49 عاما مرت على نصر أكتوبر المجيد، الذى سطره جنودنا البواسل وأثبتوا فيه للعالم أن الجندى المصري هو خير أجناد الأرض، ذلك الجيش الذى حطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر، ليعيش أبطاله حتى يومنا هذا وهم يروون بفخر وعزة قصصهم عن تلك الحرب.
مئات بل آلاف القصص عن نصر أكتوبر، يحتفظ بها أبطالنا حتى يومنا هذا، ويروونها بفخر وعزة بتفاصيل دقيقة كأنها حدثت بالأمس القريب، بعض هذه القصص يرويها لنا خلال الأسطر القادمة، واحد من أبناء محافظة كفر الشيخ، وأحد أبطال حرب أكتوبر.
النقيب الحسينى محمد، ظابط سرية مشاة فى حرب أكتوبر، هو بطل قصتنا اليوم، وهو الذى سيروى لنا خلال الأسطر القادمة شهادته عن نصر أكتوبر والمواقف التى يتذكرها رغم مرور قرابة النصف قرن على نصر أكتوبر المجيد.
فى البداية يقول النقيب الحسينى محمد الحسينى فى تصريح خاص ل'أهل مصر' أنه أثناء حرب أكتوبر كنت فى كتيبة مشاة ميكانيكى، وكنت مسؤولا عن سرية مشاه، وكانت هذه الكتيبة كتيبة مقاتلة، وكان مكانها فى القطاع الأوسط من سيناء.
وتابع: وأثناء العبور تحركنا من موقع التقدم الخاص بنا فى مدينة القصاصين الشرقية، وبدأنا فى التقدم وعبرنا القناة مع الموجة الأولى، وكلل الله تعبنا بالنصر، وكان ذلك نتيجة تدريب كبير وبذل دم وجهد، وكافأنا الله بالنصر.
ويضيف: تفاجأنا بساعة الصفر وتم إبلاغنا لاسلكيا أن الحرب بدأت، ثم بدأت قواتنا فى التقدم حتى وصلنا القناة وعبرنا يوم 7 أكتوبر بالنسبة لوحدتنا، ولقد عبرت جزء من قواتنا، والجزء المتبقى كان سيعبر صباح اليوم التالى وكنت من بينهم، وكانت مهمة كتيبتنا فى منطقة أبو سلطان، وكنا نقوم بدورية على منطقة من مفارق أبو سلطان حتى مدينة فايد من الساعة السادسة مساء حتى السادسة صباحا.
ويكمل: لقد فوجئنا يوم حدوث الثغرة مع أول ضوء للصباح، أن هناك دبابتين كنا نظنهما مصريتين ولكن تبين عكس ذلك فيما بعد، تغلقان باب مطار فايد فأبلغنا قائد الكتبة بالموقف، فأصدر أوامره أن تتوجه مجموعة من الكتيبة للمطار لمعرفة الموقف، ولكن كانت خدعة حيث اتضح لنا فيما بعد أن تلك الدبابتين المصريتين تحصل عليهما الإسرائليني أثناء حرب 67، ودخلت قواتنا للمطار ولكن كانت هناك قوات إسرائيلية بالداخل، وحدث اشتباك، وانتهى الأمر باحتلالهم قاعدة أبوسلطان فى المساء.
ويقول: فى اليوم التالى توجهنا لمعسكر التل الكبير وتوجهنا لمنطقة أبو صوير وتمركزنا هناك، وصعدنا تبة مرتفعة فى تلك المنطقة، ولقد احتللنا هذا الجبل من آخر ضوء وحتى أول ضوء وحفرنا الحفر البرميلية الخاصة بنا، وكنا أول الناس فى مواجهة الثغرة، وتواجدنا بهذا الموقع لمدة شهر وحتى وقف إطلاق النيران، وكان للإسرائبين نقطة ملاحظة أمامنا عبارة عن 3 دبابات، ولم يعلموا بتواجدنا أعلى الجبل حتى قمنا باحتلاله بعد تواجدنا عليه 5 أيام، ودمرنا 3 دبابات لهم ومنهم من مات ومنهم من هرب، ولقد اشتبكنا معهم ببسالة، وسببنا لهم خسائر.
ويكمل: كنا نرى الطيران المصرى وهو يعبر لسيناء، وكنا نعد سرب الطيارات، فإذا عاد ينقصه طائرات نحزن، ثم نهلل إذا عادت بعدها تلك الطائرات، ويضيف بالقول: يوم حدوث الثغرة عدما تقدم العدو لاحتلال قاعدة أبو سلطان، تعطلت عربة مدرعة لهم وتوقفوا لإصلاحها أمامنا، وحل الليل وقتها، وأكملوا طريقهم لأبو سلطان وبدأوا فى إطلاق النار علينا، وكان العدد المتبقى من الكتيبة والذى لم يعبر القناة بسيطا، ولم يكن معنا السلاح الكاف لمقاومتهم، إذ كان عددنا قرابة الـ30، وضربوا دبابة قائد الكتيبة بطاقمها واستشهد طاقمها، كما ضربوا نقطة المياه الخاصة بنا، واستشهد 4 من جنودنا بتلك المنطقة.
وأردف: توجهت أنا وبعض من زملائى لذلك المكان وحفرنا لدفن جثث الشهداء الأربعة ووضعنا علامات على ذلك المكان، وكنا معرضين فى أى لحظة لسقوط دانة فيستشهد زملاء لنا، لنقوم بعد الهجوم بجمع أشلائهم ودفنها ووضع علامة على المكان تدل على وجود شهداء هنا، حتى تأتى جماعة دفن الشهداء، والذين يأتون بعد وقف إطلاق النار لنخبرهم بأماكن تواجد الشهداء.
واستطرد: بعد وقف إطلاق النار توجهت مع زملائى لتجميع جثث شهدائنا، وكنا نسير جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين نجمع جثث شهداءنا وهم يجمعون جثث موتاهم، وأشار إلى أن الشهيد ليس لجسده رائحة، فرغم مرور شهرين كان جسد الشهداء كاملا لم تتورم أو تنفجر بل كانت متيبسة فقط، وكنا نجمع الجثث ونذهب بها للتل الكبير لدفنها فى مقابر الشهداء، وتلك من بين المواقف المحفورة فى الذاكرة.
ويقول: شهر أكتوبر له عندى معزة خاصة، وعندما أتذكره أكاد أبكى، ولقد مر على الحرب 49 عاما، ولكن سائل الإعلام لم تعط نصر أكتوبر حقه، فالغرب ينسجون قصصا وهمية حول جنودهم، أما نحن فيمكننا كتابة مئات القصص حول الجندى الواحد، وأطالب الإعلام بالمصرى باستضافة نماذج من أبطال أكتوبر ليروا قصصهم عن الحرب، وأطالب المدارس والجامعات باستضافة أبطال أكتوبر ليروا قصصهم عن الحرب للأجيال الجديدة، فنصر أكتوبر أعاد للعالم العربي كرامته، وشعر الشعب المصرى بالفخر.
وأوضح أنه بعد مرور أكثر من 40 عاما على نصر أكتوبر، استطاع أن يتواصل مع عدد من أصدقائه ممن كانوا معه فى الحرب، وتواصلوا عبر فيسبوك وتقابلوا جميعا، وكان هذا اللقاء مشحون بالعواطف والذكريات، وأنهم لا زالوا على تواصل مع بعضهم، واختتم حواره لـ 'أهل مصر'، بأن وجه التهنئة للقيادة المصرية والشعب والجيش المصريين بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، ودعا الله عز وجل أن يديم النصر على مصر.