أكثر من نصف قرن مرت على حرب أكتوبر المجيدة التي استعادت فيها قواتنا المسلحة المصرية أرض سيناء من العدو الإسرائيلي بعد سنوات من احتلالها، ليُخلَّد هذا النصر بسطور من ذهب في كتاب التاريخ، وذلك بعد أن دمرت قواتنا المصرية بهذا النصر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر التي تغنى بها جيش العدو لسنوات قبل أن يستفيق على هزيمة نكراء كبَّدها له جيشنا العظيم.
حسن السايس أحد أبطال أكتوبر
ذكريات، وبطولات، ومواقف لا تُعد ولا تُحصى، لا زال أبطالنا الذين شاركوا في حرب أكتوبر يتذكرونها رؤى العين حتى يومنا هذا وكأنها حدثت بالأمس القريب، إذ تأبى ذاكرتهم نسيانها؛ لفخرهم بكل لحظة عاشوها بها حتى جاؤوا بنصر عظيم للمصريين يُدرس في كتب التاريخ حتى هذه اللحظة.
حسن السايس، أحد أبطال حرب أكتوبر
'حسن أحمد إبراهيم السايس'، 74 عامًا، ابن قرية محلة دياي بمركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وأحد أبطال حرب أكتوبر، روى لـ'أهل مصر' ذكرياته عن الحرب والمواقف التي لا ينساها بعد مرور أكثر من نصف قرن.
حسن السايس، أحد أبطال حرب أكتوبر
أول طلقة
قال 'حسن السايس' إنه كان برتبة عريف وقت حرب أكتوبر، وكانت وظيفته 'رامٍ' على دبابة بـ سلاح المدفعية، مشيرًا إلى أن المشير عبد الحليم أبو غزالة، زارهم وأخبرهم بأن ساعة الصفر بالنسبة للفصيلة ستكون في الساعة الثانية ودقيقتين، وأن أول طلقة ستخرج منهم ستكون في هذا التوقيت.
حسن السايس، أحد أبطال حرب أكتوبر
بداية المعركة بجزيرة البلاح
وتابع بطل أكتوبر: كانت بداية المعركة بالنسبة لنا من على جزيرة البلاح، وكانت مهمتنا الأولى تدمير نقطتين من خط برليف وهما: النقطتين 606، و510، ولقد أنجزنا المهمة، أما مهمتنا الثانية فكانت حماية المشاة الذين سيعبرون في الدبابات البرمائية للبر الثاني أثناء عبورهم.
ويكمل: كل شخص منا كان يكتب اسمه وعنوانه على ورقة ويضعها بين طيَّات ملابسه، ومنا من دوَّن بياناته على جسده؛ حتى إذا استشهد يُستدل عليه، و لكننا لم نكن نخشى الموت.
وأردف: قبل الحرب بعدة أيام كان هناك جندي إسرائيلي متواجدًا على برج المراقبة بالضفة الأخرى، وكان يصور تحركاتنا دومًا، وكنت أبغضه كثيرًا، واتخذت عهدًا على نفسي أنه عندما تأتي التعليمات ببدء الحرب، ستكون أول طلقة من سلاحي صوب هذا البرج، وبالفعل فور إبلاغنا بساعة الصفر، أطلقت أول ضربة على هذا البرج، ولكنها لم تصب الجندي الإسرائيلي، بل أصابت البرج الذي مال من مكانه عقب الضربة، ولكنه بعد أن نزل على الأرض أصابته طلقات من جنودنا ومات، فشعرت بفرحة وقتها.
أسرنا كثيرًا من جنود العدو
واستطرد: أسرنا كثيرًا من جنود العدو، وكنا نقوم بتسليمهم، وتذهب بهم القوات لمعسكر التل الكبير، ولقد وجهنا ضربة لطائرة إسرائيلية، فقام قائدها بالقفز منها مستخدمًا المنطاد، وهبط بيننا، فقمنا بأسره وتسليمه.
ويضيف بالقول: في أحد أيام الحرب بعد العبور، كانت الساعة 12 ليلًا، وكانت هناك دبابة تقف على مقربة منا، وكنا نظن أنها مصرية؛ لأن الجندي المتواجد أعلى الدبابة كان يضرب معنا، ولكن مدفع الدبابة كان موجهًا ناحية طاقم من القوات المصرية متواجد بالقرب منا، ووجه المدفع ضربة ناحية الطاقم فاستشهد معظم جنوده، واكتشفنا بعدها أنها دبابة للعدو، وقام كلًا منا بإطلاق طلقة واحدة على هذه الدبابة، كما أطلقت دانة عليها أيضًا.
ويقول: في صباح اليوم التالي توجهت للدبابة، ورأيت أثر الدانة التي أطلقتها عليها، كما رأيت جثة سائق الدبابة التي انشطرت لنصفين بعد أن أصابته الدانة، ورأيت الجزء العلوي منها معلقًا بالدبابة، حيث كان يحاول الخروج منها قبل أن تصبه.
استشهاد طاقم الدبابة بأكمله
وسرد السايس بعضًا من المواقف التي لا ينساها قائلًا: في يوم الثالث من أكتوبر، كنا ننتظر تعليمات جديدة من القادة، وكل منا كان موجودًا بحفرته، ووجهت حينها طائرة للعدو ضربة لإحدى دباباتنا، ولكن القنبلة لم تصبها، بل جاءت على بعد 50 مترًا، فاشتعلت النيران أسفل الدبابة، وقمنا بإطفائها، ولكن طاقم الدبابة بأكمله استشهد.
ويستطرد: جاءت سيارة لأخذ الشهداء بعدها، وذهبت أنا والحكمدار للموقع لحمل جثمان حكمدار الدبابة التي ضُربت، وأثناء حملنا للشهيد أصيب الحكمدار بشظية شطرت جسده لنصفين، ورغم ذلك كان يردد قائلًا: 'خلى العربية دايرة'، ظنًا منه أنه سيعيش، ولكنه اسشتهد ودفناه بالمقابر، وكان هناك أيضًا جندي نائمًا بحفرته، ووجه العدو ضربة للحفرة، فانهارت عليه واستشهد، وتركناه بالحفرة وقمنا بوضع علامة عليها.
ويكمل: بعد عودتي عقب النصر، استقبلني الأهالي بحفاوة كبيرة، وفي ذكرى أكتوبر من كل عام، تمر كل تلك الذكريات أمام ناظري، وأشعر بالفخر كثيرًا، وهذا النصر كان بتوفيق من الله تعالى.