تحل اليوم ذكري ميلاد فارس الغناء الشرقي الأصيل المطرب صالح عبد الحي، الذي عرف عنه حبه الشديد للموشحات بالذات الصهبجية، حيث تعلم موازي الإيقاعات "الضروبات" وهي أسس الفن الموسيقي، وذلك من الحاج راشد والحاج خليل وعزوز الصهبجي، وكان ذلك في الوقت الذي تغني فيه "الصهبجية"، كلاما غير موزون، إلا أنها كانت تتحايل على وزن الضروب في اللحن ببعض الآهات.
وتعلم فن الموسيقي عندما تتلمذ علي يد محمد عمر عازف القانون الكبير في تخت يوسف المنيلاوي، وتخت عبد الحي حلمي.
استطاع "عبد الحي" أن يتفوق علي زملائه ويغني في الأماكن المفتوحة أو المغلقة، والسرادقات، حتى ظهرت الإذاعات الأهلية، وبعدها إذاعة الدولة، الأمر الذي جلب فرحة كبيرة لمحبي فن صالح لكي يستمعوا إلى غنائه.
غنى صالح عبد الحي ألحان الملحنين القدامى والمحدثين الذين حافظوا على روح الغناء المصري الأصيل مثل، محمد القصبجي، مصطفى رضا بك، أحمد عبد القادر، أحمد صدقي، مرسي الحريري، محمد قاسم.
تميزت حياة "عبد الحي" بالبزخ حيث احتفظ لنفسه بعيشة الملوك والأمراء فكان صديقا للملك فؤاد في سهراته، وسكن قصرا على النيل وكان يعمل لديه خمسة من الخدم وكان له حراس في جولاته ويسير في عربة تجرها الخيول، إذ كان وحيدًا، غير متزوج، وعاش حياته طولا وعرضا للغناء ولنفسه، حاملا راية الغناء المصري قديمه وحديثه، حفيظا على التراث العربي الأصيل.
فضل "عبد الحي" أن يعيش عازبا لتفضيله الغناء، وكان أول مطرب يغنى في الإذاعة عند افتتاحها عام 1934 وقدم أغانيه على مدى خمسين عاما حتى رحل في 3 مايو 1962، ولم يستطع التليفزيون تسجيل أغانيه لمرضه.
استطاع أن يساهم في مجال المسرح الغنائي، فعندما اختلفت منيرة المهدية، مع محمد عبد الوهاب، عام 1927 أثناء تقديمها للمسرحية الغنائية "كليوبترا ومارك أنطوان"، دعت منيرة صالح، عبد الحي لكي يقوم بدور أنطونيو.
وفي عام 1929 كون "عبد الحي" فرقة مسرحية غنائية ولحن له زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ولكن كان المسرح الغنائي قد أفل نجمه، وعندما حلت الأزمة الاقتصادية تدهور حال المسرح وحلت فرقة عبد الحي.
أما عن علاقته بكبار المطربين، فكانت متغيرة ليست ثابتة، فعندما سئل عن أم كلثوم وصفها بالهرم، بينما كان دائما يهاجم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب منتقدا موسيقاه، قائلا: "لا هي شرقية ولا هي غربية فإنها تشبه طفلة جاءت من أم شرقية مسلمة وأب ألماني مسيحي أي أنها طفلة غير شرعية مثلها مثل موسيقى عبد الوهاب".
وأضاف أن الموسيقى الشرقية لا تعترف بعبد الوهاب، لأن موسيقاه من وجهة نظره مزيج من الموسيقى الغربية والشرقية، وأن الغناء الشرقي الصميم مملكة بلا عرش وعبد الوهاب ليس ملكا، وإذا اعتبر نفسه ملكا فهو كالملوك الذين يعيشون في أوروبا بلا عروش.
جدير بالذكر ان المعلومات حول مولد صالح عبدالحي متضاربة، بعضها يعود إلى عام 1889، بينما يري آخرون أنه من مواليد 1896.
ويعتبر "عبدالحي" حلقة الوصل بين عهدين منفصلين من عهود النهضة الفنية وهما عهد عبده الحامولي ومحمد عثمان وعهد أم كلثوم وعبد الوهاب ورياض السنباطي الذي لحن له باقة من أجمل أغانيه، وجميعهم صحبة كانت تحيي الحفلات الساهرة حتى مطلع الفجر.