رمضان في السويد.. صيام في بلد لا تغرب عنها الشمس.. والتجاء للدراما العربية لإعطاء الشهر المبارك بعضاً من رونقه المفقود
السُوَيد، هي إحدى الدول الإسكندنافية الواقعة في شمال أوروبا، تمتلك حدوداً برية مع النرويج من الغرب وفنلندا من الشمال الشرقي، وحدوداً بحرية مع كل من الدنمارك وألمانيا وبولندا إلى الجنوب وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وروسيا إلى الشرق، وهي ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث المساحة 450,29 كم2، ويُقدر عدد السكان بنحو 10,215,250 مليون نسمة، وستوكهولم هي العاصمة وأكبر مدينة في البلاد.
مائدة إفطار بعد صيام 20 ساعة في السويد
ظاهرة شمس منتصف الليل
وفي رمضان، تكون ساعات الصيام الطويلة في أشهر الصيف، والتي تصل إلى نحو 22 ساعة في مدينة كيرونا أقصى شمال السويد، والتي تختلف عن ساعات الصيام وسط وجنوب السويد، هي أول فكرة تخطر على البال عند الحديث عن شهر الصيام في السويد.
ففي السويد، حيث يعيش 810 ألف مسلم، لا يكاد المسلمون ينتهون من وجبة الإفطار حتى يبدأوا الاستعداد لوجبة السحور، بسبب أن الشمس لا تغرب عن سماء معظم مناطق السويد في الصيف إلا لأربعة ساعات فقط، وفي مناطق أخرى لا تغيب عنها أبدا، بما يعرف بظاهرة شمس منتصف الليل، لذلك تتراوح عدد ساعات صيام رمضان في السويد بين 18 ساعة في أقصى الجنوب حيث تقع مدينة مالمو، وحتى 22 ساعة في أقصى الشمال في مدينة كيرونا.
جدل مستمر رغم الحسم
ووفقاً لفتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بخصوص الصيام في البلدان الاسكندنافية، ومنها السويد، فإن "على المكلفين أن يمتنعوا عن الأكل والشرب وباقي المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل"، أما في الأيام التي لا تكاد تغيب فيها الشمس كما في شمال السويد، "فإن هذه المناطق تعامل من حيث أوقات الصلوات والصيام معاملة المناطق القطبية ولكن مع فارق جوهري وهو أن هذه المناطق لها أوقات معتدلة خلال السنة، ولذلك فإن القياس عليها والتقدير بها أولى فى الأيام التى لا تغيب فيها الشمس، والمراد بالأوقات المعتدلة :الأوقات التي يتساوى فيها الليل مع النهار في تلك المناطق "كل منطقة بحسبها"، ويرى المجلس أن المشقة التي تؤدي إلى عجز أصحاب المهن عن القيام بعملهم تجيز لهم الفطر والقضاء لاحقاً، ورغم حسم الفتوى وامتثال الأغلبية، فإن بعض الصائمين ما زال يجادل بإمكانية الصيام حسب توقيت بلادهم التي أتوا منها، أو توقيت مكة المكرمة.
مسجد ناصر
ارتفع عدد المسلمين في السويد من ألف شخص حسب تقديرات المعهد الديني الاجتماعي في عام 1966، إلى نحو 810 آلاف في عام 2017 حسب تقديرات معهد بيو للأبحاث "أي ما يصل إلى نحو 8.1% من عدد السكان"، ويوجد في السويد عدد من المساجد التي توفر لأبناء الديانة الإسلامية ممارسة شعائرهم كان أولها مسجد ناصر، في غوتنبرغ والذي بُنِي عام 1976.
التفاعل مع المسلمين في تنامٍ مستمر
يؤكد قانون "حرية الأديان" السويدي على حماية حرية العبادة والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لجميع الطوائف والأديان، ورغم الخلاف في حساب أعداد المسلمين بسبب امتناع الحكومات المتعاقبة عن إجراء أي تعداد سكاني على أساس ديني أو عرقي…الخ، واعتبار البعض أن قسماً من المسلمين يعرفون أنفسهم علمانيين أو ملحدين من ذوي الخلفية الإسلامية، إلا أن الثابت هو أن نسبة المسلمين وتأثيرهم في المجتمع السويدي في ارتفاع مستمر، ما جعل التفاعل الرسمي والشعبي مع هذه الشريحة من المجتمع في تنامٍ مستمر.
رمضان ووسائل الإعلام
ومن مظاهر تفاعل المجتمع السويدي مع المسلمين في الشهر الفضيل اهتمام وسائل الإعلام بحلول شهر رمضان، ونشر الصحف مواعيد بدء الصيام، وكذلك نشر المواد الصحفية الخاصة بالشهر من عادات وتقاليد المسلمين، وأشهر الأكلات التي تنتشر في أوساط الجالية الإسلامية.
العائلة الصغيرة
خلافاً للعلاقات الاجتماعية المترابطة، والعائلة الكبيرة الممتدة في بلادنا العربية التي تفرض إيقاعها الدافئ على سير شهر رمضان المبارك، فقد فرض المهجر شكل العائلة الصغيرة المكونة من أب وأم وأبناء على أغلب العائلات من المسلمين، وغيرهم من أتباع الديانات والطوائف الأخرى من المغتربين، والمهاجرين إلى السويد.
فرصة لتجمع العائلة
وبما أن نمط الحياة الحديثة جعل من الصعب تجمع الأسرة بشكل ثابت ومتكرر، لذلك يُعتبر شهر رمضان فرصة تجمع العائلة والأصدقاء على مائدة الإفطار، كما يعتبر فرصة للبعض الآخر وخصوصاً الشباب في توسيع دائرة علاقاتهم الاجتماعية، يتم ذلك من خلال تأدية صلاة المغرب والعشاء في مُصلى المنطقة أو الجامع، وحتى الإفطار والسحور مع المصلين الآخرين حيث تنظم المساجد موائد رحمن لأجل تنمية المشاعر الدينية في نفوس المسلمين، وخصوصاً الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين بما يعزز المشاعر الأخوية بينهم.
أسرة سويدية على مأدبة الإفطار
مراكز التسوق والأطعمة التقليدية
لا شك أن مراكز التسوق المملوكة لمهاجرين عرب، ومسلمين ذوي أصول شرق أوسطية غالباً، وكثافة إقبال المشترين الباحثين عن نكهة الشهر الكريم في بلادهم على هذه المراكز والمتاجر، يعكس الخصوصية التي يتميز بها الشهر من عادات وتقاليد تجعله مختلفاً عن باقي شهور العام، حتى في الغربة بعيداً عن الأوطان خصوصاً مع افتقار المحلات والمتاجر السويدية إلى هذه الأنواع من البضائع.
كما تشهد المطاعم التي تقدم الأطعمة التقليدية من مختلف البلدان العربية والإسلامية في السويد، إقبالاً شديداً على وجبة الإفطار، ويبحث الصائمون في السنوات الأخيرة عن تفضيلات واقتراحات لمطاعم تُقدم وجبات تقليدية من بلدانهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتم النقاش حول هذه المطاعم وجودة المذاق المقدم في كل منها.
الدراما التلفزيونية
يعتبر صيام شهر رمضان أحد الشعائر والأركان الدينية في الإسلام، ومع تطور العادات الاجتماعية الخاصة بهذا الشهر على مدار السنين، فقد أصبح التلفاز جزءاً أساسياً من حياتنا العصرية عامةً، ومن وسائل الترفيه والتسلية خلال ساعات الصيام، وتمضية السهرات العائلية خلال الشهر الكريم، فأصبحت الدراما التلفزيونية أحد أكثر الطرق تفضيلاً في جمع العائلة في الوطن العربي والمهجر على حد سواء، على موائد الإفطار.
بعضاً من رونقه المفقود
وكما لو كانوا في أوطانهم، فيتابع المسلمون،ـ وأبناء الديانات الأخرى من العرب، أخبار الدراما العربية التي تعرض على الشاشات خلال الشهر الفضيل، ويقومون بانتقاء ما سوف يتابعونه من مسلسلات، والنقاش حول سير الأحداث الدرامية، بما يساهم بإعطاء الشهر المبارك بعضاً من رونقه المفقود في المهجر.
صلاة التراويح بمسجد أوربرو بالسويد
فرصة لزيارة الوطن
يدفع طول ساعات الصيام في أشهر الصيف في السويد قسماً من الصائمين إلى اقتناص الفرصة وأخذ إجازاتهم السنوية خلال فترة رمضان والسفر إلى بلادهم لتمضية الوقت مع الأهل والصحبة، وتعريف أبنائهم على طقوس وتقاليد الشهر هناك، فيما يرى آخرون أن للشهر في السويد إيجابيات، قد تكون إحداها أن أحداً من التجار لن يفكر باستغلال الشهر كي يرفع الأسعار مع وجود رقابة حكومية صارمة عليها، وجودة المواد الغذائية، ومطابقتها للمعايير الصحية على حد سواء.
عدد ساعات الصيام والعمل
من جانب آخر، لا توجد في السويد قوانين تقلل من عدد ساعات العمل في رمضان، لذلك يلجأ بعض المسلمين القاطنين في شمال السويد إلى الصيام وفقا لتوقيت موطنهم الأم، ومنهم من يصوم وفقاً مدينة مالمو السويدية، والتي تقل فيها عدد ساعات الصيام لوقوعها في أقصى جنوب البلاد، ومنهم من يصوم حسب توقيت مكة المكرمة أو توقيت تركيا لأنها الدولة الاسلامية الأقرب إلى شمال أوروبا، ولكن الأغلبية تصوم وفقا للتوقيت المحلي المتبع في أوقات الصلاة في الأجزاء الشمالية من السويد، متحملين مشقة هذا الأمر في سبيل تحصيل ثواب صيام الشهر الفضيل إيمانا واحتسابا.
الجمعيات الإسلامية
وتكثّف الجمعيات الإسلامية في السويد، نشاطاتها مع حلول شهر رمضان، حيث تتنوع بين إقامة النشاطات داخل المراكز الإسلامية والمساجد وبين التواصل مع المجتمع السويدي من أجل التعريف بالدين الإسلامي.
مسجد "ستوكهولم الكبير"
القوانين السويدية تجيز للمسلمين أن يقيموا ويشيّدوا مساجدهم في أماكن تواجدهم أو في أيّ مكان يرغبون في أن يبنى مسجدهم عليه، لذلك انتشرت هناك المساجد مع زيادة عدد الوافدين العرب على الدولة الهادئة، ولكن يبقى مسجد "ستوكهولم الكبير" والذي شيّده الشيخ زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة السابق، أكبر مسجد في عموم السويد.
إحياء طقوس الموطن الأصلي
المسلمون في السويد أغلبهم من البوسنة وتركيا والعراق وإيران ومصر والجزائر والمغرب وسوريا، وينشط كل أبناء دولة محددة في إحياء طقوس موطنه الأصلي الرمضانية، لذلك تعرف السويد خلال شهر رمضان حلويات شرقية مثل القطايف والبقلاوة، فضلا عن مشروباتنا المحلية كالخروب والعرقسوس، وكذلك التمور المحشوّة بالمكسرات والتي لا تغيب عن مائدة الإفطار نظرا لقدرتها على مد الجسم بالطاقة مع عدد ساعات الصيام الطويلة التي يعانيها المسلمون هناك.