لم يكن الشاب س ع يبحث عن مجرد عمل، بل كان يلهث وراء حلم قديم، حلم يراود الكثيرين في تلك القرى المتاخمة للصحراء. كان عمره أربعون عامًا، ووجوه أحبابه تطارده في كل خطوة يخطوها، زوجته التي تنتظر منه كل خير، وأطفاله الصغار الذين لا يفهمون بعد لماذا يغيب والدهم لساعات طويلة. في ذلك اليوم المشؤوم، لم يكن يتوقع أن تصبح تلك الحفرة العميقة التي حفرها بيديه نهاية رحلته، وأن تصبح أحلامه مجرد قبور تُدفن فيها.
كانت الفكرة بسيطة ومُغرية ابطالها اصدقاء الشياطين وعدوا بعضهم بالثراء السريع. مجموعة من الأصدقاء، همسوا في أذنه بوجود "كنز الأجداد" مدفون تحت أرض مزرعة
في التل الكبير. حكايا الأجيال عن الفراعنة وكنوزهم كانت وقودًا لهذا الطمع. ترك س ع عمله في الشركة الحكومية، وترك حياة الأمان والروتين، ليبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر، يلاحق فيها سرابًا من الذهب والمال.
على مدى أيام وليالٍ، كان يغوص في أعماق الأرض. يرفع الرمال ويحلم بلحظة العثور على ما يغير حياته إلى الأبد. كانت الحفرة تزداد عمقًا واتساعًا، وتزداد معها مخاطر الانهيار. كان رفاقه يراقبون من بعيد، يملؤهم الشغف والخوف. وفجأة، ودون سابق إنذار، سمعوا صوتًا مدويًا. كانت الأرض تفتح فمها وتبتلعه، تنهار عليه أطنان من الرمال ، لتدفنه وهو يحمل في قلبه حلمًا لم يتحقق.
هرع رفاقه، مذعورين، يصرخون ويحاولون إزاحة الركام. لكن الأمر كان مستحيلاً. كان الانهيار ضخمًا، وكانت الأرض قد ابتلعت الشاب س ع بالكامل. وصلت قوات الأمن وفرق الحماية المدنية، وبدأت عمليات البحث على مدار أربعة أيام، استخدمت المعدات الثقيلة، وتم حفر المزيد من الأرض، لكن كل المحاولات باءت بالفشل. كان الجثمان قد اختفى، وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس.
في النهاية، وبعد يأس من العثور على الجثمان، أصدرت النيابة قرارًا استثنائيًا ومؤلمًا: "يُدفن حيث هو". كان قرارًا يعكس عمق المأساة، ويثبت أن "كنز الأجداد" لم يكن سوى وهمٍ كلفه حياته. وفي مكان الحادث، تجمع الأهل والأصدقاء، وصلوا عليه صلاة الغائب، وتلقت أسرته العزاء. لم يكن هناك جسد ليُودعوه، فقط حفرة عميقة، وذكرى مؤلمة لشاب رحل وهو يلاحق حلمًا لم يجد فيه سوى الموت.
القصة لم تنتهِ هنا، فالنيابة ما زالت تحقق في الواقعة، وألقت القبض على خمسة من المتهمين. لكن المأساة الإنسانية تبقى أكبر من أي تحقيق. إنها تذكرة قاسية بأن الأحلام التي تُبنى على الطمع يمكن أن تتحول إلى كوابيس، وأن أغلى كنوز الحياة هو الإنسان نفسه. فقد كان س ع يبحث عن ورث مدفون، وفي النهاية، أصبحت الأرض التي كان يحفرها هي ورثه الأخير.