طفل صغير لا يتجاوز عمره الحادية عشرة من العمر، كان دافق الحيوية والإحساس، فصمم أن يعين أسرته أو يعول نفسه على الأقل، فترك أحلامه الطفولية إلى الجوار، وقرر أن يفكر بطريقة تتناسب مع ظروفه المحيطة، فكرس بعض أحلامه الوردية عن الطفولة وألعابها وذكرياتها الجميلة على رفوف الانتظار.
الطفل محمد المجني عليه
عندما تنظر إليه تشعر أنك أمام رجل يافع ناضج، بما فيه لمواكبة الحياة، وكأن العمر إليه مجرد مقياس وهمي في عالمه الصغير، ذلك العالم الذي حظى ابتسامته يرسالها من طفل لآخر، وكأنه يخبرهم مما يحظى هو بها، كان الشاكوش بديلاً عن مئات الألعاب، ومسماره أنفع له من لعب كرة القدم في شوارع قريته.
وفي الوقت الذي ينشغل الأطفال ممن هم في مثل سنه باللعب والاستمتاع بطفولتهم، يمضي "محمد" وقته في العمل بورشة التحق بها منذ فترة يقضي بها معظم وقته، وتقع تلك الورشة على بعد عدة أمتار من منزله يفصل بينهم شارع عام يضج بالمارين، ومكدس بالسيارات التي تزاحم حركته في قرية هرية رزنة في الشرقية.
يستقل محمد "الشارع " الذي يؤدي إلى الورشة صباح كل يوم مشيًا على الاقدام، يداعب وجنتيه بابتسامة تعلوها كلما شاهد أصدقائه يلعبون، وكأنه يقتبس منهم ما لم يحظى هو به، يصافح المارة الذي تعود على رأيتهم كل صباح عمل، ارتبط الطفل بصداقة وطيدة مع من يعمل معهم وعلاقة حب، داخل الورشة نظرًا لروحه المرحة و"قفشاته" ومواقفه الطريفة.
إلا أن قصته انتهت منذ أيام، فصباح يوم الحادث استقل الطفل "الشارع"، بثًا روح المرح والفكاهة كعادته، تنقل بين المارين يوزع عليهم ابتساماته ودعواته دون أن يعلموا أنها لحظات ودَاعه الأخير، فقد صدمته سيارة كانت قادمة بسرعة جنونية معاكسة لخط السير، ليسقط على الأرض وسط صراخ وعويل من الأهالي.
وعلى الفور هرب السائق دون أن يكترث للأمر اهتمام، هرول بعض المارين والركاب، حتى يستطلعوا الأمر وحاول بعضهم إسعافه ولكن بعد أن أصبح جثة هامدة، وانتشله الأهالي من الأرض وصعدوا به إلى سيارة وسط بكاء وحزن وصدمة الجميع.
وراحت صور محمد تجول مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، ومعلق عليها " الطفل اللي في الصور دهسته عربية ومات .. على من يتعرف عليه الحضور في مستشفى الزقازيق العام، إلا أن المأساة لم تنته، فما زال حق "محمد" مهدر على الأرض، ولم يتم القبض على السائق، لاسيما أن والدته لا تصدق أنه فارق الحياة، وترفض أن ترى ابنها أمامها جثة ممددة، وهو الذي كان كل ما لديها في الحياة.
توفى "محمد" تاركاً خلفه حالة حزن عام في قريته، وأماً تكاد تفقد عقلها، وعاملين وأصدقاء اعتادوا أن يستقبلهم الطفل البريء كل صباح بابتسامته الجميلة وخفة ظله، وروحه المرحة التي تضفي عليهم سعادة وبهجة.
مات الطفل الصغير وهو يعمل ليساعد والده على لقمة العيش، لم يمر يوم دون الحديث عن الواقعة، مما دفع سكان "هرية رزنة" إلى البحث عن السائق الهارب، كما تطوع البعض و راح يبحثون عن شاهدي الواقعة لربما يكن تعرف أحدهما على السيارة، وبالفعل بتفريغ الكاميرات التي كانت أمام محالات عثر على مقطع فيديو يدين الحادث، ويظهر فيه السائق الهارب الذي كان يستقل السيارة.
وسرعان ما تواجدت "أهل مصر" فى منزل "محمد" بقرية هرية رزنة محافظة الشرقية، لتكشف التفاصيل التي أغمضت عنها العيون إلا بعد موته، وراح تجول أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي، هاشتاج "#حق-محمد-لازم-يرجع".
" ابني ضحية عيل طائش".. أطلقت والدة "محمد علاء" تلك العبارة لتستهل بعدها تفاصيل الواقعة قائلة:"السائق استغل تجمهر أهالي القرية على محمد بعد دُهسه وهو رايح الشغل، وحاول الأهالي إسعافه ونقله إلى أقرب مستشفى، حينها قام السائق بالهروب، ولم يستطع أحد الإمساك به، إلا أن محمد توفى متأثرًا بجراحه، مما دفع الأهالي إلى التحفظ على السيارة والاتصال بالشرطة".
وقالت خالة الطفل"أسماء.ك" في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر": "إن الواقعة بدأت حينما كان هناك سيارة مخالفة مقادة عكس اتجاه السير، يقودها شاب بسرعة جنونية على الطريق، و كان "محمد" تواجد في الشارع داخل القرية، وأثناء اختلال السائق لحركة السيارة نتيجة ظهور سيارة أخرى أمامه، صدمه بالجانب الأمامي بسيارته، مما أدى إلى تتطايره على الطريق، وحدثت إصابته التي أودت بحياته، وفر قائد السيارة إلا اننا تمكنا من الوصول إلى رقم السيارة وأيضًا المحافظة التابعة للمتهم".
وقال"م.أ" أحد شهود العيان، إن السائق كان يسير بسرعة جنونية بجوار مسجد التوحيد الساعه 5 نصف مساءً، وقام بدهس الطفل، وتم الاتصال بالإسعاف ونقله إلى مستشفى الجامعة لإنقاذ حياته، ولكن فارق الحياة، بعد فشل محاولات إنقاذه بسبب قوة الصدمة التي أثرت فيه في الحال.
واختتمت الأم حديثها مطالبة بسرعة التحرك والتحقيق في الواقعة، ومعاقبة هذا السائق الذي ارتكب جريمتين، الأولى مخالفة المرور والسير عكس الاتجاه، والثانية دهس الطفل والتسبب في وفاته.