الحياة بكل قسوتها والمرار بأنواعه، والأسى والألم والجراح بكل معانيهم، والأحاسيس الموجعة تراها في وجه ذلك العجوز، الذي بلغ من العمر عتيّا، ذلك المسن الذي يقترب من التسعين من عمره، ترك منزله وزوجته وأبنائه؛ لعزة نفسه وحفاظًا على كرامته، إذ لم يتحمل نظرات زوجته وأبنائه إليه، وهو رقيد الفراش لا يستطيع الحركة أو حتى أن يقضي حاجته، ليختار لنفسه العيش وحيدًا والكيّ بنيران الوحدة أهون من آلاف كلماتهم الجارحة، ليكُمل ما تبقى من حياته في مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
سنوات من العذاب يعيشها المواطن المكلوم دون شفقة أو رحمة من أقرب الناس إليه زوجته وأبنائه، فقد تركوه وحيدًا دون سؤال عليه وكأنه بالنسبة إليهم في عداد الموتى ويتمرغون في نِعمه ويتمتعون بمعاشه الشهري الذي يتقاضاه تاركين الأب العجوز تقتله الوحدة وينهش المرض في جسده، ويسأل نفسه ولسان حاله يقول كيف لأبنائه أن يتركوه هكذا بعيدًا عنهم، كيف لهم أن يتذوقوا طعم النوم وهم لا يعرفون كيف نام أبيهم العجوز، كيف تأتيهم المناسبات والأعياد وأبيهم يعاني في بلدان غريبة لا قريب ولا حبيب بجواره، كيف يتركوا أبيهم يزحف زحفًا وهم يضحكون ويتسامرون، وكيف لزوجته أن تأخذ معاشه الشهري لعدة سنوات، دون التفكير في حال زوجها وتعلم أو أين بات؟!.
المسن المريض
يروي 'أحمد علي حسن'، 84 عامًا، مقيم بدائرة مركز طهطا شمال محافظة سوهاج، لـ'أهل مصر' تفاصيل مأساته، قائلًا: 'إنني أعمل في تنظيف وتبييض النحاس، منذ أكثر من 60 عامًا، لا يوجد مكان إلا وذهبت اليه من مراكز ومحافظات ومراكز وقرى والنجوع حتى أسوان ذهبت الى العمل بها، منذ نعومة اظافري وانا في شقائي وفي عناء من هنا وهناك وهنالك، كأنه كتب عليّ الشقاء، ومنذ أكثر من سنتين أصيبت في القدمين وأسفل ظهري بمرض في العظام، ما أدى إلى عدم استطاعتي بالقيام مطلقًا، فكنت مخفي منزلي واصطحبني هذا المرض العضال، الذي أجبرني إلى الاحتجاج إلى الناس في مساعدتي، وما أشد ألما من الاحتياج إليهم، ومع مرور الأيام وعدم استطاعتي التحرك، شعرت بالتغير اتجاهي، وأنني أصبحت شخصًا ثقيلا عليهم، فقررت أن أغادر إلى مكان آخر بعيد عن زوجتي وأبنائي'.
ويُضيف 'حسن' بنبرات حزن شديدة: 'إنني لم أتحمل نظراتهم فضلًا عن سوء حديثهم، فغادرت منزلي وتنقلت من مركز إلى مركز، ومن قرية إلى قرية، حتى قمت بالتواجد في قرية الهماص دائرة مركز المنشاة جنوب محافظة سوهاج، وقمت بتأجير محل صغير بمبلغ 300 جنيه شهريا، لا يوجد به مياه، ولا دورة مياه، وانا لا استطيع التحرك نهائيًا، ولا حتى 'قضاء حاجتي'، فأنا ازحف زحفا لجلب أي شيىء بجواري'.
المسن المريض
وبحسرة شديدة يُتابع: 'إن أكثر ما يؤلمني عندما يسألني أحد أهلك فين، وفين أولادك، أنت ملكش ناس؟ وفين ناسك؟ هذه الكلمات توجع قلبي وتُذكرني ببعد أبنائي وزوجتي عني'.
فيما يقول عادل أبو سليمان، أحد المقيمين في القرية، إن 'الحاج أحمد رجل صاحب خلق كبير،ورجل صاحب عزة نفس كبيرة، رجل لديه كرامة وعزة'.
المسن المريض
وناشد المواطن المسن، محافظ سوهاج ووكيل وزارة الصحة، ووكيل وزارة التضامن بالنظر إلى حالته الصحية وعلاجه ومساعدته على مواجهة الحياة المعيشية الصعبة رأفة بحالته.
المسن المريض
المسن المريض
غرفة المواطن المسن
المواطن المسن