عاش 'عبدالكريم' حياة لم تكن في استطاعته عندما كان طفلًا، فقد تولى مسئولية أسرته وهو في سن يحتاج إلى شخص يتولى مسئوليته، وذلك بعدما فقد والده منذ 10 أعوام، وأصبح كبير عائلة وهو لا يعرف معنى لهذه الكلمة، كان يدرس ويعمل لمساعدة والدته وشقيقيه الأصغر، ففكر في وسيلة توفر له دخلًا ولكن العمل الخارجي كان يأخذ كل وقته وهو في المرحلة الثانوية والتي تحتاج كل وقته، فقرر استخدام هوايته وهي عشقه للخط العربي والذي كان مشهورًا بجمال خطه منذ الطفولة، فقرر ترك الثانوية العامة والالتحاق بمعهد الخط ومنه وفر وقتًا لشيئين، توفير دخل يساعد به أسرته، وإشباع رغبته في شغفه بتعلم أكثر عن أساسيات الخط.
شاب من قنا يكتب القرآن على ورق من صنع يده
حاول الجميع إقناعه بعدم ترك الثانوية العامة، ولكن شغفه بالخط العربي، والمسئولية التي تقع على عاتقه تجاه أسرته، جعلاه لا يبالي بأحد، وصمم على قراره بالالتحاق بمعهد الخط، في بلدته، وذلك للتمكن منه وتعلم أسسه، والذي أصبح رغم صغر سنه، مُعلمًا للخط، بمقابل رمزي، حلمًا منه بأنه سيصبح أكبر خطاطي المصحف الشريف في العالم الإسلامي يومًا ما.
يقول 'عبدالكريم محمد مرجان'، في حواره لـ 'أهل مصر' إنه يبلغ من العمر 18 عامًا، ومقيمًا بقرية هتيم الشمرات، في الشرقي سمهود، في مركز أبوتشت، شمالي قنا، وإنه بعد وفاة والده لم يعرف معنى كلمة طفولة، حيث كان عمره 8 أعوام، وبدأ تحمل مسئولية أسرته، لأنه أكبر أشقائه، ومنذ ذلك اليوم لم يفكر سوى في نجاحه وإسعاد أسرته، حتى أصبح مُعلمًا وهو مازال طالبًا، بل وأصبح مشهورًا بخطه حتى إن وصل لكتابة القرآن الكريم.
شاب من قنا يكتب القرآن على ورق من صنع يده
واصل 'عبدالكريم' حديثه، بأن شغفه بالخط ظهر لديه منذ الطفولة وأن الذي حببه فيه هو والده، كان يشتري له جميع الأقلام والمستلزمات ويراجع له الكلمات قبل ما يلتحق بالمراحل التعليمية، وعندما التحق بالمرحلة الابتدائية سرعان ما اشتهر داخل مدرسته بخطه الجميل ومن شدة جمال خطه كان بعض المدرسين لا يصدقون أن طفلًا يكتب بهذا الشكل فكانوا يقفون بجانبه وهو يكتب.
كما استشهد أيضًا بموقف لم ينساه طيلة عمره أنه عندما كان يمتحن في الصف الثالث الابتدائي جاء له موجه اللجنة، وسأله من كتب لك الامتحان، فلم يصدق أن ذلك خط طفل، فغضب 'عبدالكريم' من شكه فيه فقال له سأكتب أمامك حتى تتأكد وبالفعل كتب أمامه وأعجب الموجه بخطه فأعطاه 5 جنيهات مكافأة له على جمال خطه.
شاب من قنا يكتب القرآن على ورق من صنع يده
وتابع أنه خلال فترة دراسته لم يشارك في أي مسابقات للخط بسبب كثرة الشكوك في أن ذلك خطه أم لا، ولكن كان يكتب كثيرًا وينوع في الخطوط بين نفسه فقط، إلا أنه خلال مروره بجانب المقابر فوجد كلمة دينية مكتوبة على الجدار فعجبته وتمنى حينها أن يصبح خطاطًا مشهورًا، فقرر الالتحاق بمعهد الخط وهجر الثانوية العامة، ليتخذ منه علمًا يستفيد منه ويفيد غيره ويكون الخط مصدر رزقه.
عندما التحق عبدالكريم بمعهد الخط، زاد عشقه للخط ومشى على خطى الخطاط التركي محمد شوقي أفندي، والذي توفي منذ أكثر من 100 عام، اتبع نهجه ولكن بأسلوبه، فكان يكتب لوحات كثيرة سواء من تفكيره أو مقلدة حتى أنه شعر بأنه تمكن في الخط أكثر، وتم ترشيحه ليصبح مُعلمًا لمجموعة مكونة من 15 تلميذًا يعلمهم أساسيات الخط والكتابة الصحيحة، وبذلك يكون أصغر معلم خط في مصر.
شاب من قنا يكتب القرآن على ورق من صنع يده
بعد ذلك قرر تحقيق حلم الطفولة بأن يكتب القرآن الكريم، فبدأ فعليّا في كتابته، باستخدام أقلام معدنية تيمى 'بلاتنجام' وورق كوشيه وورق مقهر يقوم هو بصناعته نظرًا لعدم قدرته على شرائه لغلاء ثمنه، وذلك بأنه يجهز النشا ويقوم بدهان الورق به، وينتظره حتى يجف، ثم يأتي بزلال البيض ويخلطه مع الشبة، ويدهن بها الورق ثانية مع فردها ويتركها لمدة أسبوع ثم يبدأ الكتابة عليه آيات القرآن الكريم، موضحًا أن الصفحة الواضحة تستغرق معه 7 ساعات في كتابتها، وكان في بداية كتابته للقرآن يذهب إلى محافظة المنيا حتى يراجع له معلمو الخط ما كتب من آيات، ولكن توقف تلك الفترة عن السفر نظرًا لظروف عائلته وتوفير دخل لهم فقرر الكتابة ثم يراجعه في النهاية.
وتابع أنه سيكتب القرآن الكريم لذاته ليس لبيعه ولكن من يريد طباعته لا يمانع فى ذلك.
وأنهى 'عبدالكريم' حديثه بأنه سيكمل الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة ليحصل على مؤهل عال يساعده فيما بعد في الوصول لحلمه وهو أن يصبح من أكبر خطاطي المصحف الشريف في العالم الإسلامي.