تمر علينا اليوم ذكري مذبحة كوبري عباس أحد أشهر الكبارى المصرية المقامة على نهر النيل، حيث يربط بين محافظتي القاهرة والجيزة؛ ففي 21 فبراير 1946 انتفض فيه طلاب مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، مطالبين بالجلاء والاستقلال، وذلك عندما خرج طلاب جامعة القاهرة في مظاهرات للتنديد بمعاهدة صدقي باشا وعدم خروج قوات الاحتلال، إلى أن وصلوا إلى كوبري عباس وفوجئوا وقتها بإطلاق النار عليهم وفتح الكوبري، ما أسفر عن استشهاد 23 طالبا، وتم اعتبار هذا اليوم من كل عام ذكرى نضال الطلاب العالمي.
شعبية الملك
وفي تلك الفترة تناقصت شعبية الملك فاروق أيضًا، وتحديدًا بعد أن لعبت الحرب العالمية الثانية حينها، دورًا في إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية في الشعب المصري، ألقت بظلالها على الأزمات الخانقة التي جعلت المواطنين أكثر "تشاؤمًا وواقعية"، مما أدى إلى فشل حملات الملك الدعائية والتقليدية.
أما عن السبب المباشر لهذه المظاهرات وما ترتب عليها، فقد تمثل في فتح "النقراشي" باب المفاوضات مع بريطانيا حول الجلاء محاولًا إحياء اتفاق "صدقي بيفن" الذي أفشلته المظاهرات الشعبية، فتقدمت حكومته في 20 ديسمبر 1945 بمذكرة للسفير البريطاني بطلب بدء المفاوضات حول الجلاء، إلا إن الرد البريطاني في 26 يناير 1946، أكد على الثوابت الرئيسية التي قامت عليها معاهدة 1936 والتي أعطت مصر استقلالا منقوصًا يتمثل في بقاء القوات البريطانية في مصر لتأمين قناة السويس.
طلاب القاهرة
وعلى أثر هذا الرد، اندلعت مظاهرات عارمة فجرها طلاب جامعة القاهرة، وشارك فيها العديد من طلبة المعاهد والمدارس، وخرجت من الجامعة أضخم مظاهرة عرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية، وعبرت شارع الجامعة ثم ميدان الجيزة إلى كوبرى عباس، وتصدى لهم "البوليس" وحاصرهم من الجانبين، وتم فتح الكوبري فجأة، أثناء المحاصرة، لتبدأ سلسلة من الاعتداءات على الطلاب، فسقط البعض في مياه النيل وقتل وجرح أكثر من 200 شخص في هذا اليوم.
أطلق على هذا الحادث "مذبحة كوبري عباس"، حيث يعد أحد الأيام المشهودة للحركات الطلابية، وعلى الفور تضامنت الحركات الطلابية في العالم أجمع مع الحركة الطلابية في مصر، وانطلقت المظاهرات في أرجاء العالم متضامنة مع طلاب جامعة القاهرة، وتم اختيار يوم 21 فبراير يومًا عالميًا للتضامن مع الطالب المصري تكريمًا لشهداء مذبحة كوبري عباس.
كوبري الجيزة
ففي عام 1908 قرر الخديوى عباس حلمي الثاني إنشاء هذا الكوبرى، ليربط بين القاهرة والجيزة، حيث يبلغ طوله 535 مترًا وعرضه 20 مترًا، وتمر الأيام وتندلع ثورة يوليو ليتحول اسمه إلى "كوبرى الجيزة"، إلا إنه وعلى مدار السنوات ظل محتفظًا باسمه الذي اشتهر به لعقود طويلة.
ويعد حادث كوبري عباس، الأشهر في تاريخ مصر الحديث، والذى وقع في ظل تولى محمود فهمي النقراشي رئاسة الوزراء عام 1946، وتحديدًا في عهد الملك فاروق.
ووسط تصاعد الحركات الاحتجاجية ضد السياسات الحكومية الموالية للمستعمر الإنجليزي آنذاك، لم يكن الطلاب بعيدين عن هذه الحركة، وتصاعدت المظاهرات بعد أن تقطعت كل السبل بين المحتجين والحكومة المتخاذلة والمتواطئة مع الاحتلال البريطاني، ولعبت الصحف والاجتماعات واللقاءات دورًا مهما في تحريك مشاعر الغضب والرفض للوضع القائم واتجهت لإكساب الجماهير شعورًا واحدًا يتربص بأي بادرة من الحكومة للمساومة مع المحتل.