على غرار المسلسل الدرامي «العراف» والذي يجسد بطولته الفنان عادل إمام، عاش ابن قنا على انتحال عدة شخصيات هامة ومسئولين منها 'تاجر آثار، وممثل لحقوق الإنسان، وضابط مرور، ومهندس بمختلف الأماكن وغيرها لأكثر من 40 عامًا، دون أن يعرف أحد حقيقته الشخصية وكيف ينتقل من محافظة إلى أخرى للنصب على المواطنين، بأوراق مختومة وكارنيهات لا أحد يمكنه الشك بها، ساعده على ذلك لباقته وجرأته في التحدث وواجهته الحسنة وارتداء الملابس باهظة الثمن، ولم ينه رحلته سوى الابتلاء الذي أصابه والذي كان عليه «نعمة ونقمة»، حيث استطاع بعده شق طريق التوبة إلى أن أصبح مؤذنا بمسجد بلدته بالتطوع.
من "العراف" إلى مؤذن المسجد
حكاية لم تكن فريدة من نوعها ولكن الأغرب فيها مدتها التي زادت عن 40 عامًا في انتحال مختلف الشخصيات الهامة التي يحقق من خلالها الربح بالنصب واهمًا المواطنين بشخصيته مُستخدمًا عددًا من الكارنيهات والأختام المزورة لصعوبة كشف هويته، وكان ينجح في مخططه ببراعة، واستمر هكذا حتى وقع في شباك الأجهزة الأمنية التي عاقبته أكثر من مرة بالسجن 3 أشهر.
التقت «أهل مصر» مع أبوبكر أحمد شمروخ، 61 عامًا، مقيم في مركز الوقف، شمال محافظة قنا، وأجرت معه لقاء صحفي خلال بث مباشر على صفحة الموقع، للتعرف على قصته طوال 40 عامًا، ليروي كيف استطاع انتحال صفة عدة شخصيات وإقناع المواطنين به، وكيف تحولت حياته فجأة من 'العراف' إلى مؤذن متطوع بالمسجد.
قال «شمروخ» إن حياته بدأت بظروف قاسية منعته من تحقيق حلمه بالالتحاق بكلية الهندسة وترك المدرسة بعد حصوله على الشهادة الإعدادية رغم أنه كان من المتفوقين بالدراسة، لعدم استطاعته على دفع المصروفات، فوالده تُوفي منذ طفولته ووالدته لا تعمل، ولم يجد أحد يمد له يد العون فهجرها، بل وأيضًا كان لا يملك قوت يومه، لذا نصحه جيرانه بالتطوع في الجيش رغم أنه وحيد والديه لكنه فُصل منه سريعًا لارتكابه خطأ ما.
قصة شمروخ عراف قنا
وأضاف «عراف قنا»، أنه اتخذ قرارًا بالحصول على المال وأن يصبح ثريًا ففكر في عدة طرق ولكن لشدة ذكائه اختار أسهل وسيلة وفي ذات الوقت عقوبتها خفيفة ربما يتم القبض عليه فاختار النصب والأموال العامة حيث استعان بكتاب خاص بالقانون وقرأ فيه النص الآتي 'يعاقب القانون كل من اختلس لقبًا أو وظيفة أو اتصف بها بدون حق، ملكية كانت أو عسكرية، لأي غرض بدعوى النصب أو السرقة أو إنهاء مصالح خاصة، أو بارتدائه زيًا عسكريًا أو شرطيًا، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، بحسب ما نصت عليه المواد «من 155 وحتى 159» من قانون العقوبات المصري'.بيع 150 فدانًا من أراضي الدولة
شق «شمروخ» طريقه بعد ذلك في انتحال عدة صفة شخصيات عديدة لجمع المال بمحافظات مختلفة أكثرها 'قنا وأسوان وسوهاج'، فأشهر واقعة بمحافظة أسوان نصبه كمين متحرك مستعينًا ببعض الأشخاص الذين ارتدوا زي الجنود وحدث بتلك الواقعة موقف طريف وهو التعرف عليه من قبل أحد جيرانه فسأله 'بتعمل ايه هنا' فما كان رده سوى صفعة على وجهه طالبًا منه التحرك سريعًا.
أما محافظة قنا فمواقفه بها عديدة جمعته بمواطنيها أشهرها عندما انتحل صفة مهندس زراعي بمديرية الزراعة في قنا وقام ببيع أراضي الدولة للمواطنين بقرية المراشدة والتي تخطت مساحتها 150 فدانًا مستعينًا بخرائط وأدوات القياس وكارنيه إثبات شخصية، وآخر بانتحال صفة ضابط مرور وقام بجمع سيارة مليئة بالعجل وقام ببيعها ولكن تم القبض عليه وقضى عقوبته في هذه الواقعة.
البحث عن الآثار
أما محافظة سوهاج فكان مُقيمًا بها داخل فندق لكثرة عمليات النصب التي كان يرتكبها على مواطنيها ففي واقعة واحدة بينها حصل على مليون إلا ثلث حيث قام بالذهاب إلى عمدة إحدى القرى وأقنعه بأنه أتى للقرية لتقديم مساعدات أمريكية مستعينًا بكارنيه واستمارات عديدة لتوزيعها على المواطنين مقابل مبلغ من المال لكن مخططه لم ينجح لتدخل عمدة آخر وحدوث مشاجرة لرغبته في توزيع الإستمارات على أهالي قريته مثل الآخر وكبر الموقف وتدخلت الأجهزة الأمنية لفض الاشتباكات بين القريتين والتي افتضح بعدها أمره وقُبض عليه وقضى عقوبته.
وفي موقف آخر لشمروخ، كان يشتري التماثيل المصنوعة ويذهب في الجبال ويقوم بدفنها وأوهم بعض العاملين في البحث عن الآثار أنه يعرف أماكن أثرية وأخرج منها من قبل وأقنعهم بأسلوبه وعملوا لعدة أيام في الحفر بالجبل حتى قاموا باستخراج عدة تماثيل ظنًا منهم أنها أثرية لم يكن في حسبانهم أنه نصب عليهم والأموال التي دُفعت له مقابل التنازل عن نصيبه في تماثيل من الأحجار.
رغم كل المواقف السابقة التي لم تُعتبر نقطة في بحر من عمليات النصب التي ارتكبها «عراف قنا» إلا أنه كان يغلب عليه الطابع الإنساني وحتى في عمله الخير انتحل صفة ممثل لحقوق الإنسان لمساعدة سيدة من سوهاج قرأ استغاثتها بجريدة الجمهورية بأن ابن العمدة قطع عنها المياه والكهرباء لرفضها بيع أرضها وزوجها يعمل خارج البلاد، فذهب بأوراقه التي يصعب الشك فيها والتي كان يصنعها من خلال جهاز كمبيوتر إلى مأمور مركز الشرطة وعرض قصة السيدة ومنه إلى مجلس المدينة وأجبر المهندسين على توصيل المياه والكهرباء في يوم واحد ووقف معهم حتى انتهوا من أعمالهم، كما دفع للسيدة ألف جنيه مساعدة في التوصيلات الداخلية ومصروفات أطفالها، إضافة لذلك كان يشتري الملابس لكافة أطفال شارعه ويساعد المحتاجين لشعوره بهم.
ابتلاء «نقمة ونعمة»
«كانت إصابتي بجلطة ووفاة زوجتي نقمة ونعمة» هكذا ختم حديثه «عراف قنا» بعد رحلة 40 عامًا في النصب، نقمة لفقدان زوجته والمرض الذي دمر صحته ونعمة لتوبته بعد ابتلائه وقرر العيش بالحلال ولا يقترب للحرام مرة أخرى، بل وأصبح مؤذنا بالمسجد متطوعًا رافضًا أخذ أجر، مقدمًا نصيحة للشباب اشتغلوا واحصلوا على لقمة العيش بالحلال الحرام لا يدوم طويلًا وعقاب المولى أصعب من عقاب القانون.
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
