهم للناس'، مشيرا إلى أنه عاهد الله على ذلك وسيقوم به حتى يلقى ربه.
وأشار أحد أهالي قريته إلى أنه لم يكتفي فقط بإصلاح الأجهزة مجانًا لدى الأهالي، بل امتد الأمر حتى قام بشراء سيارة ملاكي لتوصيل غير القادرين والمرضى إلى ما يريدون وذلك دون تقاضي أموال منهم.
أحد أهالي القرية
وتابع سواق تلك العربة أنه لم يكلف مستقلي تلك السيارة ثمن الوقود، فيتحمله عم 'محمد عوانة'، مشيرا إلى أن عدد كبير من أهالي القرية يقصدونه لقضاء حوائجهم بتلك السيارة، قائلا هو لا يريد سوى الجزاء من الله عزل وجل.
وفي ختام حديثهم طالب أهالي قريته بتكريمه كونه بطل حرب وخدم وطنه ومازال قائما على خدمة الناس حتى بلوغه ذلك العمر، مشيرين إلى أنه لا يريد تكريم مادي وليس بحاجة له، بل هو في حاجة إلى تكريم معنوي من قبل المسؤولين.
البطل البحرواي