وسط كل البيانات التي ظهرت في الأزمة الأخيرة في طرابلس، فإن بيان السفارة الأمريكية في ليبيا له وقع خاص، ولا ينسى الليبيون أبدًا، أن أمريكا كانت في صدارة القوى الاستعمارية، التي حاربت الرئيس الراحل معمر القذافي، وفي الأزمة الأخيرة، سواء خلال مظاهرات طرابلس أو في الصدام بين السراج وباشاغا، بعد قرار السراج توقيف باشاغا وتحويله للتحقيق اتخذت السفارة الأمريكية موقفا غريباً.
فهى لم تساند السراج في قراره إن كانت راضية به، أو تصمت تجاهه إن كانت غير راضية عنه، ولكنها عززت 'قوة باشاغا' بإصدار بيان تقول فيه: إنها تقدر الشراكات الوثيقة بين الرجلين.
لماذا دعمت أمريكا الإخواني "باشا آغا"؟
أعادت السفارة، نشر بيان البعثة الأممية في ليبيا الذي دعت فيه إلى العودة لعملية سياسية شاملة ومتكاملة، تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، وتحقق تطلعاته في الكرامة والسلام، فالسفارة الأمريكية ساندت ببيانها باشاغا علانية، ولم تعلن احترامها للقرارات الداخلية الليبية.
وتصاعدت حدة النزاع بين السراج رئيس الحكومة غير الشرعية وباشاغا خلال الفترة الأخيرة. وتفاقمت بعدما اصر باشاغا، بياننين خلال التظاهرات الأخيرة يبرىء فيها عناصر داخلية السراج، التي كان يتولى رئاستها من إطلاق النار على المتظاهرين ويحملها لمندسين، ويقصد ميليشيات طرابلس والقوة المشتركة المحسوبة على فايز السراج، لذلك وفي الاجتماع الأمني الذي عقده السراج خلال المظاهرات استبعده تماما.
السفارة الامريكية
وفي هذا السياق، تقول وكالة 'أوج' الليبية في نفس الوقت، إن تركيا ليست بعيدة عن الموضوع، وفق مختلف وسائل الإعلام التركية التي قالت إن أردوغان تفاجأ بقرار وقف إطلاق النار، ومساندة باشاغا، جاءت لقدرته على تسخين الوضع من جديد وخدمة تركيا.
وخلال الشهور الأخيرة تصاعد الدعم الأمريكي لباشاغا، في أكثر من مناسبة، وفي عز قيام السفير الأمريكي، ريتشارد نور لاند بالبحث عن اتفاق سياسي أوائل شهر أغسطس الجاري، قيل آنذاك إنه يركز على جعل سرت – الجفرة منطقة منزوعة السلاح اتصل ريتشارد نور لاند، بـ 'باشاغا' لاطلاعه على ما تم في المفاوضات بالرغم من كوزير داخلية مفوض ليس من مهامه ذلك.
ونشرت السفارة الأمريكية أن نور لاند، تشاور عبر الهاتف مع وزير داخلية السراج فتحي باشاغا، حول الجهود المبذولة لبناء الثقة بين الأطراف بما من شأنه أن يؤدي إلى حلٍّ ليبي شامل في سرت والجفرة. وقالت السفارة إنها ستظل منخرطة بنشاط مع جميع الأطراف الليبية التي ترفض التدخل الأجنبيّ، وتسعى إلى الاجتماع في حوار سلمي حينها.
السفارة الامريكية
وراهنت السفارة الأمريكية على باشاغا أكثر من مرة، والتقى القائم بأعمال سفارة أمريكا لدى ليبيا، جوشوا هاريس، باشاغا ونشرت السفارة بيانا آنذاك أن السفارة الأمريكية التقت باشاغا لمعاقبة مهددي الاستقرار في ليبيا، نقلا عن تقرير نشرته وكالة الأنباء الجماهيرية “أوج”.
هل تركيا تحاول حل الأزمة بين الطرفين؟
قالت مصادر للوكالة اللليبية إن زيارة وفد المخابرات التركية إلى غربي ليبيا تأتي في إطار محاولات تدارك الصدام بين فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، ووزير داخليته فتحي باشا أغا خشية الانزلاق لمواجهة شاملة.
وبلغ الصراع بينهما مرحلة خطيرة وصلت حد اتخاذ السراج إجراءات إقصائية بإيقاف فتحي باشا أغا وإحالته للتحقيق.
ووافق الأخير على الخطوة شريطة أن يكون علنيا، وهو الأمر الذي أشارت إليه المصادر، ما تسبب في فزع المخابرات التركية وتحركت سريعا لمنع تصاعد الصدام وخروج أسرار تدين تركيا.
تهديد فتحي باشا أغا المستتر، الذي جاء في طيات حديثه عن شرط علنية التحقيقات، رد عليه السراج بالمزيد من الإجراءات المستفزة والمفزعة لتركيا بمحاولة شق صف مليشيات مصراتة بتعيين رئيس لأركان الوفاق من أبناء مصراتة محمد الحداد، فيما ينذر بخسارة تركيا أكبر قوة تعتمد عليها بعد المرتزقة في غربي ليبيا وهي مليشيات مصراتة.
وشهد غربي ليبيا احتجاجات شعبية مطالبة برحيل حكومة السراج لعدم قيامها بتوفير الخدمات الأساسية للمواطن الليبي، ومطالبة بخروج المرتزقة الموالين لتركيا واستمرت عدة أيام،وقوبلت الاحتجاجات بإطلاق النار واتهم باشا أغا قوى تابعة للسراج بإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين.
فيما اعتبر السراج أن فتحي باشا أغا يحاول الانقلاب عليه، في وقت حاول تنظيم الإخوان الإرهابي تحويل مسار الانتفاضة إلى الهجوم على جميع المكونات السياسية شرق وغربي ليبيا في محاولة فسرها مراقبون بأنها لحرق الأرض وتمهيدها لمشروع جديد، والسراج وباشا أغا جناحان لتنظيم واحد وهو الإخوان الإرهابي ويأتمران بأمر تركيا وقطر ولندن،لكن أصولهما الجهوية تؤثر على طبيعة الصراع، فالسراج من سكان طرابلس، وباشا أغا من سكان مصراتة.
وترى مليشيات مصراتة أنها الأقوى والأجدر بالحكم والأكثر إسهاما في الإطاحة بالنظام القديم وتنظر باستعلاء لمليشيات طرابلس حتى تلك المتوافقة معها فكريا وتتبع الإخوان.
وعلى الرغم من أن المدينتين تقعان تحت سطوة حكومة الوفاق الإخوانية إلا أن الصراع الجهوي خلق تيارين أحدهما تمثله مصراتة بمليشياتها، بقيادة فتحي باشا أغا وصلاح بادي ومحمد الحداد، والآخر تمثله طرابلس بميلشياتها بقيادة فايز السراج وأسامة جويلي وعماد الطرابلسي وعبد الرؤوف كاره وغنيوة الككلي.
كيف باع إخوان ليبيا بلادهم؟
وسيطرت مليشيات مصراتة على العاصمة بالتدريج بمجرد وصول التنظيم الإخواني إلى سدة الحكم عبر المؤتمر العام منذ أغسطس 2012 إلى يوليو 2014 بحجة حماية ثورة فبراير، ثم ظهر النفوذ المصراتي بوضوح في 2014 في إطار ما أسماه الإرهابي المطلوب دوليا صلاح بادي عملية 'فجر ليبيا' اعتراضا على نتائج الانتخابات البرلمانية التي مني فيها تنظيم الإرهاب بخسارة فادحة، ولم يحصل إلا على 20 مقعدًا من مجموع 200 بالبرلمان.
هناك صراع فكري في تنظيم الإخوان الإرهابي، غربي ليبيا، وينقسم إلى تيارين يتصارعان فيما بينهما عبر أجنحة متعددة، لكن كان يجمعهما هدف الحرب على الجيش الليبي والسطو على مقدرات البلاد.
التيار الأول
محمد صوان، المنتمي إلى حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية للتنظيم الإرهابي، وخالد المشرى، رئيس ما يعرف بمجلس الدولة، ومجموعة إخوان بريطانيا محمد الثابت عبدالملك، والأمين بلحاج، وبشير الكبتي، وصلاح الشلوي، ونزار كعوان، وغيرهم، وواجهتهم فايز السراج ومحمد سيالة وزير خارجيته.
ويمثل الجناح المسلح لهذا التيار مليشيا ثوار طرابلس – ومليشيا غنيوة الكيكلي، وتعرف باسم الأمن المركزي، وقوة التدخل المشتركة، ومليشيا البقرة، وعدد من السرايا الصغيرة وتعداد عناصرها مجتمعة حوالي 6 آلاف عنصر.
التيار الثاني
يعرف بتيار المفتي الغرياني، وهو يقترب فكريا إلى القاعدة وتنظيم داعش، ويتزعمه علي الصلابي، ونوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر العام السابق، والصديق الكبير رئيس البنك المركزي، ومصطفى صنع الله مؤسسة النفط، وفتحي باشا أغا وزير داخلية حكومة السراج.
ويمثل الجناح المسلح لهذا التيار لواء النواصي وقوات الردع الخاصة بقيادة الإرهابي عبد الرؤوف كاره من طرابلس، علاوة على مليشيات مصراتة، وفي مقدمتها لواء حلبوص، وميليشيا الصمود بقيادة الإرهابي صلاح بادي، ومليشيا المحجوب، ومليشيا الفاروق، ومليشيا باب تاجوراء، ومليشيا غرفة الثوار بالزاوية بقيادة الإرهابي شعبان هدية.
ويتحالف مع هذا التيار عبد الحكيم بلحاج، وخالد الشريف أميرا الجماعة الليبية المقاتلة السابقين، وهذا التيار الموالي لباشا أغا يتميز بالتفوق العددي والنوعي، وتقدر أعداده بنحو 9 آلاف عنصر، إضافة إلى تفوق في التسليح ووجود طائرات حربية تحت سيطرته.
وتخص تركيا وقطر هذا التيار بالدعم الكامل لضمان تفوقه على الآخر الذي يمثله السراج، والذي تستخدمه فقط كغطاء سياسي.
وتفيد المصادر أن كل تيار منهما يمثل شرطا لوجود الآخر ولا يستغنيان عن بعضهما، فالتيار الإرهابي لا يستطيع الظهور أمام المجتمع الدولي بوجهه السافر، وأهدافه الحقيقية، لذا فالتيار الإرهابي بقيادة الغرياني ومن معه يحتاج هذا الغطاء السياسي الذي يحظى باعتراف دولي.
كما أن تيار صوان ومعه السراج يحتاجان إلى ذراع مسلح يساعده على البقاء في المشهد بقوة للتفاوض،ورغم هذا الارتباط وتواجد قيادات التيارين في إسطنبول والدوحة، إلا أن كل منهما يتحسب ويتحفظ ويستعد للآخر، بينما تنسق أدوارهما تركيا وقطر.