ترتبط ظاهرة عمالة الأطفال في دول العالم أجمع ارتباطًا وثيقًا بمؤشرات الفقر وتراجع الخدمات العامة من التعليم والصحة والعمل وعدم توافر الحد الأدنى من تكافؤ الفرص، فيُقذف بالأطفال مبكراً فى سوق العمل، حيث يتم استغلالهم اقتصاديًا، فيتعرضون لمخاطر جمة أقلها الأمراض الخطرة، لذا فيطلق بعض الباحثين على ظاهرة عمالة الأطفال 'جريمة القاتل المجهول'، نظرًا لعدم معرفة المتسبب الفعلي فى تعريض الطفل العامل إلى المخاطر.
حُرمت من المدرسة لتعول والدتها
تتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال داخل محافظة بورسعيد خلال الآونة الأخيرة وسط عجز المسؤولين المعنيين عن وضع حلول جذرية لتلك الظاهرة.
'هناء' طفلة تبلغ من العمر 12 عامًا، بائعة ليمون فى إشارات المرور ببورسعيد، روت قصتها قائلة: 'أنا جيت مع أمى من الجناين عشان نبيع لمون ومناديل للناس هنا، أبويا طفش وسابنا وأمى معهاش فلوس تصرف علينا وأنا كنت فى المدرسة وخرجت من تالتة إبتدائى ونفسى أرجع للمدرسة بس أنا وأخويا (عبد الله) بنقعد نقرا فى الكتب اللى بنلاقيها فى الشارع وبنقعد نرسم فيها بالقلم الرصاص'.
وتتابع الطفلة: 'أبويا كان مش عايزني اروح المدرسة عشان معهوش فلوس يصرف علينا، وأنا أعمل كل يوم بـ 8 جنيه وساعات بعمل 20 جنيه وباديهم لأمى، وبنيجى كل يوم بس أنا باخاف من الحكومة وبنقعد نجرى منهم لما بنشوفهم ماشيين بالعربيات، وأمى عيانة وباخاف تموت وتسيبنا من غير أكل'.
عمالة الأطفال جريمة القاتل المجهول
وقال هاني الجبالي، 'محامى' وعضو فى لجان حماية الطفل ببورسعيد، إن محافظة بورسعيد كانت إحدى تلك المحافظات التي ارتفعت بها مؤشرات العمالة مؤخرًا لأسباب إقتصادية واجتماعية محضة، مضيفًا أن ظاهرة عمالة الأطفال بدأت فى مدينة بورسعيد فى الإتساع في منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد نزوح العديد من الأطفال ـ فرادى أو برفقة ذويهم ـ من محافظات ريفية مجاورة هربًا من بطالة أو كساد للإنخراط فى أعمال التجارة المتنوعة ببورسعيد بعد إنتعاش المدينة تجارياً فى أعقاب تحويلها إلى مدينة حرة.
وأضاف، أنه قد تسبب هذا النزوح الجماعي ـ إن جاز لنا التعبير ـ فى تسخير الأطفال الغرباء فى مهن شاقة رخيصة عرضت بعضهم للمخاطر الصحية والأخلاقية، فضلاً عن قيام العديد من الأسر البورسعيدية بدفع صغارهم إلى سوق العمل التجارى للحصول على المكسب السريع، وكان هذا الدفع المحموم على حساب تسرب أغلب هؤلاء الصغار من التعليم بعد أن إندحرت قيمة العلم والمعرفة وأصبح المال والكسب السريع سيد تلك المرحلة التاريخية التى يعتبرها بعض أبناء المدينة وبالاً عليهم، وأخذت ظاهرة عمالة الأطفال فى بورسعيد فى التطور حتى بلغت نسباً مفزعة وغير موثقة رسمياً لاسيما فى الأونة الأخيرة للمحافظة.
ولفت الجبالى، إلى أن عمل الأطفال شمل أعمال حرفية بورش تصليح السيارات وبيع قطع الغيار أعمال بورش النجارة، أعمال بصالونات الحلاقة، أعمال الصيد وسحب الشباك والتجارة فى الأسماك، أعمال المحلات التجارية (نظافة وحمل بضائع وبيع) أعمال الباعة المتجولين، أعمال المصيف، التهريب.
54 % نسبة عمالة الأطفال بقرى بورسعيد
وتابع، أما بالنسبة لأنواع عمالة أطفال القرى التابعة لمحافظة بورسعيد 'الكاب ـ الديبة ـ المناصرة ـ الجرابعة ـ بحر البقر بر شرقى وغربى' تبين أن نسبة عمالة الأطفال فى تلك القرى بلغ 54 % من إجمالى عدد أطفال القرى، مع تصريحات هزلية للمسئولين تؤكد بأن تلك العمالة لأطفال ليسوا من أبناء المدينة لكونهم وافدين، وكأنهم يعيشون على أرض دولة أخرى أو كوكب بعيد.
وأشار إلى أن التسرب من التعليم أحد الأسباب المباشرة لإنتشار ظاهرة عمالة الأطفال فى بورسعيد.
واختتم الحبالى، أن عمالة الأطفال ظاهرة أخطر من تصوراتنا جميعاً، لأن العنف والإيذاء والإستغلال الواقع على الطفل فى مراحله الأولى من الممكن والمؤكد أنه سيدفعه إلى إرتكاب العديد من الجرائم والخروقات جراء عدم حصوله على حقوقه فى التعليم والترفيه واللعب، وسيولد أطفال غير أسوياء مشوهون بدينياً ونفسًيًا.
التهريب وورش الحرفيين أبرز وجهت الأطفال
وبدورها قالت زينب كمال رئيس قسم مؤسسات الرعاية الاجتماعية ببورسعيد وممثل لجنة حماية الطفل بالمحافظة، إن منطقة عمالة الأطفال معظمها تتمركز فى منطقة الحرفيين بحى الزهور بالإضافة إلى استغلال الاطفال من قبل ذويهم أو آخرين فى عمليات تهريب البضائع المستوردة من جمارك بورسعيد.
وأضافت كمال، أن قانون العمل يسمح للطفل من سن ١٥ عامًا بالعمل و تكون أشياء خفيفة دون ذلك السن يعتبر طفل و يعرض حياته للخطر و لذا تقوم حملات من القوى العاملة بالمحافظة لمتابعة عمل الأطفال في الورش أو في أي مكان بحيث يتم التأكد من اتباع شروط قانون العمل بالنسبه لهم بحيث يقوم صاحب العمل بالتامين عليهم وصرف وجبة يومية و منحه فترة راحة خلال العمل اليومي ولا تزيد فترة العمل عن ٧ ساعات يوميًا ويعتبر أكثر من ذلك استغلالًا للأطفال والإتجار فيهم.
وتابعت مسؤول لجنة حماية الطفل فى بورسعيد، أنه 'أكثر البلاغات التى وصلتني هى اتجار بالأطفال حيث يقوم الجيران بالابلاغ عن وجود طفلة يتم تعذيبها وهى تعمل فى إحدى المنازل كخادمة وتتعرض للضرب والتعذيب وبالفعل أُتابع الحالة بالبحث ثم قمت بعمل محضر إتجار فى الأطفال واستغلالهم ويتم إحضار ولى الأمر والذى اتضح أنه من إحدى محافظات الصعيد وأن الأب يقوم بتوزيع بناته على معظم المنازل للعمل والتربح منهن ويتم إثبات الحالة بقسم الشرطة التابع للحى الموجود فيه كما يتم عمل محضر إهمال لولى الأمر وتسليمه ابنته مع قيامه بكتابة إقرار وتعهد على نفسه بحسن رعايتها وعدم تكرار الواقعة'.
وأشارت إلى أن قانون العمل رقم ١٢٦ لسنة ١٩٨٦ فى المادة ٦٧ يلزم صاحب كل عمل يستخدم طفل دون الـ ١٦ عامًا بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل و يلصق عليها صورة الطفل الشخصية و تعتمد من مكتب القوى العاملة، و في المادة ٦٩ على صاحب العمل أن يُسلم مكافأة الطفل أو أجره اليومى إليه شخصيا أو أحد والديه لأن هناك بلاغات كثيرة وردت إلينا كلجان حماية طفل بأن هناك استغلال من أصحاب المحلات بأنهم لم يعطوا الطفل أجرته بحجة أنهم يحافظون عليها له.
وأكدت مسؤولة لجان حماية الطفل ببورسعيد، أن النسبة الكبيرة من عمالة الطفل في المحافظة هي من أطفال المحافظات الأخرى لأنهم يعملون فى التهريب أو أسواق السمك والحرفيين وفى المنازل، وأن هناك بلاغ أيضا وصل للجان الحماية بأن هناك طفل يعمل فى 'كاوتش السيارات' في حى العرب وبشهادة الجيران بتعرض التعذيب وذهبت إلى المكان واتصل بأن الطفل مجهول النسب ولا يوجد له أى أوراق ثبوتيه فقامت اللجنة باستخراج شهادة ميلاد له وتم متابعته على مدار عامين متتاليين كما تم إلحاقه بمدرسة الفصل الواحد، كما أن هناك طفل يتم استغلاله فى تهريب البضائع المستوردة وتم متابعته وعمره ٨ سنوات كان يساعد والدته وخرج من التعليم وتدخلت لجنة الحماية وتمت عودته للدراسة ومساعدة الاسرة ماديا.