شيد المصريون القدماء حضارة مازال العالم ينظر إلى عظمتها ورقيها بإنبهار، وكان لمدينة أسوان حظٌ وافرٌ من مكونات تلك الحضارة الفرعونية؛ ففيها عشرات المعالم الأثرية الشاهدة على عظمة وعبقرية الفراعنة، ويأتي في مقدمة هذه الآثار معبد فيلة الذي احتضن الإله أزوريس والإلهة إيزيس، وكُرس لعبادة الأخيرة؛ كما أن الأسطورة التي ورد نصها في قصص ألف ليلة وليلة تحكي فصول من قصة حبٍ شيقة بين 'زهرة الورد' و'أنس الوجود'، تغنت بها البلابل، ورقت لها الوحوش، وبكت من شدة التأثر بها التماسيح.
معبد فيله بأسوان
الزائر لمدينة أسوان يستطيع الوصول إلى معبد فيلة بسهولة ويُسر، وذلك عن طريق استقلال وسيلة مواصلات داخلية وصولًا إلى مرسى نيلي خاص بـ'فيلة'، وداخل هذا المرسي تتراص البازارات السياحية التي تحوي أشكالًا بديعة من التماثيل وأوراق البردي الفرعوني وغيرها من التحف والهدايا، ومن داخل المرسى ينتقل الزائر عبر 'معدية' تعبر نهر النيل عرضًا حتى الوصول إلى جزيرة 'أجيليكا'، حيث يقع المعبد.
معبد فيله بأسوانوبمجرد دخولك إلى المعبد لن تحتاج إلى مرافقة مرشد سياحي ليشرح لك تاريخه ومعالمه، والسبب في هذا تزويد "فيلة" بخاصية الصوت والضوء التي يُشرح من خلالها كل ما يتعلق بالمعبد، بصوت الفنان الكبير محمود ياسين.
'فيلة' في سطور
يقع ' فيلة'، في جزيرة أجيليكا التابعة لإدارة مدينة أسوان، ويُعد من أشهر المعالم الأثرية التي يقصدها السياح القادمين إلى مصر، وتقع الجزيرة التي تحتضن المعبد بمنطقة خزان سد أسوان المنخفض، أسفل بحيرة ناصر، وذلك بعد نقله إلى هذا الموقع عقب بناء السد العالي، حيث كان يقع قديمًا بالقرب من شلال النيل الأول.
معبد فيله بأسوان
عقب بناء السد العالي، وإنشاء بحيرة ناصر، غمرت المياه الموقع القديم لمعبد فيلة، وهذا ما دعى القائمين على الآثار في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إلى تفكيك أعمدة وجدران المعبد ونقله إلى جزيرة أجيلكيا كجزء من مشروع الإنقاذ لهذا الأثر الذي تم تنفيذه تحت إشراف منظمة اليونسكو. وكان مشروع إنقاذ معبد فيلة، من أضخم المشاريع الأثرية في العصر الحديث وأكثرها تعقيدًا، واستغرق تنفيذه قرابة الـ9 سنوات، قبل أن يُعاد افتتاحه من جديد.
واحتل هذا المعبد، مكانة مقدسة لدىّ الفراعنة واليونانيين والرومانيين والبيزنطيين على حد سواء، وقد أضاف حُكام كل عصر من تلك العصور لمساته وطابعه الخاص إلى بناء 'فيلة'.
معبد فيله بأسوان
زهرة الورد وأنس الوجود
ويعني اسم 'فيلة' أو 'فيلاي'، في اللغة الإغريقية 'الحبيبة' أو 'الحبيبات'، وهو في اللغة المصرية القديمة والقبطية 'بيلاك' أو 'بيلاخ'، ويعني 'الحد' أو 'النهاية'؛ لأن هذه الجزيرة كانت آخر حدود مصر الجنوبية، وعُرف عند العرب بـ'أنس الوجود' نسبة إلى الأسطورة التي تقول: إن أحد الوزراء كان له ابنة تُدعى 'زهرة الورد'، وكانت بديعة الحُسن فائقة الجمال، ووقع في حبها شابٌ يُدعى 'أنس الوجود'، وكان أحد حراس قصر والدها، وقد أحبته الفتاة وتعلق قلبها به بعد أن وجدت فيه نبل أخلاقٍ لم تجدها في أبناء الطبقة الحاكمة.
تضيف الأسطورة: إن والد 'زهرة الورد'، حين علم بقصة الحب التي تجمع ابنته بحارس قصره، غضب غضبًا شديدًا، وعلى الفور أبعد الفتاة عن القصر وأرسلها إلى جزيرة بعيدة في وسط النيل، وأحاطها بجيش من الحُراس كانوا جميعًا من التماسيح الكبيرة، حتى يمنع 'أنس الوجود' من الاقتراب من الجزيرة.معبد فيله بأسوان زهرة الورد وأنس الوجود
تؤكد الأسطورة، أن الوزير أخفى أمر حبس ابنته في تلك الجزيرة عن كل الناس حتى المقربين منه، ومع ذلك لم ييأس 'أنس الوجود' ولم يفقد الأمل في الوصول إلى حبيبته 'زهرة الورد'، وأخذ يجوب البلاد بحثًا عنها، وفي كل بلدة كان يزورها كان يعطف على الطيور والحيوانات التي يراها في طريقه، وهذا جعل البلابل تتغنى بكرم أخلاقه ورقة قلبه، وأخذت الطيور تتراقص فوق رأسه مُشكلة مظلة تقيه من حر الشمس.
وأصبحت الوحوش، صديقة لـ'أنس الوجود' وبعضها رافقه في جولاته بالبلاد بحثًا عن 'زهرة الورد'، وحين وصل إلى الجزء الشرقي من الجزيرة التي كانت حبيبته محبوسة فيها، ظل يُغني ويحكي حكايته - كعادته في كل البلاد - ولم يكن يعلم أنه سيعثر في هذا المكان على محبوبته.
رقت التماسيح التي كانت تحرس 'زهرة الورد'، لغناء 'أنس الوجود' وبكائه على فقد حبيبته، واقترب منه تمساح كبير وحمله على ظهره ووصل به إلى شاطئ الجزيرة، حيث وجد محبوبته التي ظل سنواتٍ يبحث عنها، وأمام هذا الإخلاص في الحب لم يجد الوزير سوى الرضوخ والموافقة على زواج الحبيبين، خاصة أنه وجد في 'أنس الوجود' نبل أخلاقٍ وشهامةٍ وإخلاص منقطع النظير.