يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . نزلت هذه الأية لتجمع بين الزوجات من الحرائر وبين الجواري من الإماء في سياق واحد فيما يتعلق بحق ( الرجل / الزوج ) أو (الرجل/ السيد ) في الاستمتاع جنسيا بزوجته أو جاريته، وذكر القرآن الكريم للحرائر والإماء في سياق قرآني واحد فيما يتصل بحق ( الرجل / الزوج ) أو (الرجل/ السيد ) في إتيان شهوته من النساء وتنظيم هذا الحق سواء بالزواج أو بملكية الرقبة يعطي دلالة على أن الدين الإسلامي اعتبر لأول مرة أن طبقة الرقيق، هم بشر وليس كما صنفتهم حضارات أخرى بأنهم طبقة أقل من البشر وأطلقت عليهم اسم “الحيوانات البشرية” HUMAN ANIMALS ” ” ، بل حتى عندما اعترفت بعض الحضارات بإنسانيتهم اعتبروا أن العبيد بشر ولكن ليس لهم شرف ولا كرامة . والمفارقة الأخرى في هذا السياق هى أن هذه لآية الكريمة دفعت فقهاء المسلمين فيما بعد لوضع قواعد شرعية للتسري بالجواري تقترب من الأحوال الشخصية للمتزوجين ولكن مع اختلافات نظرية تتعلق بالخلاف الطبقي بين العبيد وبين الأحرار. فهل فهل ل اعتبر القرآن الإماء سلعا جنسية بلا شرف ولا كرامة ؟
حق الرجل في وطء الأمة بدون عقد زواج الأساس النظري والتبرير الفقهي
ذلك أن الملاحظة المدهشة التي تنفي أن يكون الإسلام قد اعتبر الإماء سلعة جنسية هو أن النص القرآني الذي جاء فيه ذكر قواعد نكاح الحرائر، هو نفسه الذي ورد فيه ذكر إباحة وطء الإماء: يقول الله تعالي في كتابه العزيز" " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)" ( ). ويقول تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. وقد وضعت هذه الآيات الأساس النظري الذي ستقوم عليه فيما بعد القواعد التي تنظم الاستمتاع بالإماء وافتراشهن، وهي القواعد التي ستتضح تفاصيلها أكثر من خلال نصوص الأحاديث النبوية الشريفة وقواعد الفقه الإسلامي، والفكرة الأساسية هنا والتي انطلقت منها الشريعة الإسلامية لإباحة وطء السيد لجاريته هي أن للسيد أن يطأ جاريته بدون أن يعقد عليها عقد النكاح، لأن عقد ملك الرقبة الذي له عليها، وهو عقد قائم.
قواعد الزواج من الحرائر والتعامل مع غرائز النساء من الإماء
وبخلاف قواعد الزواج من النساء الحرائر المتعارف عليها فقد قدم الفقه الإسلامي وللمرة الأولى في تاريخ مؤسسة الرق قواعد فقهية تصل إلى درجة الحلال والحرام بقوة العقيدة الدينية، تنظم ليس فقط استمتاع السيد المالك بأمته الجارية المشتراه من أسواق النخاسة بالمال أو التي تم سبيها في ساحات القتال، ولكن هذا الدين وضع أيضاً قواعد تنظيم حتى التعامل اليومي بين الرقيق الذكر وسيدته التي تملك رقبته كإنسان فهذا الرقيق ل يعد هذه الأداة الحية أو الدابة التي لا يأبه لها مالكها بل هو إنسان له مشاعر وأيضاً غرائز، فجاءت قواعد الفقه الإسلامي وأعلنت احترامها لهذه الغرائز ووضعت حدوداً واضحة لما يسمح له للعبد الذكي أن يراه من عورة مولاته وحدوداً أيضاً لمولاته الحرة لما يسمح لها هي الأخرى بان تظهره من عورة لرقيقها الذي تمتلك رقبته بقوة القانون والعرف الاجتماعي السائد، قواعد تختلف بطبيعة الأمور عن المتعارف عليها بين الأحراء وهي قواعد تختلف بطبيعة الأمور عن المتعارف عليها بين الأحرار وهي قواعد تختلف أيضاً فيما بينها من مدرسة فقهية لأخرى، وبصفة عامة لم تصبح الجارية مجرد جسد للاستمتاع ولم يصبح العبد مجرد قطعة حية من الملكية.
الأحوال الشخصية للرقيق وقواعد تنشأ لأول مرة في تاريخ مؤسسة الرق
جاء في الطبعة الرابعة من كتاب الأوضاع الاجتماعية للرقيق في مصر لمؤلفه محمد مختار : ( في إطار الحرص الواضح الذي ابتدته الشريعة الإسلامية لمسألة حفظ الأنساب وتهذيب الغرائز، فقد حرصت الشريعة الإسلامية على وضع قواعد واضحة لتنظيم التسري بالإماء افتراش الجواري، وبما يتضمنه ذلك من اعتراف بأنه وحتى بالنسبة للرقيق، فإن هناك ما يمكن تسميته بما عرف في كتب الأصول بالأحوال الشخصية للرقيق وبما جعل مسألة التسري بالإماء في ظل القواعد الشرعية والأعراف التي تحكم المجتمع الإسلامي تختلف كثيراً عن مثيلاتها في المجتمعات الأخرى. فقد كان من طبائع الأمور في ظل الأعراف الاجتماعية التي سادت في كل الثقافات السابقة على الدين الإسلامي والحضارات التي تلته أيضاً في الظهور، أن للسيد الذي يسترق أنثى وتصبح جارية مملوكة له، سواء نشأت علاقة الاسترقاق هنا عن طريق الشراء أو السبي، أو بأي طريقة أخرى فإن لهذا السيد حقاً طبيعياً في أن يتخذ من جاريته جسداً للاستمتاع وذلك كما تقضي طبيعة أي علاقة متوقعة بين رجل وأنثى خاضعة له بملك اليمين.وبصفة عامة فبالنسبة لقواعد تسري السادة بإمائهن، فإن الملاحظة الأولى أن هذه القواعد كانت مشابهة في كثير من أوجهها لقواعد نكاح الحرائر، حتى أنه وبعد إلغاء الرق في مصر، فإن المحاكم الشرعية في البلاد كانت تطبق النصوص الشرعية المتعلقة بالزواج والطلاق عند نظر قضية تتعلق بالعلاقة بين أمة سابقة وسيدها مع الأخذ في الاعتبار أنه في ظل القواعد التي وضعتها الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بوطء الإماء، فإن تسري السيد بجاريته قد يكون منفذاً لها إلى العتق.)
الجواري المسلمات والجواري الكتابيات والجواري الكافرات
وعندما بدأت الشريعة الإسلامية في وضع القواعد المنظمة للتسري بالإماء بدأت ببحث أوضاع ثلاثة أصناف أولية من الجواري، هن على وجه الإجمال الجواري المسلمات، والجواري الكتابيات، والجواري الكافرات غير الكتابيات. فبالنسبة لتسري السيد بجاريته المسلمة، فقد اتفق علماء الأصول على أن للسيد المسلم أن يستمتع بجاريته المسلمة طالما لم يكن هناك مانع من صلة رحم، وكذلك اتفق الجمهور على عدم جواز وطء الجارية الكافرة غير الكتابية وكانت حجة جمهور العلماء في ذلك أن إباحة افتراش ملك اليمين في قوله تعالى: "إلا على أزواجكم أو ما ملكت أيمانكم" ثم نسخة بقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" ولم يخرج عن ذلك سوى طاوس الذي احتج بعموم الآية . أما بالنسبة للجارية الكتابية، فقد اتفق سائر العلماء على جواز افتراشها قياساً على جواز نكاح الحرة الكتابية، وإن لم يخرج من هذا الإجماع سوى الحسن بن علي.
ومع الأخذ في الاعتبار المبادئ الأساسية السابقة فإن قواعد الفقه الإسلامي والتي جاءت أيضاً بعد ذلك لتعالج مسألة استمتاع السيد بجاريته، جاءت كلها بصفة عامة لتقنين هذا الحق وتقييده في أحوال كثيرة، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤسسة الرق في كل الحضارات والثقافات التي عرفت علاقات استرقاق وقبلت بوجود هذه العلاقات، التي تظهر فيها قواعد قانونية ترقى إلى مرتبة الحلال والحرام تقيد حق السيد في الاستمتاع بجاريته، فلا يجوز للموقف عليه أن يطأ الأمة الموقوفة، وذلك لأن هذه الجارية إذا حملت من سيدها فإنها ستدخل في فئة أخرى جديدة هي فئة أم الولد، وهي بذلك ستصبح حرة هي وولدها من سيدها تلقائياً بمجرد موت سيدها، ولن يحق له بمجرد وضعها لمولودها حتى ولو نزل سقطاً ميتاً، أن يتعامل عليها مالياً بالبيع أو الشراء أو الهبة، أو الرهن، أو حتى الوقف أو أي تصرف آخر يؤثر على وضعها الجديد، ولنفس السبب لا يجوز للسيد أن يطأ جاريته المرهونة . كما منعت قواعد الفقه الإسلامي السيد من أن يطأ جاريته التي بعضها حر، كأن تكون الجارية مملوكة لأكثر من سيد وقام أحد هؤلاء بعتق نصيبه
الفرقة لأجل بين السيد وبين المكاتبة ووضع الجارية المدبرة
واختلف العلماء في جواز وطء السيد لأمته المكاتبة فحرم ذلك جمهور من الفقهاء، واستندوا في ذلك إلى أن وطء الأمة المكاتبة تقع الفرقة فيه إلى أجل آت وهو الأجل المتفق عليه في عقد المكاتب بين الأمة وسيدها، فانسحب عليه بذلك حكم النكاح إلى أجل وأجاز الإمام أحمد وداود وسعيد بن المسيب وطء السيد لأمته المكاتبة بشرط أن ينص السيد على ذلك في عقد المكاتبة بينه وبين أمته واستندوا في ذلك على مشابهة الأمة المكاتبة بالأمة المدبرة واتفق العلماء على جواز أن يطأ السيد أمته المكاتبة إذا عجزت عن الوفاء بفداء نفسها، وأقرت بذلك أو عجزها الحاكم . وحتى بالنسبة للأمة المدبرة، فعلى الرغم من أن جمهور العلماء قد أجازوا وطئها إلا أن ابن شهاب منع ذلك وكرهه والأوزاعي، وكان قياسهما على أن حال وطء الأمة المدبرة وهو بمثابة المنكوحة إلى أجل وهو زواج المتعة. كما عالجت الشريعة الإسلامية وقواعد الفقه الإسلامي حالة أخرى واردة فيما يتعلق بوطء الإماء وهي حالة الحر الذي يتزوج من جارية ثم يطلقها طلقة بائنة، فهل إذا اشترى هذا الحر الذي تزوج أمة، ثم طلقها طلاقاً بائناً، زوجته السابقة من سيدها سيحل لها وطئها بملك اليمين بعد أن حرم عليه نكاحها بزواج شرعي إلا بعد أن تتزوج غيره؟ فقد أجمع جمهور العلماء على أن هذا الحر حتى إذا اشترى زوجته السابقة وأصبحت جارية مملوكه له فلا يحل له وطئها بملك اليمين حتى تنكح زوجاً غيره حراً كان أم رقيقاً: "أخبرنا مالك أخبرنا الزهوي عن ابن عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أنه سئل عن رجل كانت تحته وليده ( ). فأبت طلاقها ثم اشتراها أيحل له أن يمسها فقال لا تحل له حتى تنكح زوجاً غير قال محمد وبهذا نأخذ هو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا" وإلى جانب القواعد الشرعية السابقة التي وضعت قيوداً على تسرى السادة بإمائهم لأسباب شرعية تتعلق بالوضع القانوني للرقيق الإناث، من حيث ظهور احتمالات جديدة يمكن أن تؤثر على الصفة القانونية عليهم من حيث الرق أو الحرية، فإن قواعد الفقه الإسلامي قيدت أيضاً تسري السادة بإمائهم وافتراشهم لهن لأسباب أخرى يظهر منها حرص الشريعة الإسلامية ليس فقط على حماية أواصر الرحم بين الرقيق وبعضه، والحفاظ عليها، وكذلك حفظ الأنساب في المجتمع الإسلامي، بل يظهر أيضاً تقدير الشريعة الإسلامية لهؤلاء الرقيق كبشر لهم مشاعر لا يجوز امتهانها وشخصية إنسانية، وإن كانت فاقدة للأهلية القانونية إلا أنه لا يجوز سحقها أو استلابها، ومن ذلك أن الشريعة الإسلامية حرمت وبصورة حاسمة أن يطأ الرجل الجارية وابنتها، أو المرأة وأختها بملك اليمين " وهو ما رواه الزهري، في موطأ الإمام مالك: باب الرجل يجمع بين المرأة وخالتها، والمرأة وعمتها في ملك اليمين عن عبيد الله بن عتبة بن أبيه، أن عمر سئل عن المرأة وابنتها مما ملكت اليمين، اتوطأ إحداهما بعد الأخرى؟ قال: لا أحب أن أجيزهما جميعاً ونهاه" .