ما تعيشه قرية الكويت من مسلسل العطش الدائم منذ 25 عامًا، حوّل أطفالها إلى هياكل عظمية بسبب استعمالهم للمياه الملوثة التي أصابتهم بالأمراض الخطيرة مثل الفشل الكلوي.. أشكالهم أصبحت أشبه بالمشردين.. الأسر لا تتحمل الإقامة داخل المنازل الضيقة من شدة رائحتها الكريهة بسبب انعدام المياه.. ربع قرن من الزمان وأهالي القرية لم يروا المياه في الصنابير سوى دقائق معدودة بعد منتصف الليل.. ربع قرن من الزمان القرية معدومة من كافة الخدمات، لا مياه ولا صحة أو مواصلات.. هكذا حال قرية 'الكويت'، المنسية في حضن الجبل بقنا.
العطش يحاصر قرية الكويت في دشنا
«الكويت»، اسم قرية تابعة لمجلس قروي 'أبو مناع شرق'، التي تقع بصحراء مركز دشنا، شمال محافظة قنا، سُميت بهذا بعد أن نزلت عليها السيول ودمرت كافة منازلها عام 1994، وقام أمير كويتي بتقديم منحة للأهالي وتأسيس القرية من جديد لهم، حيث قام ببناء 750 منزل يسكن بهم 700 أسرة حاليًا، سلمها جاهزة ومتكاملة من كافة الخدمات سواء في المياه والصحة والتعليم وبناء المساجد وملاهي وسوق وإنشاء صرف صحي كانت أشبه بالقرية النموذجية في ذلك الوقت، لكن السعادة لم تدم طويلًا في قلوب أهالي القرية بل تحولت حياتهم إلى شقاء وحرمان وعطش بسبب إهمال المسئولين بمركز دشنا.
'بنبكي دم على حالنا وحال أطفالنا العطش قتلنا أغيثونا'.. بهذه الكلمات العصيبة التي خرجت بنارها من لسان المواطن «محمود رمضان» من أهالي قرية الكويت وموظف بالأوقاف، بدأ حديثه عن المأساة والمعاناة التي يعيشونها منذ 25 عامًا في عطش مستمر، موضحًا أنهم تسلموا القرية متكاملة في 1995 ظلوا عام في نعيم وسعادة لما تمتعوا به من الخدمات التي وفرها لهم الأمير الكويتي، ولكن في عام 1996 بدأت تنقلب حياتهم على عقب بعدما قامت شركة مياه الشرب بتوزيع المياه المخصصة لهم، والتي أنشأ لهم الشبكة المواطن الكويتي، على النجوع الأخرى فقلت المياه تدريجيًا كون القرية تقع في منطقة صحراوية، ثم انعدمت نهائيًا وحتى الآن مر ربع قرن من الزمان ولم ينظر أحد لحل مشكلتهم ومسلسل العطش يزداد ألمًا على الأطفال والمرض تمكن من تدهور صحتهم.
وأضاف المواطن لـ'أهل مصر'، أن علاقتهم مع المياه تتلخص مع عربات الكارو والحمير، حيث يحملون 'جرادلهم' مرتين يوميًا يقطعون بها أكثر من 3 كيلو للقرية المجاورة ليملأون منها للشرب، أما استعمالتهم المنزلية، فهناك خزان أسسه أيضًا الأمير الكويتي عندما تصل المياه ليلًا يتم تخزين المياه في غرفتين فقط منه، تكفيهم لمدة ساعة واحدة وأصبحت غطاه مكشوفة وغير آدمية قد تتعرض المياه بداخله إلى تسممها، مشيرًا إلى أن الأهالي أنشأوا آبار جوفية على نفقتهم الخاصة لري الأشجار، التي قاموا بزراعتها في كافة جوانب القرية، لحمايتهم من درجات الحرارة الملتهبة والمساعدة في الاستعمالات المنزلية والوضوء.
الكويت بلا طبيب والأفاعي تحاصرها
وأضاف «أنور علي» من أهالي القرية، أن قرية الكويت لم تعاني فقط من العطش، بل أيضًا محاصرين بالحشرات الضارة والأفاعي حيث تقع في منطقة صحراوية والعقارب، تظهر لهم داخل المنازل باستمرار ومعرضين للدغ، كما أنهم يمنعون أطفالهم من الخروج من بعد المغرب خارج المنزل، ورغم ذلك الوحدة الصحية مغلقة بالقفل لم يوجد بها طبيب لا يدخلها سوى موظف إداري في الفترة الصباحية ثم يرحل، حيث كان بها طبيب لكن تم نقله بعد أزمة فيروس كورونا إلى قرية العطيات بحجة أن القرية الأخرى أولى منهم، معلقًا: 'كأننا مش بشر ومش ضمن حسابات المسئولين'، وفي حالة أي حالة مرضية يستقلون مواصلات خاصة إلى مدينة دشنا والتي تبعد عنهم أكثر من 10 كيلو للكشف عند أحد الأطباء.
وأكمل «حسين علي مصطفى»، معاناتهم داخل قرية الكويت من ناحية الصرف الصحي الذي يطفح عليهم وحول القرية لمقلب قمامة من شدة الرائحة الكريهة وتسبب في انتشار الناموس والنمل الأبيض الذي أغرق المنازل ودمر منازلها، وعدم وجود مواصلات من أكبر الأزمات التي يواجهونها فكافة قرى مركز دشنا لها خط مواصلات أجرة إلا «الكويت» لم يتم تخصيص مواصلات لها ومنطقة صحراوية، فالخروج والدخول منها بمواصلات خاصة وحالة ساكنيها، لم تتحمل عبء مصروفات أخرى فمعظمهم مزارعين ولم يكفي دخلهم قوت يومهم.
واستغاث الأهالي داخل قرية الكويت باللواء أشرف الداودي، محافظ قنا، بالنظر إليهم وحل مشكلاتهم التي كادت على تدمير أطفالهم، فهم يعيشون حياة مأوساوية، دون أي استجابة لشكواهم من المسؤولين.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
