في مثل هذا اليوم 20 يونيو عام 1969، فقدت الأمة الإسلامية واحدًا من أعظم قرائها، الشيخ محمد صديق المنشاوي، الذي لُقّب بـ"الصوت الباكي" لما حمله صوته من خشوع وتأثر نادرين، ترك بصمته في قلوب الملايين من المسلمين، وظل صوته يتردد في أرجاء العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.
ولد الشيخ محمد صديق المنشاوي، في 20 يناير 1920، بالمنشأة في محافظة سوهاج، في بيت عُرف بالقرآن والعلم، فوالده وجده كانا من كبار القرّاء، فحفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمره، وبدأ رحلته مع التلاوة مبكرًا وسط كُتّاب القرية، قبل أن ينتقل إلى القاهرة لدراسة علوم القرآن.
رغم رفضه في البداية الانضمام إلى إذاعة القرآن الكريم، إلا أن الإلحاح الشديد جعله يقبل، ليبدأ رحلته مع تسجيل التلاوات عام 1953، حيث أُعجب به كبار العلماء، واعتبروه فلتة زمانه، حتى قيل إن المنشاوي لا يُعلق عليه، كما قال عنه الموسيقار محمد عبد الوهاب.
اشتهر الشيخ محمد صديق المنشاوي، بصوته العذب ونبرته المملوءة بالرهبة والخشوع، وقدرته الفريدة على إيصال المعاني القرآنية للمستمع، فلقّبه الشيخ الشعراوي بصاحب الخشوع وقال من أراد أن يستمع إلى القرآن خاشعًا فليستمع إلى المنشاوي رحمة الله علية.
سافر الشيخ محمد صديق المنشاوي، إلى العديد من الدول، بدعوات رسمية من رؤساء وملوك، وقرأ في الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، كما حصل على أوسمة ونياشين من دول مثل سوريا وإندونيسيا، وكان يُلقّب بمقرئ الجمهورية العربية المتحدة.
من المواقف المثيرة في حياته، نجاته من محاولة اغتيال بالسم خلال دعوة للعشاء، حيث أخبره الطباخ بسر دس السم في الطعام فأنقذ حياته، كما يُروى أن الرئيس جمال عبد الناصر طلبه ليتلو القرآن في عزاء والده، تقديرًا لصوته وروحه.
ورغم إصابة الشيخ محمد صديق المنشاوي، بدوالي المريء عام 1966، لم يتوقف عن التلاوة، وظل يقرأ بصوت جهوري حتى اشتد عليه المرض، ولقي ربه في 20 يونيو 1969 عن عمر يناهز 49 عامًا.
وبعد 56 عامًا على رحيله، ما زال المنشاوي حيًّا بتلاواته، حاضرًا في وجدان كل من عشق القرآن، لقد رحل الجسد، لكن الصوت لا يزال يسكن القلوب، يبكي فتخشع الأرواح، ويقرأ فتنتعش القلوب.