شاءت الأقدار، أن يولد فاقدا لنعمتي السمع والبصر، ربما السبب هو زواج الأقارب الذي جعل شقيقه الأصغر يعيش نفس ظروفه الصحية، لكن الله عوضه بنعمة البصيرة، وعدّد له المواهب، وفتح له أبوابا كانت كلمة السر لإيجادها اليقين بالله، ومفتاحها أمه الصابرة المخلصة، تلك التي جاهدت لأخر نفس، لاستخراج الطاقات الكامنة داخل طفلها، فعلى الرغم من أنها سيدة بسيطة ولم تنل حظا من التعليم، إلا أنها تستحق أن يقال عنها أنها مدرسة أُعِدّت جيدًا فكانت بمثابة شعبا طيب الأعراق، وشجرة طيبة مثمرة بأطيب الثمار، فأخرجت للنور الشاب النبغة 'عبد المجيد طاحون'.
عبد المجيد طاحون من متحدي الإعاقة البصرية ومتعدد المواهب:
بطل قصتنا هو متعدد المواهب والقدرات ويدعى 'عبد المجيد طاحون' البالغ من العمر 45 عاما، خريج كلية التجارة جامعة عين شمس، زوج وأب لثلاث فتيات أكبرهن 17 عاما، يروي قصته لأهل مصر: 'ولدت لأب وأم تجمعهما قرابة، ولي أخ وأخت، أراد الله لي وأخي أن نولد فاقدي السمع والبصر، لافتا إلى أن والديه لم يتخلا عنهما فبذلا قصارى جهدهما ومالهما نظير تعليمهما حد الاكتفاء، لكنه لم يكتف بالتعليم والتعلم'.. حسب قوله.
معاناة طاحون منذ الطفولة:
وأضاف: 'عندما التحقت بالمدرسة كان المسؤولون يعيدوني إلى المنزل ويتذمرون من عدم قدرتي على الاستماع لأصواتهم فقد كنت أسمع بالكاد ومن مسافة تقل عن نصف المتر بيني وبين الصوت، كما لم أكن مبصرا جيدا، لافتا إلى مطالبتهم لأسرتي بعدم إرسالي إلى المدرسة مجددا، مؤكدا أن والدته تمسكت بالأمل وظلت تتابعه في المنزل، مستخدمة وسائل بدائية بسيطة لتعيد عليه ما أخذه من واجبات في المدرسة، إذ كانت تستخدم خرطوما تتحدث فيه كسماعة أذن له لشرح الدروس المدرسية خلاله، وظلت على هذا الحال لحين اجتيازه المرحلة الابتدائية من التعليم. معلقا: 'ولأن أمي لم تنل حظا من التعليم فهي لم تكمل التعليم الأساسي، جلبت لي معلمين في المنزل، وواصلت تعليمي في المرحلة الاعدادية'.. حسب تعليقه.
رغبة وإصرار على التعليم:
وأشار طاحون إلى أن والدته لم تتخلى عنه، فكانت دائمة الدعم له، ونقلت له بالتعلم والممارسة موهبتها الإبداعية
وإعادة تدوير الأشياء، وكذلك الزراعة، معلقا: 'دي بداية السير في طريق إعادة التدوير والزراعة فهي بمثابة موهبة زرعتها أمي في داخلي منذ الصغر، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من المواهب والخبرات اكتسبها منها.. حسب تعليق.
متعدد المواهب:
عبد المجيد طاحون تعددت مواهبه وقدراته، وهو من متحدي الإعاقة البصرية والسمعية، كما أنه ناشطا اجتماعيا يساهم في أعمال تطوعية خدمية للمجتمع عامة والأشخاص من ذوي الإعاقة خاصة فهو مميزا في التفاوض والتواصل مع الجهات المعنية بمساعدة المواطنين وقضاء حوائجهم، كما أنه بطلا رياضيا وحصد مراكزا وبطولات على مستوى الجمهورية، في لعبة رمي القرص، رمي الرمح ودفع الجولّة، واعتاد دائما منذ صغره أن يعلم شئ عن كل شئ، فإلى جانب دراسته المنتظمة خلال سنوات التعليم الفرنسية والإنجليزية، فتعلم بالاعتماد على ذاته، اللغة الإسبانية والألمانية والصينية من خلال البرامج والمجلات، كما كان يستخدم هذه اللغات في مراسلات مع أصدقاء من أصحاب هذه اللغات حول العالم.
يحب الاكتشاف والتعلم:
وقال 'طاحون' إنه اعتاد تعلم أشياء كثيرة ولديه قدرة على الصبر على التعلم وحب الاكتشاف، فمنذ صغره يحاول ولم تقيده صعوبات، معلقا: 'منذ كنت طفلا وحتى أخر سنة في الثانوية العامة كنت أتعلم وأكتسب خبرات، لكني كنت منعزلا كما وتعد المرحلة الجامعية نقلة وطفرة في حياتي'.. حسب تعليقه، مضيفا: 'تعلمت في الجامعة علوم كثيرة، والتحق بفرق علمية وتعلم تحنيط الحيوانات وتصبير الحشرات، تجفيف النباتات والصناعات الكيميايية وكذلك تنسيق الزهور وتصنيع الحلويات.
عاشق للتصوير:"لم تعيقني إعاقة البصر":
ويشير إلى احترافه التصوير معتبرا إياه شغف، كما شارك في معارض عديدة للتصوير منذ التحاقه بالجامعة ونال جوائز وحصد مراكز عليّة في المسابقات، معلقا: 'التصوير فن وإبداع، مش مجرد لقطة، وبعتمد في التصوير على الأبعاد وتحديد الصوت خاصة لو بصور أشخاص متنغافلا عن ملامحهم، كما أحبذ تصوير المناظر الطبيعية، فأنا مصور محترف باعتراف المسابقات والشهادات ومتخصصي التصوير.. حسب قوله'، لافتا إلى تميزه في النحت على الطين الصلصال وتجسيد المجسمات المتخلفة والمتميزة.
درس في مجالات عديدة:
لم يكتف طاحون ببكالوريوس التجارة الذي حصل عليه، بل استكمل الدراسات العليا في إدارة الأعمال بتقدير جيد جدا وحصل على الماجيستير، كما يدرس بكلية الدراسات الأفريقية العليا بقسم السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة، ويشغل وظيفة رئيس قسم المكتب العلمي للدعاية العلمية بشركة فاركو للأدوية، كما وألف قصصا قصيرة وروايات تم نشرها في مجلات، فضلا عن ابتكارات والعلمية التي نشرت في دوريات علمية ونوقش بعضها في مؤتمرات علمية، وحصد ميداليات ذهبية وأخرى فضية في الألعاب الرياضية وألعاب القوى، كما شارك مؤخرا في لعبة دراجون بوت 'التجديف' والتي تأسست مؤخرا في مصر.
محب للبحث العلمي: 'الله يستند المجتهد':
يعد عبد المجيد طاحون رجل متعدد المواهب، قضى الأربعين عاما في التعلم والبحث واكتساب الخبرات والمعلومات، فيستحق أن يقال عنه موسوعة، واختتم حديثه لاهل مصر: 'سأواصل التعلم واكتساب الخبرات، ولم أكتفِ بالجوائز وما حصدته من تكريمات، موجها رسالته لكل من يعرفه: 'إن الله يقف بجانب كل مجتهد ولن يتركه أبدا، كما أن الإصرار والتحدي اول خطوات النجاح والتميز، والإيمان بقدراتنا والعمل على تنميتها طريق مختصر ويسير للوصول للأمنيات والأحلام'.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
