هي قصة حقيقية ليست من نسج الخيال، ولا من إحدى الحلقات التليفزيونية، بل هي واقع مرير امتزج به قسوة الأبناء على والدتهن، حدثت بواقعها المرير في إحدى مناطق محافظة بني سويف، وهى امتناع 3 سيدات عن زيارة والدتهن بالمنزل، والاطمئنان عليها عقب إصابتها بأعراض فيروس كورونا المستجد، مما استدعى إقامة عزل منزلي لها بداخل المنزل.
تدور أحداث القصة حول خيبة الأمل من جانب إحدى الأمهات، وتدعى " ن، ع " 56 عاما، بإحدى مناطق بني سويف، جراء موقف أبنائها الخمسة، ما بين 3 سيدات، ورجلان، إثر امتناعهم عن زيارتها فور علمهم بإصابتها بأعراض فيروس كورونا المستجد.
ففي البداية كان منزل العائلة يمتلئ بالصياح والأصوات العالية للأطفال والرجال والنساء، بشكل يومي دون انقطاع وبلا أسباب، لأكثر من 3 سيدات وأولادهن، وفي بعض الأوقات أزواجهن أيضًا، فضلا عن شابين متزوجين ولديهم أولاد، مما كان ينتج عنه مزيدًا من الصخب والأصوات المرتفعة، وكان لا يهدأ قط.
وانقلبت الأمور عندما شعرت "الأم" ببعض المتاعب الصحية وخاصة كحة شديدة، فلم تهتم بالأمر، ولكن في اليوم التالي ازدادت المتاعب الصحية وارتفعت درجات الحرارة لها بشكل كبير، مما استلزم اصطحابها برفقة نجلها الكبير إلى أحد الأطباء لمتابعة حالتها الصحية، والوقوف على أسباب هذه المتاعب، فطلب منها الطبيب المعالج لها والشك يراوده تجاه حالتها الصحية المفاجئة، بضرورة ذهابها إلى مستشفى الحميات ببني سويف، لإجراء الفحوصات الطبية والتحاليل المعملية الخاصة بأعراض فيروس كورونا.
وبالفعل توجهت السيدة إلى مستشفى حميات بني سويف، وتم إجراء بعض التحاليل لها، والتي أثبتت إصابتها بأعراض فيروس كورونا المستجد، ولكن تم تصنيف حالتها بالإيجابية المستقرة، ولا يوجد لها مكان لحجزها بالمستشفى، وتم الصرف لها بعلاج فيروس كورونا، مع ضرورة العزل الصحي لها داخل المنزل عن بقية أفراد العائلة.
وعلى الفور تم نقل "الأم" إلى منزلها، وتم وضعها بداخل إحدى حجرات المنزل، لإقامة العزل الصحي لها، والبدء في تناول العلاج الخاص بأعراض فيروس كورونا المستجد، نظرًا للكحة الشديدة وارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن الألم البسيط ببعض أجزاء من جسدها، بالإضافة إلى أنها مريضة بضمور في الأعصاب.
ومع تناقل الخبر بين الأبناء والجيران بداخل المنطقة، حدث ما لا تتوقعه "الأم" من جانب أبنائها، وكأنه كابوس مزعج يسيطر عليها أثناء نومها، ولكنه كان حقيقيا وٲمرا واقعا، ليس بخيال ولا بكابوس أثناء النوم، ألا وهو امتناع أبنائها، وخاصة "السيدات المتزوجات" عن زيارتها، خشية تعرضهن للإصابة بأعراض فيروس كورونا.
ففي بداية الأمر انتابت "الأم" حالة من الصدمة الكبيرة، والغير مفهومة من جانب "بناتها" تجاه مرضها، مفضلين الهروب والفرار والبعد عنها خشية تعرضهن للمرض، تاركين والدتهن بالمنزل في حيرة وتساؤل: من سيساعدها على تناول الدواء والطعام.. والوقوف بجانبها في هذه الأزمة الصحية التي لحقت بها؟
ولكن الجواب على تساؤلات "الأم" الحزينة لم يدم طويلا، فكان الرد والجواب من جانب زوجة نجلها الكبير، قائلة لها: " يا الله بقى يا أمي نبدأ في العلاج، وإن شاء الله تعالي هتخفي على طول، ومش هنطول فيه".
استقبلت " الأم " الحزينة كلمات زوجة نجلها الكبير، بالدموع والبكاء الشديد، دون النطق بكلمة واحدة تعبر بها عن مدى حزنها الشديد، بسبب تخلي "بناتها" عنها في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، وأخذت تنظر إلى زوجة نجلها بنظرات مفادها "بناتي تركوني وأنتي ستكوني بجانبي"، وظلت الحيرة والتساؤلات والحزن يسيطرون عليها بشكل كاد أن يقضي عليها.
ولكن زوجة نجلها الكبير أدركت ذلك، فقامت على الفور بتجهيز كل المتطلبات والمستلزمات الوقائية، لإقامة عزل منزلي لـ "حماتها"، وقامت بتجهيز كل ما تحتاجه في فترة العزل المنزلي، والتي حددها الأطباء بـ 14 يومًا كحجر صحي منزلي لها.
فتقول زوجة نجل الأم المصابة بأعراض فيروس كورونا، "أنا متجوزة من 5 سنين وليا سلفتي متجوزة بقالها سنة، ومتجوزين في بيت عيلة، المهم حماتي تعبت جدًا وطلبوا منها إشاعات وتحليل، وطلع عندها كورونا، هي ست كبيرة طبعا غير كده هي مريضة، وعندها ضمور في الأعصاب أنا كنت بخدمها وما زلت دلوقتي هي عندها 3 بنات، أول لما عرفوا إن جالها كورونا امتنعوا عن الذهاب للبيت خالص".
وتابعت كلامها قائلة: "سلفتي قفلت شقتها، وأخذت ابنها وراحت عند أهلها، ومفيش غيري أنا واولادي وجوزي وسلفي في البيت، ولادي طفل 4 سنين، والتاني عنده سنة عزلتهم في الشقة هما وجوزي وأنا عزلت نفسي مع حماتي، عشان أنا اللي بخدمها وبساعدها على تناول الأدوية، لأن مش لقينا لها مكان تتحجز فيه، فقالولنا اعملولها عزل منزلي ومن سعتها أنا اللي بخدمها، ومن يومين بتصل بإحدى بناتها، وبقولها ممكن تيجي ونبدل أنا وانتي سوا، لإني تعبت، ومبنامش لا ليل ولا نهار، ونعمل عزل معها أنا وانتي ونبدل سوا زي ورديات.. قلتلي لا أنا مينفعش أجي وأسيب جوزي وعيالي، وبعدين أنا أخاف على عيالي لحسن اتعدي منها، وأعدي عيالي انتي معاها بقى، وانتي الخير والبركة وقفلت السكة".
وأضافت "حماتي انهارت من العياط عشان حماتي مش مصدقة إن بنتها اللي كانت كل يوم هنا بأولادها، تقولي كده أو أمها تهون عليها، وتتركها كده هي وإخوتها، وأنا خايفة جدًا وطول الوقت حاسة إني هموت، وهترك أولادي، ولكن مع كل ذلك حماتي صعبانة عليا، ومش هاين عليا التخلي عنها، وزوجي مش عارف يعمل إيه، لأنه مش هيعرف يساعدها في تناول الأدوية ولا الطعام وكل مستلزماتها اليومية والشخصية، ولا هيعرف يتصرف معاها زي ما أنا بعمل، وفي بعض الأوقات أقول لنفسي هو أنا أحن عليها من ولادها اللي تركوها".
وأشارت إلى أنها يسيطر عليها إحساس قوي بالشعور بالذنب، إذا أقدمت على تركها وحيدة في منزلها عقب ترك أبنائها لها، مضيفة أن ضميرها يؤلمها إذا أقدمت على التفكير في ذلك، مؤكدة أنها لن تقوم بتركها وحيدة داخل منزلها مهما كانت النتائج الغير آمنة لها.