الهجرة بدلًا من التهجير.. إسرائيل تدرس تخفيض أعداد سكان غزة بعد إحباط مصر لمؤامراتها بخصوص سيناء
مصادر: القاهرة رفضت بشكل قاطع فكرة ترحيل سكان غزة إلى أي مكان سواء داخل القطاع أو خارجه
يبذل الاحتلال الإسرائيلي جهودًا مضنية داخل قطاع غزة في محاولة منه للقضاء على المقاومة الفلسطينية هناك، في نفس التوقيت الذي تتصاعد فيه الدعوات الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار في القطاع، وكلما اقتربت فرق الجيش الإسرائيلي من وسط مدينة غزة، فإن التوتر يتصاعد مع زيادة الخسائر المادية والبشرية، نتيجة مواجهة مقاتلي الفصائل الذين ينتهجون استراتيجيات هجومية محكمة وانسحابًا سريعًا تحت الأرض واتباع أسلوب حرب العصابات وتكتيكات الكر والفر.
وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية، تستميت إسرائيل في محاولة تصفية أكبر عدد ممكن من عناصر الفصائل الفلسطينية وقادتها، بهدف تعجيز الحركة وتحقيق نصر مقبول، قبل الوصول إلى مرحلة تقليص العمليات العسكرية. وفي المقابل أثبتت فصائل المقاومة الفلسطينية قدرتها على الصمود في مواجهة محاولات التوغل الإسرائيلي، على النحو الذي ضمن لها الحفاظ على قوتها رغم شراسة القصف الجوي والهجوم البري.
بصمود المقاومة تسلل يقين داخل الأوساط في الداخل الإسرائيلي، يقول إن الحرب على غزة لا يمكن أن تستمر بشكلها واستراتيجيتها الحالية، وسط شكوك حول قدرة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات على القضاء على حركة حماس نهائيا وإعادة الأسرى في غزة، كما يردد نتنياهو وقائد جيشه، في الوقت الذي يضغط فيه الرأي العام العالمي على قادة الدول الغربية من أجل ممارسة ضغوطًا على إسرائيل ومطالبتها بوقف إطلاق النار إثر العدد الرهيب من الشهداء المدنيين في قطاع غزة.
وفي محاولة منها لتحسين صورتها أمام العالم، تعمدت الإدارة الأمريكية تسريب موقفها من سقوط الآلاف من المدنيين بسبب القصف الإسرائيلي الغاشم على القطاع، وقالت وسائل إعلام أمريكية إن وقت إسرائيل في الحرب بشكلها الحالي "محدود"، وأن أمامها أسبوع أو أسبوعين في الحد الأقصى من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
وحتى هذه اللحظة لا يوجد معلومة رسمية واحدة تُحدد المدة التي ستستغرقها العملية العسكرية في غزة، ويستشهد البعض في إسرائيل بالمعارك التي دارت بين الجيش العراقي المدعوم من قوات التحالف الدولي، حيث لم يتمكن الجيش العراقي من تحقيق انتصار على داعش والسيطرة على الموصل إلا بعد مرور 9 أشهر من المواجهات الدامية هناك.
وتتجاهل إسرائيل حتى الآن كل الضغوط الدولية التي تُطالب بوقف إطلال النار ولو بشكل مؤقت، وتواصل حربها على غزة، ملحمة في نفس الوقت أن هذه الحرب قد تستمر لأشهر عديدة أخرى.
ومنذ بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة، كان الهدف المعلن من قبل قادة الجيش الإسرائيلي وجميع المؤسسات الرسمية للكيان المحتل، هو تهجير سكان القطاع وإفراغه من سكانه، ولتحقيق ذلك الهدف كانت كل الأهداف التي طالتها نيران الاحتلال عبارة عن المستشفيات والمدراس ومراكز الإيواء والمخيمات والأحياء السكنية ومحطات الكهرباء والماء أي جميع الأهداف المدنية في القطاع.
وفي ظل دعوات متجددة لتهجير سكان غزة إلى مصر، أكدت مصر رفضها بشدة لهذه الدعوات، وعلى الرغم من الموقف المصري الواضح والذي تكرر بقوة خلال الأسابيع الماضية لرفض التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، إلا أن إسرائيل لم تكل ولم تمل من الضغط لنقلهم إلى الأراضي المصرية وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
ويعرض القادة والدبلوماسيون الإسرائيليون هذا المقترح بشكل خاص على العديد من الحكومات الأجنبية، معتبرينها مبادرة إنسانية من شأنها أن تسمح للمدنيين بالهروب مؤقتًا من مخاطر الحرب الجارية في غزة، إلى مخيمات لاجئين في صحراء سيناء، عبر الحدود المجاورة لقطاع غزة المحاصر.
ورفض هذا المقترح من قبل الفلسطينيين أنفسهم، خشية من أن تستخدم إسرائيل حرب 7 أكتوبر، ذريعة تقوم من خلالها بتهجير أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة بشكل دائم، في سيناريو مشابه لما حصل في "نكبة 1948" حين هجر أكثر من 700 ألف فلسطيني ولم يسمح لهم بالعودة حتى الآن.
وقالت مصادر رسمية، إن مصر تعتبر أن تهجير سكان غزة، بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية بشكل كامل، مشيرة إلى أن الموقف الرسمي المصري تجاه الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة يقوم على عدة أسس منطقية، أولها الرفض المطلق والقاطع لفكرة ترحيل السكان المدنيين الغزيين إلى أي مكان سواء داخل القطاع أو خارجه.
وأضافت المصادر الدبلوماسية المصرية، أن الإدارة المصرية لم تنخدع بمقترحات الممرات الآمنة التي يروج لها الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى حماية المدنيين، معتبرة أن ذلك حق يراد به باطل، ومقدمة لترحيل آلاف الفلسطينيين خارج أراضيهم، ويشكل تهديداً للأمن القومي المصري.
ولفتت المصادر إلى أنه بعد نزوح ملايين الفلسطينيين من سكان غزة خارج أراضيهم، قد يضطرون مستقبلًا إلى النزوح داخل الأراضي المصرية، وهو الأمر الذي ترفضه مصر حرصًا على عدم تصفية القضية الفلسطينية، وعلى أمن مصر القومي أيضًا.
وأضافت المصادر ذاتها، أن مصر عبرت عن موقفها الرافض لفكرة ترحيل السكان المدنيين من قطاع غزة تحت أي مسمى، موضحة أن الدبلوماسية المصرية تسعى حاليًا للتأكيد على هذا الأمر، وظهر في كلمة وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام مؤتمر باريس، والتي أكد خلالها أن فتح ممرات آمنة ليس تطورًا إيجابيًا.
ومع الرفض المصري القاطع لمخططات التهجير، ظهرت خطة بديلة لتهجير سكان غزة ولكن بشكل غير تقليدي لا يعتمد على النزوح الجماعي للسكان، بل تقوم الخطة في الأساس على تفكيك الكثافة السكانية في قطاع غزة بشكل تدريجي، وذلك بعد غياب الأمل لدى الدول الغربية، فيما يتعلق بتنفيذ مخطط تهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية، في ظل رفض القاهرة القاطع لهذا المخطط.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، إنه يجري الآن التحضير لطرح جديد سيتم عرضه بعد توقف العدوان الإسرائيلي على غزة، يهدف إلى تخفيض أعداد سكان القطاع، بعيدًا عن فكرة التهجير أو التوطين في دول الجوار.
وأوضحت المصادر أن المخطط يقوم على إتاحة تسهيلات غير محدود لسكان غزة، للهجرة إلى دول غربية والولايات المتحدة، وبعض الدول العربية، مشيرة إلى أنه سيتم تقديم عروض مغرية للعمل هناك، مع تسهيلات في السفر والإقامة.
وفي ظل الدمار الذي لحق في قطاع غزة، خاصة في المناطق الشمالية، سيشجع ذلك سكان القطاع على السفر للخارج بأسرهم، بحسب المصادر، من أجل ضمان حياة أفضل، بعيدًا عن مشاهد العنف والصرع وغياب الخدمات الأساسية.
ومنذ الأيام الأولى للحرب الشرسة التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، ويستهدف من خلالها المدنيين والبنية التحتية في غزة، بعد معركة طوفان الأقصى والهجوم المباغت الذي شنته فصائل المقاومة الفلسطينية على قواعد عسكرية ومستوطنات إسرائيلية في غلاف غزة، تكرر مصر بشكل رسمي تحذيراتها من مخططات التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدة رفضها كل الدعوات الإسرائيلية التي توجه سكان شمال غزة للنزوح إلى الجنوب وعدم العودة مرة ثانية إلا بعد انتهاء الحرب هناك.