الاقتصاد يتكبد خسائر غير مسبوقة.. كيف تنعكس الحرب على حياة الإسرائيليين ومعيشتهم؟

حرب إسرائيل
حرب إسرائيل
كتب : سها صلاح

بعد مرور ما يقرب من 11 شهراً من الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة من جهة، والاشتباك مع حزب الله على الجبهة الشمالية من جهة أخرى تزداد معاناة الاقتصاد الإسرائيلي بشكل غير مسبوق وفقاً لوكالة 'أسوشيتد برس' الأمريكية التي أوردت أرقاماً تظهر تدهور الاقتصاد وانعكاس ذلك بشكل سلبي على حياة الإسرائيليين٬ في حين يواصل نتنياهو الهجوم على غزة دون أي دلائل قرب نهاية الحرب٬ ويهدد رئيس الحكومة بالتصعيد إلى صراع أوسع نطاقاً في المنطقة مع إيران وحزب الله.

الاقتصاد الإسرائيلي ينهار لكن نتنياهو لا يرى ذلك

يحاول نتنياهو تهدئة المخاوف الإسرائيلية بقوله إن 'الضرر الاقتصادي مؤقت فقط'. ولكن الوكالة الأمريكية تقول إن الحرب الأكثر دموية وتدميراً على الإطلاق بين إسرائيل وغزة ألحقت الضرر بآلاف الشركات الصغيرة وأضعفت الثقة الدولية في اقتصاد كان يُنظر إليه ذات يوم على أنه 'دينامو ريادة الأعمال'. ويقول بعض كبار خبراء الاقتصاد إن وقف إطلاق النار الآن هو أفضل وسيلة لوقف التدهور، لكن نتنياهو لا يرى ذلك.

وقالت كارنيت فلوج، رئيسة البنك المركزي الإسرائيلي السابقة، والتي تشغل الآن منصب نائب رئيس الأبحاث في 'معهد الديمقراطية الإسرائيلي' في القدس المحتلة، إن 'الاقتصاد الإسرائيلي في الوقت الحالي يعاني من حالة من عدم اليقين الهائلة، وهو مرتبط بالوضع الأمني.. إلى متى ستستمر الحرب، وما مدى شدتها، ومسألة ما إذا كان سيكون هناك المزيد من التصعيد'.

ألحقت الحرب خسائر فادحة بالاقتصاد المنهار بالفعل في غزة، حيث أدت إلى نزوح 90% من السكان وتركت الغالبية العظمى من القوى العاملة عاطلين عن العمل. كما أغلقت جميع البنوك في القطاع، وأدت الحرب الإسرائيلية استشهاد أكثر من 40 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين.

أدى القتال في غزة والهجمات اليومية التي يشنها حزب الله في لبنان إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص من منازلهم على طول الحدود الشمالية والجنوبية لإسرائيل وتسبب في أضرار واسعة النطاق.

في المواجهات والأزمات السابقة٬ تعافى الاقتصاد الإسرائيلي من الصدمات٬ بما في ذلك الحروب القصيرة مع حماس. لكن هذا الصراع الأطول خلق ضغوطاً غير مسبوقة٬ بما في ذلك تكلفة إعادة البناء، وتعويض أسر القتلى وجنود الاحتياط، والإنفاق العسكري الضخم على الحرب.

أثّر طول أمد القتال والتهديد بمزيد من التصعيد مع إيران وحزب الله٬ بشكل قاس على قطاع السياحة، ورغم أن السياحة ليست محركاً رئيسيًا للاقتصاد، فإن الضرر أصاب عشرات آلاف العمال والشركات الصغيرة.

يقول المرشد السياحي الإسرائيلي دانييل جاكوب لوكالة AP: 'الأمر الأصعب هو أننا لا نعرف متى ستنتهي الحرب. نحتاج إلى إنهاء الحرب الآن وقبل نهاية هذا العام. إذا استغرق الأمر نصف عام آخر، فأنا لا أعرف إلى متى سنتمكن من الصمود هنا في إسرائيل'.

عاد جاكوب (45 عاماً) في إبريل/نيسان من الخدمة العسكرية كجندي احتياطي لمدة ستة أشهر ليكتشف أن العمل قد قضي عليه. واضطر إلى إغلاق شركة السياحة التي أمضى عقدين من الزمان في تطويرها. ولا يحصل على دخله إلا من المساعدات من الحكومة، التي تدفع له نصف راتبه قبل الحرب كل بضعة أشهر.

في القدس المحتلة، أغلقت كل المحلات والدكاكين الإسرائيلية تقريباً، وفي سوق السلع المستعملة في حيفا المحتلة، يصقل التجار البائسون بضائعهم في الشوارع الفارغة من المشاه أو المتسوقين. وتلغي شركات الطيران العالمية رحلاتها، وتنهار الشركات الإسرائيلية، فيما أصبحت الفنادق الفاخرة فارغة. وقال مائير صباغ، تاجر التحف في حيفا الذي أصبح متجره فارغاً، إن 'الأعمال والقدرة الشرائية للناس الآن أصبحت أسوأ مما كانت عليه خلال جائحة كوفيد-19'.

انهيار الموانئ الإسرائيلية وشركات الطيران تعلق رحلاتها

في أحد أيام الأسبوع الأخيرة، كان ميناء حيفا المزدحم سابقاً، والذي يعد مركزاً رئيسياً للاستيراد والتصدير الإسرائيلي حيث تتوقف سفن الحاويات الضخمة في كثير من الأحيان، ساكناً. وقال مسؤول في الميناء تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته٬ إن العديد من السفن طويلة مسافة توقفت عن استخدام الموانئ الإسرائيلية كمراكز رئيسية، وذلك في ظل تعريض جماعة الحوثي في اليمن السفن المارة عبر قناة السويس المصرية للاستهداف. وقال إن الموانئ الإسرائيلية شهدت انخفاضاً في الشحن بنسبة تتجاوز 16% في النصف الأول من العام، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.

ويبدو أن جهود وقف إطلاق النار التي تقودها الولايات المتحدة قد تعثرت بسبب وضع نتنياهو شروطاً جديدة، كما هددت إيران وحزب الله بالانتقام للاغتيالات الأخيرة التي طالت كبار القادة٬ الأمر الذي يثير خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً.

من جهته، قال ياكوف شينين، الخبير الاقتصادي الإسرائيلي الذي يتمتع بخبرة تمتد لعقود في تقديم المشورة لرؤساء الوزراء الإسرائيليين والوزارات الحكومية، إن التكلفة الإجمالية للحرب قد تتجاوز 120 مليار دولار، أو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو مقياس مرعب للنشاط الاقتصادي.

من بين الدول الأعضاء البالغ عددها 38 في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، شهد اقتصاد إسرائيل أكبر تباطؤ كبيراً من أبريل إلى يونيو، حسبما أفادت المنظمة الأسبوع الماضي. وكان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بنسبة 3٪ في عام 2024. ويتوقع بنك إسرائيل الآن معدل نمو بنسبة 1.5٪ – وهذا إذا انتهت الحرب هذا العام٬ وهو أمر غير واضح بعد.

خفضت وكالة فيتش تصنيف إسرائيل من A+ إلى A في وقت سابق من هذا الشهر، في أعقاب تخفيضات مماثلة من قبل وكالتي ستاندرد آند بورز وموديز. ومن شأن خفض التصنيف أن يرفع تكاليف اقتراض الحكومة.

وحذرت وكالة فيتش في مذكرة التصنيف الائتماني من أن 'الصراع في غزة قد يستمر حتى عام 2025″، مشيرة إلى إمكانية 'الإنفاق العسكري الإضافي الكبير، وتدمير البنية التحتية، والمزيد من الأضرار المستدامة للنشاط الاقتصادي والاستثمار'.

في إشارة مقلقة أخرى، قالت وزارة المالية الإسرائيلية هذا الشهر إن عجز إسرائيل على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية ارتفع إلى أكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز بكثير نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 6.6% التي توقعتها الوزارة لعام 2024. وفي عام 2023، بلغ عجز ميزانية إسرائيل نحو 4% من ناتجها المحلي الإجمالي.

الوضع الاقتصادي غير قابل للاستمرار

أدى تخفيض التصنيف الائتماني والعجز إلى زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتسريع في إنهاء الحرب وخفض العجز٬ وهو ما يتطلب اتخاذ قرارات 'غير شعبية' مثل زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق. ولكن نتنياهو يحتاج إلى إبقاء ائتلافه صامداً٬ ويريد وزير ماليته المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن 'تستمر الحرب حتى يتم القضاء على حماس'٬ وهو هدف غير واقعي أو ممكن كما سبق وأن صرح عدة مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين.

وقال فلوج، رئيس البنك المركزي السابق، إن 'الوضع الاقتصادي غير قابل للاستمرار، وإن الائتلاف سيضطر إلى خفض الإنفاق، مثل الإعانات غير الشعبية للمدارس الحريدية المتشددة والتي ينظر إليها الجمهور الأوسع على أنها مضيعة'.

وأضاف فلوج 'سيكون من الصعب على الجمهور قبول الأمر إذا لم تظهر الحكومة أن خطورة الوضع تجبرهم على التخلي عن بعض الأشياء العزيزة عليهم'. وقال سموتريتش إن 'اقتصاد إسرائيل قوي' وتعهد بإقرار 'ميزانية مسؤولة تستمر في دعم جميع احتياجات الحرب، مع الحفاظ على الأطر المالية وتعزيز محركات النمو'.

وقال شينين إن معدل البطالة انخفض إلى ما دون مستويات ما قبل الحرب، إلى 3.4% في يوليو/تموز مقارنة بـ 3.6% في يوليو/تموز من العام الماضي. ولكن عند أخذ الإسرائيليين الذين أجبروا على الخروج من سوق العمل في الاعتبار، يرتفع الرقم إلى 4.8%، وهو رقم لا يزال يعتبر منخفضاً في معظم البلدان.

46 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ بداية الحرب

في الوقت نفسه، أغلقت العديد من الشركات الصغيرة أبوابها لأن أصحابها وموظفيها استدعوا لأداء الخدمة العسكرية الاحتياطية. وتواجه شركات أخرى صعوبات في ظل التباطؤ الأوسع نطاقاً.

تشير شركة معلومات الأعمال الإسرائيلية 'كوفايس بي دي آي' إلى أن نحو 46 ألف شركة أغلقت أبوابها منذ بداية الحرب ــ 75% منها شركات صغيرة. حتى فندق أميركان كولوني الشهير في القدس، وهو محطة شعبية للسياسيين والدبلوماسيين ونجوم السينما، قام بتسريح مئات العمال ويفكر في خفض الأجور، حسبما قال جيريمي بيركوفيتز، الذي يمثل أصحاب الفندق.

وأضاف: 'لقد فكرنا في وقت ما في إغلاق المكان لبضعة أشهر، ولكن هذا يعني بطبيعة الحال تسريح جميع الموظفين، وكان هذا يعني ترك الحدائق، التي قمنا بتطويرها على مدار 120 عاماً، بدون زراعة'. وقال شينين إن 'أفضل طريقة لمساعدة الاقتصاد على التعافي هو إنهاء الحرب فوراً. 'ولكنه حذر قائلا: 'إذا كنا عنيدين واستمررنا في هذه الحرب، فلن نتعافى'.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً