قصص وحكايات أبطال أكتوبر تجعلك تشعر بالفخر عند سماعها، فعندما تجلس أمام أحدهم، لتكتشف منذ الوهلة الأولى أنك أمام شخصية فريدة، وكيف لا وهم رجال لم يعرفوا يومًا غير الشجاعة والفداء، وفي ظل احتفال الشعب المصري بحلول الذكرى الـ 50 لحرب أكتوبر المجيدة، التقت 'أهل مصر' بأحد أبطال الحرب ليروي أسرارًا من معركة النصر وكأنها تمر أمام أعيننا.
اللواء محمد الصول بطل حرب أكتوبر
ويروي لنا المقاتل البطل اللواء محمد حسن الصول، ابن محافظة البحيرة، رئيس أركان قوات حرس الحدود بالجيش الثاني، قائلًا: 'إن القوات المسلحة نجحت بامتياز من خلال خطة عسكرية محكمة في القضاء على العدو الصهيوني، في حرب أكتوبر المجيدة'.
اللواء محمد الصول بطل حرب أكتوبر
براعة التخطيط لحرب أكتوبر
وأشار إلى أنه تم إختيار يوم 6 أكتوبر يوما للعبور والاقتحام حيث انه عيد الغفران بالنسبة لإسرائيل وتكون فيه تل أبيب في حالة سكون وهدوء تام وتغلق جميع الهيئات والمؤسسات، وكانت براعة التخطيط لحرب أكتوبر تكمن فى اختيار الموعد بهذه الدقة، فكان المعهود أن وقت العمليات الحربية يبدأ مع آخر ضوء ليل، وأول ضوء نهار ولكن حرب أكتوبر بدأت فى الثانية ظهرًا، وتم اختيار ذلك الموعد بالتحديد لكي يستطيع جندى المشاة الذى يقوم بالعبور فى تنفيذ المهمة المباشرة خلال 4 ساعات على ضوء النهار.
اللواء محمد الصول بطل حرب أكتوبر
دمرنا 90% من دبابات العدو
وأضاف ان الكتيبة 524 مشاة، فى اللواء السابع، وهي أول كتيبة تستولى على نقطة صعبة للعدو، حيث تم تقسيم الكتيبة إلى ثلاث سرايا، الأولى مهمتها عبور القناة واحتلال مصاطب الدبابات على الضفة الشرقية وعلى حافة القناة، وتم الاشتباك مع العدو ودمرنا 90% من دباباته، أما السريتان الثانية والثالثة فكان دورهما تطويق النقطة الحصينة وسقطت بالكامل يوم 7 أكتوبر، وأعطينا التمام باحتلال النقطة، وكنا اول كتيبة ترفع علم مصر على الضفة الشرقية، واخذنا 18 أسيرًا فى ملحمة أسطورية لا تتم إلا من خير أجناد الأرض.
تدريب شاق وإعداد جيد
وأردف أن انتصار أكتوبر كان نتيجة تدريب شاق وإعداد وتخطيط جيد، حيث تدربنا فى منطقة الخطاطبة بمحافظة البحيرة، وكان مشروعا سنويًا عبارة عن معركة كاملة، كنا نعيش جو المعركة كأننا نحارب، تدربنا على العبور فى الرياح البحيرى بالخطاطبة وعزبة بنى سلامة، حتى وصلنا لمرحلة الاحتراف، وكان الكيلو 85 أرض التدريب الجاف، كما تدربنا على المرتفعات والجبال، وعلى عبور قناة السويس فى منطقة تسمى البلاح، وتقع ما بين مدينتى الإسماعيلية وبورسعيد، وكانت جزيرة وسط القناة، فرع ناحية العدو وفرع ناحيتنا.
وأضاف أنه 'بعد قضاء كتيبتي لفترتها في النسق الأول تم التبديل إلى النسق الثانى، وفى أثناء العودة فوجئنا بأمر تحرك ثلاث كتائب في المنطقة الابتدائية للهجوم وكنا كل عام نقوم بعمل مشروع سنوي كان عبارة عن حفر خنادق، وكان يوم الجمعة 5 أكتوبر، شعرت بأن هناك حربًا أو عملية ضد العدو، لكن لم أكن أتخيل أنها غدًا، وفى حوالى الساعة 9 مساء ذهبت مع قائد الكتيبة، وكان اجتماع مع قائد اللواء السابع العميد فوزى محسن، وعقد فى ملجأ تحت الأرض وتحدث معنا على ضرورة إعطاء التمام على كل السرايا وتمام استعداد الكتيبة فى السادسة صباحًا، وفى الساعة العاشرة صباحًا أمرنى قائد الكتيبة بجمع قادة السرايا في نقطة الملاحظة تحت الأرض، وكنا نتوقع أنه وقت العودة من المشروع، وفتح القائد ظرفًا، وبدأ فى تلاوته علينا (بسم الله الرحمن الرحيم، على هدى من الرحمن وتوكل عليه قررت قواتنا المسلحة عبور قناة السويس واقتحام النقطة الحصينة رقم 151) وكانت هذه النقطة هى مسئولية كتيبتي، ومواعيد العبور ساعة 14.05.
وتابع: أنه في تمام الساعة الثانية ظهرًا رأينا الطيران وكان يطير على ارتفاع منخفض جدًا، لدرجة أن هواء الطائرات حرك الرمل من حولنا وبعدها بدأت المدفعية فى الضرب، وفى تمام الساعة 2:20 بدأنا فى التحرك بالقوارب ونزلنا بها لمياه القناة وعبرنا في نصف الزمن الذي تدربنا عليه، وكان بجانبي الكتيبة 19 مشاة والكتيبة 21 مشاة، وكنت أنا في الكتيبة ' 524 اللواء السابع 'وبجانبنا اللواء الأول مشاة، والخامس 'الفرقة 19 مشاة'.
وأوضح أن الفريق سعد الدين الشاذلي له دور كبير فى التخطيط للمعركة، فأنشأ توجيها يسمى 'التوجيه 41'، وكان توجيهًا شاملًا للمعركة، حيث يستطيع الجندى أن يعرف مواقيت التحرك والمهمات ومن على يمينه ومن على يساره، صحيح كان العدو يملك أحدث المعدات العسكرية ويملك العديد من الطائرات المتطورة وقتها، ولكن العقل المصرى كان مبتكرا، فابتكر أشياء هامة لتسهيل عمل القوات، منها جاكت خفيف مصنوع من مادة الفايبر يشبه جاكت النجاة به العديد من الجيوب لحمل الذخيرة والمياه، والابتكار الثانى، وهو ابتكار العقيد باقى زكى يوسف المهندس العبقرى، الذى ابتكر فكرة إزالة الساتر الترابى بواسطة خراطيم المياه، وابتكار مصرى آخر وهو سلالم الحبال على طول الساتر الترابى، لتتمكن الأفراد فى الموجة الأولى من الصعود على الساتر الترابى، وابتكار للمقدم إبراهيم شكيب صاحب فكرة سد مواسير النابلم.
وعن أهم ذكرياته خلال حرب أكتوبر قال اللواء محمد الصول: قصة الجنديين 'صبحي حنا وأحمد' اللذين استشهدا بنيران العدو وهما فى خندق واحد تعكس عمق الوحدة الوطنية، فنيران الأعداء لم تفرق بين مسلم ومسيحى، مؤكدا انه ومن فرط تأثري بهذا المشهد الإنساني كتبت قصيدة شعرية جاء فيها 'دم صبحي ودم أحمد دم واحد.. الهلال حضن الصليب بيكتب في الجوامع والكنايس الانتصار'.
وعن إصابته في حرب أكتوبر، قال إنه 'بعد احتلال النقطة الحصينة وإعادة استكمال المعدات والذخيرة ونقل المصابين للعلاج ودفن الشهداء خلال المعارك الأولى من يوم 6 حتى 8 أكتوبر، اشتدت المعركة يوم 9 أكتوبر وضربت إسرائيل بكل قوتها في ذلك اليوم ودارت معركة بين الدبابات المصرية والإسرائيلية، حيث أطلقت إحدى الدبابات قذيفة في مركز القيادة وأصابت خوذتي وقطعت فروة الرأس وانتقلت بعدها إلى المستشفى.'
وأضاف أنه حصل على أوسمة وأنواط عديدة، منها نوط الشجاعة من الطبقة الأولى، ونوط الواجب والخدمة الطويلة والقدوة الحسنة من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأيضًا نوط الشجاعة ونوط الواجب والخدمة الطويلة وميدالية أكتوبر.