بصلابة المرأة الصعيدية الحديدية تمردت على العادات والتقاليد، قهرت الظروف بشجاعتها ومواجهتها للحياة، بعدما وجدت نفسها بين عشية وضحاها أصبحت أماً وأباً لخمس بنات، الأمر الذي دفعها للعمل في مجال الخياطة الذي لم تدرسه يومًا؛ لتنفق منه على بناتها وتعلمُهن حتى تخرجت اثنتين منهن من كلية الطب، ولازالت تواصل مسيرتها مع بقيتهن، غير مهتمة بانتقادات البعض لها وسخريتهم من مجال عملها الذي اختارته، رغبة منها في الوصول ببناتها لبر الأمان.
ام البنات
وتقول «شيماء محمد عساف» إحدى سيدات الأقصر والتي تلقب بأم البنات لـ « أهل مصر» أن قصة كفاحها بدأت منذ 13 عام، حينما توفى زوجها «محمد عساف' مدرس الكيمياء بالثانوية العامة بإسنا، تاركا إليها خمس بنات، التي انجبتهن منه، حيث إحداهن كانت فى ذلك الوقت تدرس فى الصف الأول الإعدادي، والثانية تدرس بالصف السادس الإبتدائي، والثالثة تدرس بالصف الثالث الإبتدائي، والرابعة بالحضانة، والخامسة فى بطن أمها؛ مما دفعها ذلك للتفكير بالعمل لأول مرة فى حياتها بعد أن كانت تعيش هي وأسرتها حياة مرفهة.
وتابعت ' أم البنات ' حديثها قائلة:' حينما مات زوجي ترك لنا معاش 800 جنيه فقط نعيش عليه، كنا نحمد الله، ولكن عندما تذكرت مستويات بناتي الدراسية وحصولهن على المراكز الأولى فى حياة والدهن، واحلامهن بدخول كليات قمة فى المستقبل، عَظُمَ علي ضياع أحلامهن الوردية بسبب النقود فقررت حينها أفكر فى عمل استطيع من خلاله الإنفاق على بناتي الخمسة حتى أُساعدهن فى تحقيق آمالهِن، فتذكرت وقتها موهبتي التي وهبها الله إلي دون دراسة فيها وهي مهنة الخياطة فعملت بها فى الحال رغم كوني خريجة دبلوم تجارة ولكن من الله علي بها فقررت استغلالها وتنميتها من خلال الحصول على كورسات عبر الإنترنت للتمكن فيها أكثر.
وأضافت أنها قامت بعد ذلك بعمل جميعة لشراء ماكنية غير الصغيرة التي أهداها لها زوجها فى حياته وبدأت فى العمل بالقرب من منزلها حتى تراعي بناتها وتظل قريبة منهن طوال الوقت لكونهن بنات يحتجن رعاية أكثر من الذكور فتخبرهم مواعيد دروسهم، وتكون معهم باستمرار لتشاركهم افراحهم واحزانهم، وعمل الطعام إليهم فى كل وجبة والتناول معهمم، حتى كبُرت أعمارهم واصبحن هن من يشجعنها على العمل وفتح مشغل بمنطقة حيوية حتى تطور من نفسها اكثر ويصبح اسم مشغل 'ام البنات' مصدر السعادة لكل البنات، لافتة إلى بناتها أيضا ساعدوها بالحنية ومراعاة الظروف وطلب المهم فقط، رغم تيسير الله لهم المفاجئ فى نفس وقت الطلب يرزقها رزق وافر.
وقالت :'قمت بعمل مشغل وسط مدينة إسنا، واعمل فيه منذ التاسعة صباحا وحتى الثانية ظهرا، ثم أعود للمنزل لتجهيز الطعام والغداء معهن وأقوم بواجبات الأم حتى اذان العصر، ثم أعود مرة أخرى لفتح مشغلي واعمل فيه بدقة حتى بعد المغرب، ثم أعود لمنزلي وهكذا؛ حتى أصبحت أعمل 10 ساعات يوميا فى المشغل وبقية اليوم مع بناتي، لافتة إلى أنها أيضا تتابع بناتها من خلال الهاتف لتذكرهم بمواعيد دروسهم حتى لا تجعل تركيزها ونجاحها فى شيء، وفشل فى الأساسي .
قالولي إزاي مرات مدرس الكيمياء تبقى خياطة فطلعتلهم دكاترة من الخياطة
وأكدت الأم المكافحة أنها بالرغم من كونها لاقت هجوما وانتقادات كبيرا على عملها بهذه المهنة بأنه كيف لزوجة مدرس الكيمياء أن تصبح خياطة، إلا أنها تجاهلت كل هذا واستمرت على مبدأها فى مجال الخياطة التي تراه من منظورها أنها مهنة شريفة كبقية المهن مثلها مثل التدريس والطب والهندسة، ولولا هذه المهن ما أصبح يوجد مدرس ولا طبيب ولا عالم، موضحة أنها استطاعت من خلال هذه المهنة التي هاجمها البعض على العمل بها أن تعلم وتربي وتخرج اثنتين من بناتها اطباء، ثم تزوجهن، وتواصل المسيرة مع الثلاثة المتبقية.
واختتمت الأم المكافحة حديثها بأنها تواصل رحلتها فى تربية بقية بناتها، وتعليمهن كما أنها تقوم بتدريب الفتيات على الخياطة، التي عشقتها بكل ما تحتويه الكلمة من معانِ حتى ساعدها ذلك على النجاح بها، متوجهة بالشكر لجميع من دعموها بعد وفاة زوجها ولو بكلمة، ولأهل زوجها على حسن معاملتهم الطيبة لها، متمنية أن يوفقها الله فيما هو آت ويرزقها فى عملها حتى تعلو من شأن مشغل ام البنات أكثر فأكثر.
ام البنات