يصطف نساء قاربت أعمارهن من سن الستين عاما، داخل غرفة صغيرة لا تتعدى الخمسة أمتار، يقصدون تلك الغرفة من ساعات الفجر وحتى المغيب، يتبادلون الأدوار ما بين تقطيع عجين، وتوسعة العيش البتاو، والجلوس أمام الفرن البلدي المصنوع من الطين؛ لتسوية عيش البتاو بمركز أبو قرقاص، جنوب محافظة المنيا.
لكل واحدة منهن قصة أوجاع، أجبرتهن الظروف المعيشية على التحدي والخروج للعمل بالحلال تارة لتربية الأبناء بعد وفاة الأب واستكمال مسيرة توفير مصدر دخل لهم وإعانة بعضهم من المرضى، وأخريات قصدن نيران الغرفة المغلقة من أجل اكتساب دخل مادي للإنفاق عليها وزوجها لعدم وجود مصدر دخل أخر بالمنزل.
وتبدأ رحلة العمل بتلك الغرفة التي تحيطها النيران من كل جانب على مدار أكثر من 12 ساعة متواصلة، شاهدة على قصص نساء كافحن من أجل لقمة عيش بالحلال بصناعة خبز 'البتاو'، من قلب محافظة المنيا عروس الصعيد.
وأجرت 'أهل مصر' بثًا مباشرًا، ومعايشة مع ثلاث نساء من صانعات خبز البتاو لسنوات طوال في مشهد يعيد للقاريء أصالة ذكريات الأجداد وما مضى من ذكريات في ذاكرة الأذهان.
وقالت صباح حمودة: 'إنني أعمل في صناعة خبز عيش البتاو على مدار 20 عاما متواصلة، لافتة إلى أنني في السابق كنت أذهب للخبز في المنازل لكن مع كبر السن أقوم بخبز العيش البتاو في منزلي ويرافقني في عملي عدد من السيدات'.
وأضافت حمودة، قائلة: 'نعمل من ساعات الفجر، وحتى آذان المغرب، وذلك على مدار 3 أيام متواصلة في الأسبوع، وباقي الأيام نقوم بشراء الوقود الذي نستخدمه في تسوية العيش في الفرن البلدي، من 'عيش وبوص' وخلافه، وما يأتي من مبالغ مالية نظير عملنا نقوم بتقسيم المبلغ، ومن ثم نقوم بشراء حبوب الذرة من المبلغ المتبقي لنقوم بالخبز به في تجهيزات جديدة للعيش البتاو'.
وأوضحت بالقول: 'لم نواجه أي انتقادات بعد عملنا المتواصل في خبز العيش البتاو'، مضيفة: 'أن أهل بلدتي يدعموننا كثيرا علي عملنا لعلمهم بحالنا وأحوالنا المعيشية، وواصلت مشوار كفاحي بعد وفاة زوجي منذ 15 عاما وأنا أعمل في الخبيز'.
وأردفت أن أكثر المواطنين إقبالا على شراء خبز البتاو، هم سكان المدن خاصة في فصل الشتاء والأعياد، حيث أنهم يحرصون على شراء خبز البتاو، بشكل مستمر، لافتة إلى أن الـ40 بتاوة يصل سعرها من 110 جنيهات، إلى 140 جنيهًا، بحسب كل مكان وبحسب كل خباز، معبرة: 'زوجي تركني ولدي 8 أبناء لم يزوج منهم سوى ابنتي الكبيرة وبفضل الله وبفضل عملي في الخبيز زوجت ولدين و3 فتيات من أبنائي، والمسؤولية هى من تجبرنا على استكمال عملنا'.
ووجهت رسالة استغاثة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، قائلة: 'إنني لدي ابني مريض بالقلب، ولدي 4 أحفاد من ابنتي، من بينهم طفل مريض بأنيميا الفول، وأخر مصاب بعيب خلقي في الكلي وقدمت كثيرا في الشئون ولم يحدث شيء'.
وقالت عالية خلف: 'إنني أعمل في صناعة خبز البتاو، لأكثر من 15 عاما، كي أعين زوجي علي مصروفات المنزل ولكون الخبيز هو مصدر دخلنا الوحيد في المنزل الذي أرعى فيه زوجي وأبنائي'، مضيفة بالقول: 'أن زوجي كان يحصل علي معاش تكافل وكرامة، لمدة عامين، وفوجئنا بتوقفه منذ 3 سنوات لذا قررت الاستمرار في المشاركة في خبيز العيش البتاو لكونه المصدر الوحيد لنا في المنزل'.
وأردفت: 'أن حلمي الذي أتوجه به إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ووزيرة التضامن الاجتماعي، أن يعود معاش تكافل وكرامة لزوجي المسن مرة أخرى، حيث إنه كان مصدرنا الوحيد للدخل وهو مريض غير قادر على العمل وأواصل أنا عملي في خبيز العيش البتاو حتى أوفر مصدر دخل لأسرتي'.
في الوقت ذاته، قالت أم محمد، التي تخطى عمرها حاجز الخمسين عاما وتوفي زوجها: 'إنني أعمل منذ عدة سنوات في صناعة الخبز البتاو والفضل لله وحده ساعدني في تربية أبنائي وإتمام زواجهم ولازلت أفخر بمهنتي'.