أكتوبر، ذلك الحدث العظيم الذى استعاد فيه المصريون كرامتهم بعد ست سنوات من القهر والمهانة منذ هزيمة يوينو النكراء، ملحمة شهدت على مدى شجاعة وعظمة الجندى المصري الذى لن يتنازل عن أرضه مهما طال الوقت، وأنه لن يسمح لعدوه بأن يدنس تلك الأرض الطاهرة مهما صور له خياله أنه قد تمكن منها.
قصص عن الحرب تروى لأول مرة
47 عاماً مرت على حرب أكتوبر المجيدة إلا أنه هناك الكثير من القصص والأسرار يحتفظ بها الكثيرون من أبطال أكتوبر الذين غاب عنهم الإعلام طوال تلك المدة، فلم يحصلوا على الفرصة التى يروون فيها تلك الأسرار والأحداث التى كانوا شاهدين عليها فى الحرب.
وفى السطور القادمة تعرض لكم 'أهل مصر' شهادة أحد أبطال أكتوبر من أبناء محافظة كفر الشيخ عن المواقف والأحداث التى عايشها أثناء الحرب.
العميد عبدالحميد أحمد حسن الريفى، والذى كان قائد فصيلة مفرزة متقدمة أثناء حرب أكتوبر، تلك الفصيلة التى بدأت الحرب فى الساعة الثانية وخمس دقائق ظهرا يوم السادس من أكتوبر وذلك قبل عبور القوات الرئيسية للضفة الشرقية من القناة، هو البطل الذى سيروى لنا شهادته عن حرب أكتوبر والمواقف التى لم ينساها رغم مرور قرابة الخمسين عاماً على النصر.
حرب الاستنزاف تدريب عملى استعدادا للحرب
يقول عبدالحميد فى حواره الخاص لـ'أهل مصر': حرب أكتوبر بدأ الاستعداد لها منذ أيام حرب الاستنزاف، حيث شهدت هذه الفترة تجارب عملية مع العدو، حيث شهدت هذه الفترة عمليات إغارة وقتال، وتم أسر كثير من جنود العدو، وتم تدمير كثير من المواقع له، وكانت هذه الفترة تدريب عملى استعدادا للحرب.
شعور بالمهانة بعد نكسة ٦٧
ويتابع: كنت بالصف الأول الثانوى عندما حدثت النكسة، وكانت إذاعة صوت العرب تخبرنا أننا دمرنا كثير من قوات العدو، وكنا فرحين جداا ولكننا لم نعلم حقيقة الأمر، إلى أن وجدنا البيانات العسكرية توقفت تماما بعد يومين، حتى علمنا أن الإسرائيليين استولوا على سيناء بالكامل، ومن يومها إلى أن كتب لنا النصر فى أكتوبر كنت أشعر بالمهانة لهذه الهزيمة النكراء، وأن هناك شىء ما ينقصنى، وهذا كان شعور جميع المصريين حينها.
الحرب كانت تحيط بها سرية مطلقة
سرية مطلقة كانت تحيط بالحرب، فلقد علم الجنود قبل الهجوم بـ 5 دقائق بأنهم سيحاربون، الأمر الذى كان مفاجأة للعدو، وذلك وفقاً لشهادة عبد الحميد.
'اعبر' ذلك الأمر الذى سمعه بطل أكتوبر هو وزملائه عندما جاء الأمر بالعبور لا يستطيع أن يصف إحساسه لحظتها، وسط هتاف 'الله أكبر' الذى يشق عنان السماء، وذلك المشهد المؤثر الذى رآه 'عبدالحميد' أثناء العبور ولا يستطيع نسيانه عندما وصلوا للضفة الشرقية، وهرع أحد الجنود المصريين وأخذ يمسك بالرمال ويضعها على رأسه وكأنه يستحم بها تعبيرا عن فرحته.
صواريخ فهد مفاجأة الحرب
يقول عبد الحميد: مهمة الفصيلة التى كنت قائدها أن تعبر وتحتل المكان المحدد لها فى الضفة الثانية من القناة لتأمين عبور القوات التى ستلحق بنا، والمدفعية والدبابات كانت فى حالة هجوم لتأميننا من العدو.
3 دبابات للعدو بدأت فى الظهور على بعد 2 كيلو بعد ما احتلت الفصيلة الموقع المحدد لها، وكانت الدبابات الثلاث فى حالة تخبط، لتتدخل وقتها صواريخ فهد والتى كانت بمثابة مفاجأة الحرب، لتدمر الدبابة الأولى وتصيب الثانية فتهرب الثالثة.
دمرنا دبابة متسللة للعدو
يروى عبدالحميد أن دبابة إسرائيلية تسللت ليلا أول أيام الحرب وسط القوات المصرية، 'هكسرك يا مصرى' تلك العبارة التى قالها الجندى الإسرائيلى المتواجد بالدبابة لجنودنا، فكان الرد عليهم أن تم تدمير الدبابة التى نزل منها 4 من جنود العدو والذين تم قتلهم حينها، تلك الليلة التى اكتملت فيها القوات المصرية على الجبهة الشرقية للقناة فى الساعة العاشرة ليلاً وفق شهادة 'عبدالحميد'.
قصص كثيرة ما زالت تحتفظ بها ذاكرة عبد الحميد تأبى أن تُنسى من بينها قصة ذلك الجندى الإسرائيلى الذى وجدوه صباح اليوم التالى يصرخ متأثرا بإصابته بعد أن كان مختبئاً بالدبابة، والجنود المصريين يمسكون به ويريدون قتله وهو يحاول استعطافهم، إلا أن عبدالحميد أقنع زملاءه وتم تسليم الجندى الإسرائيلى لرئاسة الكتيبة وانضم للأسرى.
ذكريات لا تنسى
'كانت هناك 4 دبابات للعدو قادمة باتجاهنا، وكان هناك مسئولون عن إطلاق صواريخ فهد، وكان المسئول عن إطلاق الصواريخ نائماً فأيقظناه، فقام بتدمير الدبابات الـ4'.
'عايزين حاجة تانى؟ أنا رايح أنام'، هكذا أجاب عبدالحميد عند سؤاله عن أغرب المواقف التى رآها فى الحرب.
ويتابع: لا أستطيع أن أنسي يوم الثامن والتاسع من أكتوبر عندما طًلب من قوات فصيلتى أن تتقدم، وعند ذهابنا لتدمير سيارة استطلاع إسرائيلية، أصيب عريف من الفصيلة، وظل يقاتل معنا حى اضطررنا لنقله للمستشفى بعدها وتم استخراج الرصاصة له.
فرحنا عندما وافق الرئيس على وقف إطلاق النيران
ويضيف معبرا عن عظمة القوات المصرية: فى أول أيام الحرب، كانت هناك طائرتان الأولى سقطت، والأخرى تخلصت من حمولتها وهربت، ولم نرى فى يوم 7،8 أيا من طيارات العدو فى السماء، فدفاعنا الجوى عندما كان يهجم ليلا كنا نرى وكأن هناك حائطاً من النيران شُيد من الأرض للسماء نراه أمامنا، إلى أن جاء يوم 16 أكتوبر والذى كانت السماء فيه تمتلئ بطائرات لم نستطع تحديد جنسيتها لعدم وجود رموز عليها.
طلقات اخترقت الجو تعبيرا عن فرحة النصر من قبل الجنود المصريين شهدها يوم الـ23 من أكتوبر بعد إعلان الرئيس السادات موافقته على وقف إطلاق النيران، وذلك وفقا لما قاله عبدالحميد، إذ يقول: 'سمعنا بنشرة الأخبار أن الرئيس وافق على وقف إطلاق النيران، وكنا يومها مثل لاعب الكرة الذى ينتظر صافرة الحكم ليحتفل بفوزه'.
شهيدان من فصيلتى
الشهيد الأول والثانى من فصيلته يتذكر 'عبدالحميد' استشهادهما جيداً، فالشهيد الأول كان جندى يجلس بالحفرة الخاصة به ولكن قامت إحدى دبابات العدو بإطلاق دانه على حفرته فرُدمت الحفرة فوقه واستشهد، أما الشهيد الثانى فكان جندى جلس معه 'عبدالحميد' قبل استشهاده بليلة وكان يطمئنه بعد أن رآه متوترا، وفى صباح اليوم التالى كان الجندى موجودا بحفرته وحدثت غارة من العدو فسقطت قنبلة على حفرته فانفجر رأسه واستشهد.
يتذكر عبدالحميد معركة الدبابات الكبرى يوم 13 من أكتوبر جيداً فيقول: خسائر تلك المعركة كانت 3 دبابات إسرائيلية مقابل دبابة مصرية، وبعد انتهاء المعركة وجدنا أن جميع مدافع الدبابات متجهة ناحية الشرق مما يعنى أن دبابات العدو دُمرت وهى تهرب، ودبابتنا دُمرت وهى تهجم.
عيدنا على العدو بالدبابات والمدافع
ويقول: جاء العيد بعد انتصارنا فى الحرب، 'قولنا للإسرائليين كل سنة وانتوا طيبين بالدبابة والمدفعية، دا كان العيد بتاعنا'، ويتابع: لم أتواصل مع عائلتى لمدة شهرين، ولم يعلموا أننى على قيد الحياة إلا عندما رأى أحد أقاربى صورتى فى جريدة المصور بتاريخ 28 نوفمبر، فأخذها وذهب لوالدتى ليخبرها أننى حى'.
أشعر بالفخر كلما حلت ذكرى النصر
ويضيف: عدت بعد الحرب بشهرين، وكنت أسير فى كل مكان بالزى العسكرى افتخاراً، وبعد مرور 47 عاماً من الحرب، كلما تحل ذكرى النصر أشعر بالفخر، ولكنى كنت أتمنى أن يكون هناك تقدير أكثر من ذلك لأبطال أكتوبر، إذ يتذكروننا يوم 6 أكتوبر فقط وينسوننا طوال العام، ويجب أن يكون هناك مميزات لأبطال أكتوبر وهذا حقهم، والشعب لن يعترض على ذلك، وهذا سيكون له تأثير معنوى جيد على الأبطال'.
رسالتى للأجيال الحالية: إياكم واليأس
ويختتم حديثه موجهاً رسالته للأجيال الحالية ويقول: إياكم واليأس والإحباط من الوطن، والحفاظ على الوطن شىء مقدس، ومهما يحدث على الشخص ألا ييأس، فلم يكن هناك موقف أصعب من هزيمة 67، إذ تدمرت 90% من قواتنا، ولكن تم إعادة بناء قواتنا ثانية، وانتصرنا فى أكتوبر واستعدنا كرامتنا وعرف العدو إمكانياتنا جيداً.