تعاني الدولة المصرية من زيادة غير طبيعية في السكان بشكل يلتهم الاقتصاد القومي ويعيق معدلات التنمية في كافة المجالات، حتى وصل عدد المصريون إلى ٩١ مليون نسمة طبقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فالزيادة السكانية تستدعي البقاء على الفقر والجهل والأمية في عدد من الفئات والمجتمعات وبذلك فهي نقمة لديهم.. وفي الوقت ذاته يمكن أن تكون "نعمة" عند تبديل الحال، وخلق مجتمع واع ومثقف ومنتج ولذلك فإن السكان ملف أمن قومي.
"أهل مصر" حاور د. مايسة شوقي نائب وزير الصحة والسكان للسكان حول هذا الملف الشائك، وهي أستاذ ورئيس قسم الصحة العامة سابقا بكلية الطب جامعة القاهرة ولها باع طويل في التلاحم مع الجمهور من خلال الأبحاث والدراسات والتجارب التي اشرف عليها أو ساهمت في إجرائها بقرى ونجوع مصر.
>> في البداية ما هي أهم التحديات التي تواجه السكان في مصر، وما تداخلاتكم بشأنها؟
- يواجه السكان تحديات عديدة تختلف حسب المناطق والأماكن التي يعيشون بها، ومنها مناطق ليست فيها تغطية كافية في عدد المدارس، وبالتالي يحتاج الطلاب والتلاميذ للانتقال لمناطق أخرى تبعد عن مقار سكنهم، مما يحمل الأسر اعباء كثيرة وتكاليف إضافية، وتفقد بعض الفتيات التعليم لهذا السبب.
ومناطق أخرى تواجه أزمة في مياه الشرب إما لعدم وجودها أو تلوثها وخلطها بمياه الصرف الصحي، ومناطق ثالثة تواجه تحديات كبيرة وهي وقوع ضحايا عديدة لجريمة ختان الإناث وكانت آخرهم طفلة عمرها ١٧ عامل من محافظة السويس وتدعى ميار محمد سعيد، والتي لاقت حتفها على يد طبيبة في مستشفى خاص أثناء إجراء عملية ختان لها، فرغم وجود برنامج قومي ناجح لتمكين المرأة وختان الإناث إلا أن مردوده أقل مما نتوقع، لأن هذه الظاهرة تلتصق بالعادات والتقاليد والدين نوعا ما، ويتمسك بها المواطنون خاصة في المجتمعات الريفية.
>> كيف تتابعين أنشطة المجلس بالمحافظات؟
- أتلقى تقرير شهري من المناطق المختلفة بالمحافظات، ومثلا في حالة وجود شكوى من عدم وصول الخدمة الصحية لها مثل تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية فإننا نذهب لتغطية الخدمة بتلك المنطقة، وتتعاون وزارة التضامن تداخلات للمعاشات والمرأة المعيلة، ونتعاون مع الجمعيات الأهلية في الوصول للجماهير المستهدفة.
>> ما هو دور المدن الجديدة في إعادة توزيع الخريطة السكانية؟
- إعادة توزيع السكان على الرقعة الجغرافية يشعر المواطن بالارتياح للمنطقة التي يعيش فيها، فبدلا من تكدس 4 آلاف نسمة في كل كيلو متر مربع، سوف تكون هناك ظروف معيشية أفضل، فكل مواطن يتطلع للحياة في ظروف أفضل، لذلك فإن المدن الجديدة هي مناطق جذب لهم حيث تتلافى التحديات، وفيها بنية تحتية سليمة.
>> هل تهتمون بتدريب بالكوادر البشرية المعنية بالتفاعل مع الجمهور العام؟
- نعتمد على تدريب مؤسسي لكل إدارة في كافة المجالات ومنها الإحصاء وتداول المعلومات والخطط السكانية، والمتابعة والتقويم، وهو تدريب على القيادة والإقناع والاتصال، وتحسين نوعية التعامل مع الجمهور، والتدريب على إعداد للخطط والمتابعة والتقييم، وتدريب على تطوير الآداء.
>> ما طبيعة التعاون بين مجلس للسكان ومنظمات المجتمع المدني ووزارة التضامن الاجتماعي للوصول للمواطنين في كافة ربوع مصر؟
- يتعاون المجلس مع وزارة التضامن الاجتماعي، والتي أمدتنا بمعلومات عن الجمعيات الأهلية في كافة المحافظات، واجتمعنا معهم لبحث الشفافية والوضوح في التعامل مع الجمعيات، ووضعنا خطة للمناطق التي تستدعي سرعة التدخل، وحصلنا من وزارة الصحة على خريطة بالمناطق الأكثر احتياجا، ولا توجد فيها تنظيم أسرة أو فيها ارتفاع في معدلات المواليد، وانتهينا من التلاحم مع الجماهير في 9 محافظات حتى الآن هي الاسكندرية والبحيرة والجيزة والمنيا وأسيوط وسوهاج والاسماعيلية والشرقية والفيوم.
>> هل يحدث صدام بين أهدافكم التي تسعون لتوصيلها للجمهور وبين المعتقدات القديمة لدى المواطنين؟
- هناك بالفعل عادات موروثة ليست لها علاقة بالصحة ولا بالدين، وتحتاج للتدخل المستمر، وتحديدا جريمتي ختان الإناث والزواج المبكر، فهما منتشرتان في القرى الريفية والصعيد بشكل كبير، وهناك تداخلات قوية بشأنها بمجلسي الطفولة والأمومة والسكان بالتعاون مع الجهات المعنية الأخرى.
>> ما دوركم في توعية سكان العشوائيات؟
- تحتاج العشوائيات لأسلوب منهجي يختلف عن الذي نتعامل به في الريف والحضر، وسكانها نازحون إليها من مناطق أخرى، وبها الكثير من قلة الخدمات والمشاكل البيئية، ونكثف بها الندوات التثقيفية بالتعاون مع المجلس القومي للثقافة، والقومي للمرأة، ووزاة الشباب والرياضة، للتوعية بالصحة الإنجابية، والإصحاح البيئي، والوقاية من الأمراض المعدية والمزمنة، ونعد مبادرة تحمل اسم "الرائد الجامعي" من شباب الجامعات الذين يتم تدريبهم على رسائل تثقيفية للمواطنين من نفس الأماكن التي يعيشون فيها.
>> ما هو هدفكم من الوصول بعدد المواليد مستقبلا؟
- نستهدف فعلا الوصول إلى أن تلد كل سيدة 2.4 طفل أي ٢٤ طفل لكل ١٠ سيدات عام ٢٠٣٠، وأن تكتفي الأسرة بطفلين أو 3 على الأكثر، ويتولى المجلس توعية المواطنين للنزول بالعدد الحالي من المواليد وهو ٣٥ طفلا لكل ١٠ سيدات في سن الحمل وهو من ١٥ إلى ٤٩ عام.
>> ما دور الخطاب الديني في رسائلكم السكانية؟
- لدينا منهج للدعاة والقساوسة تم وضعه بشراكة كاملة مع الأزهر والكنيسة، ويتم تدريب الدعاة على توصيل رسائل المجلس القومي للسكان في خطب الجمعة واللقاءات الشخصية بينهم وبين الجمهور، وتم تدريب 50 من الدعاة مركزيا، وسيتم تدريب عدد آخر خلال الفترة المقبلة.
>> ما دور المحافظين من حيث التعاون معكم في الآداء السكاني؟
- نقيم الآداء السكاني لكافة المحافظات بالتعاون مع المحافظين الذين يشرفون معنا على التنفيذ، والمجلس الإقليمي للسكان بكل محافظة يكون بقيادة المحافظ، والذي يساعد وجوده في تنفيذ الخطط السكانية، وتذليل العقبات في حالة عدم تعاون ممثلي الوزارات.
>> مصطلح "الارتقاء بالخصائص السكانية" يتكرر كثيرا في الرسائل السكانية، ماذا يعني؟
- يعني زيادة نسبة التعليم ومنع التسرب منه، واستكمال تعليم الفتيات، وتحسين صحة المواطنين والتوعية بالأمراض المعدية والغير معدية في المجتمع، والناتج يكون إنسان متعلم بصحة جيدة، إضافة إلى توفير عمل للمرأة خارج بيتها لاكتساب المهارات الحياتية وتخفيض رغبتها في الإنجاب، ومناهضة العنف ضد المرأة والتركيز على الحالة الصحية والتغذوية للمصريين، بحيث نستغني عن التدخل بالدواء من خلال التدخل بالتغذية.
>> هل لديك خطة مستقبلية للنهوض بقطاع السكان؟
- أعددت خطة تغطي كافة محافظات مصر في وقت واحد وبنظام مؤسسي، وتكون هناك رقابة وتقييم لكافة الجهات المشاركة في تنفيذ الخطط السكانية، فتطبيقها يستلزم آداء مؤسسي لكل الوزارات والهيئات القومية، والوصول لفكر هادف لتنفيذ المهام.