رمضان في السويد 2020.. لا تختلف أجواء وظروف شهر الصيام هذا العام بالنسبة لمسلمي الدولة الاسكندنافية عنها في بقية دول العالم؛ فقد طالتهم أيضا براثن الأزمة الصحية العالمية التي يعيشها العالم اليوم من جراء تفشي النوع الجديد من الفيروسات التاجية (كوفيد-19)، حيث أُغلقت دور العبادة ومُنعت إقامة الصلوات الجماعية بها، وفُرض الحظر على كافة أشكال التجمعات واللقاءات الاجتماعية ومنها تنظيم موائد الإفطار وتبادل الزيارات، وذلك التزامًا بقرارات هيئة الصحة السويدية التي أعلنت، في أحدث إحصائية لها صادرة اليوم السبت 16 مايو 2020، تسجيل 117 حالة وفاة جديدة جراء الإصابة بالفيروس المستجد خلال الـ 24 ساعة الماضية، ليصبح إجمالي عدد الوفيات منذ بدء انتشار كورونا 3646 حالة، بينما بلغ مجموع الإصابات في عموم البلاد 29 ألف و207 حالة.
إمامي مسجد بالسويد (أرشيفية)
ولكن هذا الوضع الوبائي الجديد ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجهه مسلمو هذا البلد في رمضان، فبجانب ذلك يواجه مسلمو السويد تحدٍ من نوع آخر، وهو عدد ساعات الصيام الطويلة التي تصل في بعض المدن الشمالية إلى 22 ساعة في مدينة كيرونا أقصى شمال البلاد، والتي يختلف بها عدد ساعات الصيام عن مدن وسط وجنوب البلاد. وقد يكون هذا الواقع هو أول فكرة تخطر على البال عند الحديث عن شهر رمضان في السويد.
رمضان في السويد (أرشيفية)
وفقًا لفتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بخصوص الصيام في البلدان الاسكندنافية فإن "على المكلفين أن يمتنعوا عن الأكل والشرب وباقي المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل". أما في الأيام التي لا تكاد تغيب فيها الشمس بما يعرف بظاهرة شمس منتصف الليل كما في شمال السويد، "فإن هذه المناطق تُعامل من حيث أوقات الصلوات والصيام معاملة المناطق القطبية ولكن مع فارق جوهري وهو أن هذه المناطق لها أوقات معتدلة خلال السنة ولذلك فإن القياس عليها والتقدير بها أولى فى الأيام التى لا تغيب فيها الشمس، والمراد بالأوقات المعتدلة: الأوقات التي يتساوى فيها الليل مع النهار في تلك المناطق (كل منطقة بحسبها)". ويرى المجلس أن المشقة التي تؤدي إلى عجز أصحاب المهن عن القيام بعملهم تجيز لهم الفطر والقضاء لاحقًا.
خلال خطبة جمعة في مسجد بالسويد (أرشيفية)
ورغم الفتوى، فإن بعض الصائمين يفضلون الصيام حسب توقيت بلادهم التي أتوا منها، أو توقيت مكة المكرمة.
وحول ممارسة المسلمون في السويد لشعائرهم الدينية، فإن قانون "حرية الأديان" السويدي يؤكد على حماية حرية العبادة والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لجميع الطوائف والأديان، ولكن من المهم أن نذكر هنا أنه لا توجد في السويد إحصائيات رسمية عن أعداد المسلمين وذلك بسبب منع حكومة السويد إجراء أي تعداد سكاني على أساس ديني أو عرقي منذ عام 1930.
صلاة تراويح في مسجد بالسويد (أرشيفية)
الإحصائيات الرسمية المتوفرة هي الإحصاءات التي توفرها الهيئة السويدية لدعم المجتمعات الدينية (SST) بناءًا على أعداد المنتفعين من خدمات الجمعيات والمؤسسات الدينية المختلفة في السويد والتي يتم على أساسها الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة لهذه الجمعيات الدينية كل عام. وحسب إحصائيات الهيئة لعام 2018 يبلغ عدد الأعضاء المبلغ عنهم والتابعين للجمعيات الإسلامية حوالي 190 ألف و 447 عضوة وعضو.
من داخل مسجد بالسويد (أرشيفية)
ولكن استخدام الإحصاءات التي توفرها هذه الهيئة لوصف التنوع الديني العام في السويد لا يمثل الصورة بأكملها حيث يتم إرسال الإحصاءات فقط من الجمعيات التي تمت الموافقة عليها من قبل الحكومة وتقدموا بطلب للحصول على دعم المجتمعات الدينية، وهناك جمعيات دينية لم تقدم أي طلب للحصول على هذا الدعم وبعضها تقدم بطلب لكنه فشل في تلبية معايير تلقي مثل هذا الدعم من الحكومة.
من داخل مسجد بالسويد (أرشيفية)
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك العديد من الأشخاص الذين يمارسون ويؤمنون ويشعرون بالانتماء إلى دين معين بدون أن يكونوا أعضاء فى جمعية دينية معينة، كما أن هذه الجمعيات الدينية قد لا تمثل إلا الأشخاص المسجلين أو الزائرين المنتظمين بينما تقدم العديد من هذه الجمعيات خدماتها لأشخاص آخرين يعتبرون أنفسهم شركاء تابعين لكنهم غير مسجلين كأعضاء.
رمضان في السويد (أرشيفية)
ويوجد في السويد عدد من المساجد التي توفر لأبناء الديانة الإسلامية بمختلف مذاهبها ممارسة شعائرهم، كان أولها مسجد ناصر، في جوتنبرج والذي بُنِي عام ۱۹٧٦.
رمضان في السويد (أرشيفية)
ومن مظاهر تفاعل المجتمع السويدي مع المسلمين في رمضان، اهتمام وسائل الإعلام بحلول الشهر الكريم، عن طريق نشر وسائل الإعلام مواعيد بدء الصيام، وكذلك الحديث عن عادات وتقاليد المسلمين في رمضان، وأشهر الأكلات التي تنتشر في أوساط الجالية الإسلامية.
السويد
ويعتبر شهر رمضان بمثابة فرصة لتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية؛ حيث تجتمع العائلة والأصدقاء على مائدة الإفطار، كما يعتبر فرصة للبعض الآخر في توسيع دائرة علاقاتهم الاجتماعية. كان يتم ذلك_ قبل تفشي كورونا وما تبعه من إجراءات احترازية شملت غلق دور العبادة ومنع التجمعات_ من خلال تأدية صلاة المغرب والعشاء جماعة فى أحد الجوامع أو الزوايا، وكذلك من خلال تناول وجبتي الإفطار والسحور مع المصلين الآخرين حيث كانت تنظم المساجد موائد إفطار جماعية لأجل تنمية المشاعر الدينية في نفوس المسلمين، وخصوصاً الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين بما يعزز المشاعر الأخوية بينهم.
ويوجد بالسويد مراكز التسوق ومحلات بيع الأطعمة التقليدية، وتحاول تلك المتاجر انتهاز فرصة شهر رمضان لتوفير السلع والمنتجات التقليدية في هذا الشهر مثل التمر والمكسرات والحلوى ولكن لا شك أن مراكز التسوق المملوكة لمهاجرين تشهد إقبال متزايد من المشترين الباحثين عن نكهة الشهر الكريم في بلادهم، ويعكس الخصوصية التي يتميز بها الشهر من عادات وتقاليد تجعله مختلفاً عن باقي شهور العام.
وكانت تلك المطاعم التي تقدم الأطعمة التقليدية من مختلف البلدان العربية والإسلامية، تشهد إقبالاً شديداً على وجبة الإفطار، وذلك بالطبع قبل قرار غلق الأنشطة التجارية في إطار جهود منع تفشي الوباء المستجد. ويبحث الصائمون في السنوات الأخيرة عن تفضيلات واقتراحات لمطاعم تُقدم وجبات تقليدية من بلدانهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم النقاش حول هذه المطاعم وجودة المذاق المقدم في كل منها.