"يوميات أسير مصري في حرب اليمن" .. من الأسر للسجن الحربي وعدالة السماء تنزل في شارع 26 يوليو بالقاهرة فتهديني دليل البراءة الحى ( الجزء الرابع )

عبد السلام الدهشان يوجه الجنود على إطلاق النار
عبد السلام الدهشان يوجه الجنود على إطلاق النار

تواصل "أهل مصر" نشر حلقات (يوميات أسير مصري في اليمن)، ضمن سلسلة أجزاء تحكي كواليس حرب خاضها أبطال الجيش المصري من أجل الأشقاء في اليمن، وما دار خلالها مع ضباط وجنود القوات المسلحة. وتكشف سعاد الديب في الجزء الثاني من لقاءها مع عبد السلام الدهشان أحد أبطال حرب اليمن أسرارا تنشر لأول مرة، حول المعاملة الوحشية التي عاملت بها القبائل الموالية للإمام البدر الجنود والضباط المصريين الذين وقعوا في الأسر؛ بما لا يتفق مع أدنى مبادئ معاملة الأسرى لا في الإسلام ولا في القانون الدولي. وفي هذه الحلقة يسرد عبد السلاد الدهشان الجزء الأخير من مذكراته التي انفردت بها الزميلة سعاد الديب على صفحات أهل مصر .. يقول الدهشان :

( ارتديت ملابسى استعدادا لمغادرة المستشفى بعد انتهاء فترة الحجر الصحى 14 يوما و حضرت احدى السيارات "الجيب" التابعة للشرطة العسكرية بها ضابط و بعض افراد الشرطة العسكرية ..اين الملازم عبد السلام الدهشان ؟ها انا ذا ..اركب .ركبت السيارة التى انطلقت تخترق شوارع القاهرة و لا اعرف الى اين وحهتنا ؟ حيث اعتقدت انه الاجراء الطبيعى لمغادرتى المستشفى .و سألت الضابط عن وجهتنا فلم يجب .. ثم انطلقت السيارة فجأة امام سور كبير من الحجارة البيضاء و باب حديدى اسود كبير و لافته صغيرة كتب عليها " السجن الحربى " السجن الحربى لمن ؟ لابد و ان هناك خطأ ما بدون ان ادرى وجدت نفسى امام احد ضباط السجن ..و اوامر تصدر و هناك من يدفعنى الى دهليز طويل سرت فيه ..ثم باب يفتح فجأة بمزلاج حديدى ضخم ..انها زنزانة داخل السجن ..و اغلقت على ! و اصبحت بين اربعة جدران خرسانية ونافذة قبل سقف الزنزانة مغطاة بالحديد ..هناك شجرة خضراء تتمايل و كأنها وسط عنان السماء من خلال تلك النافذة ..اذا أنا سجين !! حدث كل ذلك و انا مشدوة لا ادرى بما حدث لى حتى آل مصيرى لاحدى الزنازن فى هذا السجن القذر ..و يا لهول هذا الاسم ..اخذت اتساءل لماذا أنا هنا ؟انى ارتعش ..ماذا جنيت ؟؟!! و ماذا ارتكبت لاستحق دخول السجن من اجله ؟و اى سجن ؟؟السجن الحربى !! انها لمصيبة قاسية أبعد ما قمت بكل هذه الاعمال فى اليمن يكون هذا جزائى ؟!بكيت كما لم ابكى من قبل فى حياتى فلم اكن اتوقع ان تكون نهايتى بهذا الشكل فقد كان الاستشهاد اشرف لى من ذلك !!سجين ؟؟ماذا يقولون عنى بين الاهل و العائلة ؟خائن للوطن ! لقد لحقهم العار بذلك طول العمر و لكنى لم اكن خائنا ابدا و لم افعل شيئا استحق دخول السجن من اجله ..فلماذا انا هنا فى السجن ؟ هل هذا هو جزاء بطولتى و صمودى فى اليمن ؟ان عقلى يدور و اكاد اجن و اعصابى تخوننى و اشعر بانهيار شديد .. )

ادعاءات كاذبة وأيام صعيبة وأشباح الانتحار تحول حولي في الزنزانة

 عشت اقصى ايام حياتى فى هذه الزنزانة الرطبة ..و راح اليوم يمر تلو الاخر و انا احسبها .. و جاء اليوم الرابع عشر لى فى السجن و اصبحت فى حالة سيئة فان سجن الاسر بقسوته ارحم كثيرا من هذا السجن الظالم و الموت فى سجن الاسر شرف كبير .. فى هذا اليوم تم استدعائى لاحدى غرف السجن الاخرى لاجراء تحقيق معى فى الاتهامات الموجهه الى و التى وجدت نفسى هنا بسببها ..تسلمنى اثنان من ضباط النيابة العسكرية ..رائد و نقيب ..و انهالا على بالاسئلة و اعصابى فى انهيار تام و لم اعد ادرى بشىء جولى بعد ما سمعته من اتهامات و ادعاءات موجهه الى ..من اين جاءات تلك الاتهامات ؟ و من الذى نسبها الى ؟ ان شيئا من ذلك لم يحدث منى و انا برىء منها تماما ..ان كل المنسوب الى من اتهامات لا تقل عقوبة احداها عن الاعدام شنقا ..و امتلأت الدنيا امام عينى بالسواد فأنا بذلك هالك لا محالة .. دافعت عن نفسى طويلا امام المحققين ..استغرق التحقيق معى عدة ايام و انا ادافع عن نفسى من الادعاءات الكاذبة المنسوبة الى من الافراد المصريين الذين كانوا معى ..و ساءت حالتى و انهارت اعصابى و لم اعد استطيع تحمل اكثر من ذلك ..فكيف توجه لى هذه التهم الكاذبة و اوضع فى السجن بينما هناك من ارتكبوا ما يستحقون عنه ان يكونوا مكانى و انا حر طليق !و لكن الحظ التعس يلازمنى ولا يريد ان يفارقنى ..لقد فاض بى و لامفر من التخلص من الحياة ..فهى الوسيلة الوحيدة للخلاص من العذاب ..و رقدت مستلقيا على ظهرى على ارض الزنزانة رافعا السرير الحديدى الى اعلى و قد قررت ان اكسر ذراعى حتى استطيع مغادرة هذا السجن ..كنت افعل ذلك لكن الدموع انهمرت من عينى ,اهكذا يكون المصير بعد هذا الشقاء و الكفاح ؟ لا لن افعل ذلك ..ابعدت السرير عنى و انفجرت بالبكاء فقد كان الاحساس بالظلم يكاد يمزقنى و قررت الاضراب عن الطعام ..ذلك ان كان هناك طعاما بالمعنى المفهوم ..و حتى مغرب هذا اليوم و الحرس يحاولون اقناعى بتناول الطعام خيرا لى و الا فعاقبتى سيئة قررت ان اتحمل كل ذلك ولا العيش بقية حياتى فى هذا الظلم سجينا ...حتى جاء الحارس و ذهبت معه الى غرفة التحقيق حيث وجدت اثنان من ضباط النيابة العسكرية و وقعت لهما على اعلانى بالادعاء المقام ضدى و اخطرونى بأن محاكمتى ستبدأ فى صباح الغد ..دارت رأسى و ارتعش جسدى و وقفت مذهولا غير مصدق ان ذلك ما آل اليه مصيرى !!محاكمة فى مجلس عسكرى ؟؟ماذا فعلت يا ربى ؟ أ استحق كل ذلك !! عدت الى الزنزانة و جلست ارتعد منكمشا فى نفسى انظر خلال الحائط و اتخيل امامى وحش جائع كريه سينقض على من بين الجدران ..ماذا سيكون من امر المحاكمة و انا برىء من الادعاء المقام على ؟؟كيف ستكون هذه المحاكمة و انا لم اصادف خلال مدة خدمتى اى نوع من التحقيقات او المحاكم و لو متفرجا .ز

و جاء الليل و ارتميت على سريرى احاول ان اهدىء من روع نفسى حتى استطيع الصمود فى محاكمة الصباح دفاعا عن نفسى ..و لكن التخيلات الرهيبة باتت تلاحقنى و اتخيل مثولى بالمحكمة و الحكم على و التعذيب بالسجن و الاهل ماذا سيفعلون و ماذا سيقولون ؟لقد تلطخ الاسم و ساءت السمعة و اتساءل ماذا فعلت ؟ اننى اشعر ان دورى فى المعركة كان رائعا و بطوليا فلماذا يكون هكذا المصير ؟كنت اخاف ان انحدر الى حافة الجنون ..

عبد السلام الدهشان يوجه الجنود على إطلاق النار

ليلة المحاكمة ولقاء إخوتي لأول مرة بعد سنوات غياب

فى الصباح التالى لهذه الليلة الغبراء ارتديت ملابسى و خرجت من السجن فى حراسة افراد الشرطة العسكرية و باحدى العربات حتى قاعة المحكمة و حضر احد الاطباء و قام بالكشف على و قرر صلاحيتى للمحاكمة و فجأة انفتح احد الابواب و اطل ضابط من الشرطة العسكرية و قال لى ..اخوتك بانتظارك فى الخارج ..اخوتى من هم ؟؟ و كيف عرفوا مكانى ..و اين سألتقى بهم ..هنا فى قاعة المحاكمات ..ايروننى بعذ تلك الغيبة فى هذا المكان و انا احاكم ..لا ..لا يمكن ذلك كيف اقابلهم و يقابلوننى فى هذه الظروف كل هذه الترددات طافت فى خيالى تمزق قلبى ..و انا فى لهفة لرؤيتهم و هم منتظرون بالخارج ..و لكن كان الباب قد فتح و ها هم اخوتى على بعد خطوات منى ..عامان طوال كانوا بيننا اصبحوا الان خطوات ! ان قدماى تسير مندفعة تجاههم و الدموع تنساب من عينى بغزارة ها هو اخى محمد و اخنى سامية و لم ادرى الا و انا فى احضانهم ..تزوجت اختى و اخى على وشك الزواج كنت اتمنى اكتمال سعادتى بلقاء الوالدن الاحباب و باقى الاخوة الاعزاء كنت ابكى بين ايديهم كالطفل الذى يصرخ بدون صوت طالبا امه .زخائف ان يتركونى ثانية ..و اخذ اخى فى تهدأتى و طمأننى بان الله لن ينسانى ما دمت متأكدا من براءتى ..و حوالى النصف ساعة و الدموع لا تريد ان تتوقف من عينى ..دموع مختلطة ..الفرح و الحزن لهذا الموقف الرهيب

و جاء ضابط الشرطة و اخطرنى بالاستعداد للدخول الى قاعة المحاكمة ..ارتجف قلبى و اهتز ..عميت و لم اعد ارى شيئا ..ساءت حالتى و ازدادت دقات قلبى ..و انا اسير عدة خطوات حتى باب القاعة ..انظر خلفى الى اخوتى ارجوهم بينى و بين نفسى الا يتركوننى وحدى لهذا المصير ..دخلت القاعة و مثلت بين يدى هيئة المجلس العسكرى منصة كبيرة و ثمانى ضباط يرأسهم لواء ..و القاعة خالية و الصمت رهيب ..و العلامات الحمراء على اكتاف ضباط المجلس تصيبنى بالدوار و الخوف و اقسم اعضاء المجلس اليمين القانونية ..و نودى على اسمى و اجبت و انا ارتجف ..أفندم ...

و سألنى اللواء رئيس المحكمة عن رغبتى فى توكيل احد المحامين فاجبته بالايجاب ..و تأجلت الجلسة لليوم التالى لحين حضور المحامى و اتصل اخى بالمحامى و اتفق معه على تولى هذه القضية و الدفاع عنى ..

و فى ايوم التالى و امام هيئة المجلس العسكرى نودى على مرة ثانية ..المتهم الملازم عبد السلام عبده الدهشان ...أفندم ..الادعاء الموجه اليك "" الاستسلام لرغبة العدو و ذلك لانك بجهة رازاح بقرية شدا باليمن استسلمت لرغبة العدو و قمت بالتكلم فى التسجيل الخاص باذاعة العدو معلنا انضمامك انت و قوتك المصرية و عددها ثمانية عشر فردا وسط قبائل العدو المحيطة بك ""هل انت مذنب أم غير مذنب ؟؟كيف ذلك ؟ابعد كل هذه الاعمال تتهموننى بالاستسلام ! لم اتمالك نفسى و انا اسمع هذه الاتهامات الموجهه الى و التى احاكم من اجلها ..الاستسلام ..و صحت امام المحكمة غير مذنب ..غير مذنب ..فأمرنى رئيس المحكمة بالهدوء و جلست بجوار المحامى و تم استدعاء الشهود ..تتوالى دخول و خروج الشهود و كل منهم يذكر ما يراه مسلما لموقفه و ضار بى ..ذلك من اثر الخلافات الشخصية التى وقعت بيننا اثناء سجن الاسر و من اثر الحقد الشخصى منهم الاقوال كلها كاذبة و نهايتى تقترب و تدنو بتلك الاكاذيب ..الكل يكذب و انا اعلم الحقيقة التى يخفيها كل منهم و الذين اتفقوا سويا على اخفائها و توحيد اقوالهم ضدى ..كل هذا يجرى امامى و انا ممنوع من الحديث لوجود محامى ..ماذا افعل هل اترك نفسى للشهود يدفعوننى الى حافة الهاوية باقوالهم الكاذبة ؟ و الحقيقة متوارية غريقة لم تطفو سطح الحق حتى الان .

مرافعة من السماء تغير اتجاه المحاكمة وتكشف كذب شهود الزور

 وفى احدى الجلسات و قد اقتربت الساعة الثانية ظهرا وقت انصراف المحكمة و انا جالس على احر من الجمر اتلوى من هذه الاتهامات التى توجه لى و تكاد تودى بحياتى دون قرار من المجلس ..حينئذ سألنى رئيس المحكمة ان كنت اريد ان اقول شيئا ..و ذلك بعد غلق محضر الجلسة ..فوقفت و استجمعت شجاعتى و انفجرت بكل جوارحى و شعورى اذكر و اصف للمحكمة الحقيقة الخافية عن المجلس و اخذت فى ايضاح نقاط لم يذكر عنها الشهود شيئا فى القضية بل تعمدوا اخفائها لانها فى صالحى ..وقفت اعيد و اعدد اعمال و احداث عامين قضيتهما فى اليمن ما بين تنقل و عمل و معارك و اسر و عذاب ..ذكرت للمجلس العسكرى كل صغيرة و كبيرة اخفاها الشهود ..كنت اتكلم بطريقة الهمنى الله اياها حتى استطعت استبقاء اعضاء المجلس لمدة ساعتين بعد الثانية ..موعد انصرافهم .. و لكن شوقهم لسماع هذه الحقائق و المعلومات الخافية عنهم جعلتهم جالسون برغبة منهم على امل الوصول للحقيقة ..و عندئذ امر رئيس المجلس ممثل الادعاء العسكرى بالتبكير فى عقد جلسة باكر و اعادة استدعاء الشهود جميعهم مرة ثانية ..بعد ان تبين للمجلس كذبهم ..ذلك اذا ظهرت صحة اقوالى التى ذكرتها الان ,,و شعرت بتبدل نظرة الاحتقار من اعضاء المجلس لى الى نظرة اشفاق عما قاسيته .. وما آل اليه مصيرى و تحولت نظراتهم الى تحية و اكبار لهذا الضابط الصغير الذى قام باعمال اكبر منه ..و يحاكم من اجلها ..و منذ هذه اللحظة تغيرت روح اعضاء المجلس فى معاملتى و اصبحت ادخل القاعة و كلى ثبات و ثقة بنتيجة المحاكمة ان شاء الله ..تخلصت من الرعب و حل الامل بل اننى خلال هذه الجلسات التى تحولت الى مشاهدة ضاحكة من جراء الكذب الذى صدر عن الشهود و بعد ان ناقشهم رئيس و اعضاء المجلس فى المواقف المتناقضة لادعاءاتهم و التى اكدت و تبين منها تحاملهم على ..حتى انقلب تيار المجلس لصالحى و انهار الشهود الواحد يلو الاخر كل يقر بالحقيقة و انبرى رئيس المجلس بذكاء شديد يوجه الاسئلة الدقيقة و الحرجة حتى انتزع لحقائق من بين انيابهم التى كانت تود لو نهشت جسدى ..كنت ابتسم ..نعم كنت ابتسم لانى كنت ارى الحقيقة و الحق يطفوان و كذب و افتراء الشهود يظهر جليا للمحكمة مما ادى برئيس المجلس الى اساءة معاملة الشهود لعدم ذكرهم للحقائق كاملة رغم قسمهم على كتاب الله

رمضان في السجن الحربي ولقاء أبي وأمي للمرة الأولى منذ السفر لليمن

توالت الايام بطيئة خلال ايام المحاكمة و لكنها كانت سريعة بالاقوال و الحقيقة التى بدأت تظهر الاكاذيب و انقلبت الاية و تغيرت الصورة التى كانت عليها امام و فى نظر هيئة المجلس بعد ان تمكنوا من الحصول على الصورة الحقيقية لى ..و كنت خلال فترة المحاكمة اعود يوميا الى زنزانتى بالسجن ..و فى احد ايام المحاكمة فوجئت بأختى عفاف و قد حضرت لرؤيتى مع اختى سامية و زوجها و كانت المرة الاولى التى اراها بعد عودتى من اليمن و كذلك اخى حلمى الذى جاء لزياراى بالاحضان و بدموع الفرحة استقبلنى ..شعرت باطمئنان جارف لرؤية اخوتى و تمكنت خلال تلك الفترة التى كانوا لا يزورونى فيها اخوتى قبل بدء جلسات المحاكمة من الحصول على بعض الاطعمة يوميا من اخوتى رحمة بى من طعام السجن و فى احد الايام و كنا فى شهر رمضان اخطرنى حارس السجن بوجود زيارة لى ..ارتديت ملابسى و اقتادونى الى غرفة الزيارة و ياللمفاجأة .. ابى و امى ..اخيرا ايها الاعزاء ..بكيت فلم اكن ارغب فى مقابلتهما فى هذا المكان .. بعد هذا الغياب ..فرحة اللقاء اطلقت الدموع الحبيسة من الحزن و لنتعانق بعد غياب عامين بين والدين و ابنهما العائد من الفقد و الموت ..و كانوا غير مصدقين بانهم يلمسون ابنهم حقيقة بعد ما سمعوا عن فقده و عن خطاب القوات المسلحة الذى اخطرهم بفقدى ..باتوا حزانى شهورا طويلة و هم غير مصدقين .و اخذ والدى فى وصف حالة كل فرد بالمنزل و شعور العائلة و الاهل و الاصدقاء اثر فقدى ثم ظهورى حيا مرة ثانية تكلمنا كثيرا و طمأنتهم بان اجراءات المحاكمة قد انتهت و انا الان فى انتظار قرار المجلس و الذى سيصدر خلال اسبوع على الاكثر ..و كان السبت المقبل يوافق اول ايام عيد الفطر المبارك ..و كم تمنيت حضوره بينهم بعد حرمانى منه كثيرا بعيدا عنهم ..اكدت لهم و كلى يقين بأننى سأقضى هذا العيد بينهم لانى متأكد من قرار المحكمة بعد تلك الاجراءات التى دارت امامى ..و الحقيقة الخفية التى باتت و ظهرت خلال مناقشات الشهود.

عبد السلام الدهشان

الرقص فرحا في انتظار البراءة ومفاجأة إعادة المحاكمة أمام مجلس عسكري جديد

بقيت بالسجن بعد مغادرة والدى على امل خروجى خلال الاسبوع و فى ظهر يوم الخميس التالى امرنى المسؤل عن الحراسة بالسجن بالاستعداد و جمع ملابسى تمهيدا لمغادرة السجن .. رقصت فرحا فقد ايقنت اننى قد برئت فعلا و سيصدر القرار اليوم ..اى اننى سأتمكن من حضور العيد مع اهلى .. و تسلمتنى الشرطة العسكرية و غادرت السجن الى المنطقة العسكرية المركزية بالقاهرة ,, حيث مثلت امام قائد المنطقة لقراءة قرار المحكمة الذى راح يقرأه احد ضباط النيابة العسكرية ..و يالها من مصيبة ..اننى لم احصل على البراءة و لن احصل على حريتى ..و لن ارى اهلى ..فقد كان القرار باعادة القضية مرة اخرى الى المجلس العسكرى بهيئة اخرى لاعادة محاكمتى مع اضافة اتهام جديد علاوة على الاتهامات السابقة يتعلق بالانضباط العسكرى و الضبط و الربط ..وقفت ثائرا لا اتمالك اعصابى ..و ماذا عن نتيجة المجلس الاول ؟؟لقد الغيت اجراءاته ..انا فى ذهول ..و لم اعد ارى امامى ..لقد كان المجلس الاول يسير كما يجب و لكن لماذا سيضاف ادعاء اخر ؟؟هل يريدون ادانتى باى شكل ؟ و امر قائد المنطقة بوضعى فى احدى كتائب الحراسة تحت الايقاف و ابعادى عن السجن ..و سلمتنى الشرطة العسكرية الى كتيبة الحراسة و بقيت بها حتى الليل حيث استطعت الحصول على اذن لحضور ايام العيد مع اهلى ثم اعود ثانية لاستكمال المحاكمة ..و خرجت هذه الليلة الى القاهرة وهكذا من ظلام الزنزانة الى انوار القاهرة و وصلت الى منزل اختى سامية بالدقى بعد جهد فى البحث عنه ..و اتصلنا تليفونيا ببورسعيد و اخبرتهم بحضورى اليهم غدا ليلة عيد الفطر المبارك و نهاية شهر رمضان الذى قضيته بالسجن . و بالتاكسى الى بورسعيد مع اختى و زوجها ..كان شكلى غريبا..شعر طويل ..و وجه تركت عليه الاحداث اثارها ..ضعف شديد و لكن اقتراب اللقاء من الاهل و الاصدقاء و بلدى منحنى من القوة و العزيمة ما أنسانى هذا المصير المجهول ..و بدأت مشارف بورسعيد فى الظهور و انا لا اكاد اصدق عيناى لا اشعر بهما لانهما محلقتان تبصران لئلا يفوتنى جزء من مدينتى الحبيبة ..تذكرت شوارع البلدة و سألت اختى عنها كثيرا ..لعنة الله على تلك الاحداث التى كانت تخطف منى ذاكرتى ..و اقتربت السيارة من المنزل و انا اشعر و كأن نظرات كل من فى الطريق تتجه نحوى فى السيارة ..نحو هذا الميت الحى القادم من العالم الاخر ..و اخيرا توقفت السيارة امام المنزل ..ما هذا الزحام ؟؟ها هو والدى مرة ثانية ..اكثر من عشرة دقائق و انا غير قادر على ترك احضانه ..و الكثير من المارة و سكان الشارع اذوا ينظرون بعيون فرحة تملؤها الدموع لهذا المشهد الفريد للقاء اب و ولده بع طول غياب ..الزغاريد تنطلق من كل مكان الغريب و القريب ..الجميع يشارك الفرحة بعودتى ..و انا لا ادرى من حرارة اللقاء كيف صعدت سلم المنزل ..ارتمى من حضن هذا لذاك ..الكل يحتضننى و يبكى و هم لا يصدقون و انا نفسى لا اصدق .. الدور الاول و اخوتى لم ينتظروا حتى اصعد السلم اليهم فنزلوا الى ..حتى ارتميت بين احضان والدتى و انا مرهق و متعب ...و لكن على ان اتحمل فأنا المحتفى به كثيرون من هنا و هناك جاؤا لرؤيتى و هم غير مصدقين من يعرفونى و من سمع عنى فقط

و مرت الايام و اقبل اليوم الثالث و انا لم اذق طعم النوم خلال هذه الايام كنت المح و اشعر بالفرحة تعم الجميع لانى عدت بسلامة الله ولا يعلم احد اننى انتظر اتلمحاكمة ؟ و كان قلبى مليئا بالحزن ..كيف اترك هؤلاء الاعزاء ثانية لمحاكمة مصيرها يعلمه الله و لكن لا مفر ..و عدت الى القاهرة انتظارا لتشكيل المجلس العسكرى الثانى .

عبد السلام الدهشان وسط الجنود

العودة لكتيبة الحراسات وظهور شاهد عيان من وسط الزحام يهديني دليل البراءة

اقمت فترة فى كتيبة الحراسة حتى تم تشكيل المجلس العسكرى الثانى الذى سيقوم بمحاكمتى مرة ثانية و خلال تلك الفترة كنت اغادر كتيبة الحراسة يوميا بعد الظهر ..لهوت بالقاهرة و كان يدفعنى لذلك احساس بشع بالظلم الذى اعانى منه و بالشعور الذى انتابنى باننى اصبحت غير مرغوبا فيه على ارض وطنى الذلى كافحت من اجله و لم اكن اتوقع هذه المعاملة ..لهوت كثيرا باحساس المودع لهذه الدنيا و النيل منها قبل الفناء ..محاكمة فى الصباح و لهو فى الليل شىء مضحك ..و لكنه مبكى ! و جاء يوما مشهودا كان سببا فى انقاذى من هذه المحنة التى اعيشها ..فقد كنت اسير فى شارع 26 يوليو بقلب القاهرة وسط زحام رهيب و اذا بى افاجأ وجها لوجه امام العقيد اليمنى الذى كان معى بقلعة "رازح" اثناء الحصار ثم الاسر و الذى شهد و عايش الظروف القاسية التى عشتها و مررت بها و التى ادت بى الى الحديث فى اذاعة العدو ..و لكن الله ارسله لى منقذا من المصير المظلم الذى اسير اليه ..طلبت من المسؤلين عن محاكمتى احضاره كشاهد نفى فى القضية ..و جاء و قدم نفسه لهيئة المحكمة و اخذ يدلى بشهادته و على ما اتذكر من بين كلماته و بلغته اليمنية "" انا اشتهى أعرف من هذا المجلس المحترم ليش بتحاكموا هذا الوليد ؟ هذا الوليد من احسن الضباط المصارى الذين عملت معهم ..,, ليش بتحاكموه و كان الواجب ان تكرموه بعد ان قاتل معى بكل شرف و رجولة و هو لم يتكلم فى الاذاعة برغبته فأى واحد مكانه كان سيتكلم للظروف المحيطة به فقد كانت الخناجر على رقبته تكاد تذبحه .. و البنادق فى ظهره ..تكاد تنطلق ..و العدو من حوله يريد الفتك به و لم يكن هو الذى سيذبج وحده بل كان هناك 18 مصرى كانوا سيذبحون معه و قد وصلوا سالمين كما عرفت ..و حوكم هو لماذا ؟؟هل لانه انقذ زملائه المصريين بعد ان حارب بكل شرف و عاد لوطنه؟ هل لانه تصرف كضابط فى المأزق ؟انه لم يكن يستحق كل ذلك و ليس عندى ما اقوله اكثر من طلب البراءة لهذا الضابط الشجاع " و توقف العقيد اليمنى عن الكلام و اعضاء هيئة المجلس فى دهشة لهذه الشهادة الكبيرة دفاعا عن متهم كانت نهايته غامضة و لم يجد اعضاء المجلس ما يقولونه له بعد ذلك ..ثم تم استكمال اقوال بقية الشهود .... و انتهى المجلس من اجراءات المحاكمة و بقيت فى كتيبة الحراسة انتظر صدور الحكم ..

و جاء اليوم المرتقب و كانت براءتى لابد و ان تطغى على كل شىء لاعود الى اهلى ذلك كان احساسى ..استدعيت الى قيادة المنطقة و امام القائد منتظرا اللحظة التى سيت فيها النطق بالحكم ..الملازم عبد السلام الدهشان ..أفندم ..غير مذنب فى الادعاءات الموجهه اليه ..براءة ..براءة .,,ربى لك الحمد و الشكر و اخيرا و بعد تعب و شقاء و عذاب ثبتت براءتى و اعود الى احضان اهلى ثانية لابقى معهم ما حييت ..و اعود الى الحياة ..فاليوم يبدأ مولدى الجديد لاحتفل به قبل مولدى الاول ..لن انسى هذا اليوم فمن ينسى يوم مولده الحقيقى ؟ يوم طفوه على سطح الحياة منقذا بفضل رعاية الله و دعاء الوالدين و عدت الى مدينتى و حبى بعد كلمات تشجيعية من قائد المنطقة ..عدت الى ابى و امى و اخوتى و اصحابى هذه هى الكلمات التى اكاد اتذكرها عن قصتى باليمن .قصة مواطن مصرى بورسعيدى قاتل على ارض اليمن و عاد بعد طول غياب و حرمان ..انها قصة عائد من الاسر ...

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً