فيما توجه تركيا أصابع الاتهام في الانقلاب الفاشل علي الرئيس رجب طيب اردوغان إلي فتح الله كولن الهارب في امريكا، تستميت الولايات المتحدة في الدفاع عن الرجل، وترفض تسليمه لأنقرة بحجة عدم وجود أي دليل علي تورطه في الانقلاب كما يدعي أردوغان.
من جانبها قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في افتتاحيتها أنه ينبغي على جو بادين، نائب الرئيس الأمريكي، أن يوجه رسالة قاسية إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفادها أن الولايات المتحدة لم يكن لها أي دور في التحريض على الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا مؤخرًا، وأنها في الوقت نفسه لن تتخلى عن رجل الدين التركي فتح الله كولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب.
وتقول الصحيفة: "عندما يلتقى بادين الرئيس التركي أردوغان في أنقرة هذا الأسبوع، عليه أن يتحلى بالصبر الشديد ويحشد كل مهاراته الاقناعية؛ إذ إن أردوغان الذي نجا من محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف شهر يوليو الماضي التي استدعت خروج الحشود الضخمة إلى الشوارع، أعقب ذلك بشن حملة تطهير كاسحة تستهدف من يتصور أنهم أعداءه، ومن ثم فإن بادين يحتاج إلى إيصال رسالة قاسية إلى الرئيس التركي".
طمأنة أردوغان
ولفتت واشنطن بوست إلى أن بادين كان في الماضي يولي أهمية لتركيا بصفتها حليفًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحجر الزاوية في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من الاضطراب، وهي أمور لا تزال صحيحة، ويجب ألا يتردد بادين في طمأنة أردوغان من جديد إلى أن الولايات المتحدة وتركيا لديهما مصالح حيوية، ليس أقلها محاربة تنظيم داعش الإرهابي وإنهاء الحريق الذي يستنزف سوريا.
وتضيف الصحيفة أن على بادين أن يوضح أيضًا أن الولايات المتحدة تتفهم مدى معاناة المدنيين الأتراك من جراء الهجمات الإرهابية، مشيرة إلى أن تركيا تشارك في المهمة النووية لحلف الناتو، ويتم تخزين الأسلحة النووية في مستودعات خاصة داخل أراضيها، ولذا يجب أن يبذل بايدن قصارى جهده في اقناع أردوغان أن الولايات المتحدة لا ترغب في زعزعة استقرار تركيا.
سلطوية أردوغان
ولكن أردوغان، بحسب واشنطن بوست، لن يرغب على الأرجح في سماع بقية الرسالة التي سوف يوجهها إليه بادين؛ إذ أن محاولة الانقلاب (التي راح ضحيتها 240 شخصًا) قام بها على ما يبدو ائتلاف واسع من ضباط الجيش الساخطين وغيرهم الذين يشعرون بالقلق إزاء ميول أردوغان السلطوية. وتعتبر الصحيفة تدفق الأتراك إلى الشوارع لمواجهة مدبري الانقلاب بمثابة علامة مشجعة على عدم قبول الشعب للديمقراطية الممزقة، ولكن الاجراءات التي اتخذها أردوغان منذ ذلك الحين قد أدت إلى تقويض الديموقراطية وسيادة القانون بشكل خطير.
وتقول واشنطن بوست: "ألقى أردوغان مسؤولية تدبير الانقلاب في المقام الأول على رجل الدين فتح الله كولن، الذي يعيش في منفى اختياري بولاية بنسلفانيا الأمريكية، ويُعد كولن بمثابة الملهم بشكل كبير لحركة المجتمع المدني والتعليم في تركيا، وكان من قبل حليف أردوغان حتى اختلف معه في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من اتهامات أردوغان، فإن كولن أوضح أنه لم تكن له أية علاقة بتدبير الانقلاب وأدانه".
رسالة قاسية
وبينما شارك، على الأرجح، بعض مؤيدي كولن في محاولة الانقلاب الفاشلة، فإن الهجوم الذي شنه أردوغان ضد كولن وحركته قد تجاوز ذلك إلى حد بعيد؛ حيث تشير السلطات أنه تم إغلاق 4262 مؤسسة وشركة مرتبطة بـ"كولن"، واعتقال أكثر من 40 ألف شخص. وفيما يتعلق بالجيش والشرطة والخدمة المدنية، فقد تم إعفاء 79،900 شخص من الخدمة، وعلاوة على ذلك جرى إطلاق سراح 38 ألف سجين لتوفير أماكن للمعتقلين الجدد. وطالب أردوغان الولايات المتحدة بتسليم كولن، ولكن، بحسب تصريحات مسؤول أمريكي بارز لصحيفة واشنطن بوست، فإن المواد التي قدمتها تركيا في هذا الشأن حتى الآن لا تشمل أدلة تثبت تورطه في تدبير الانقلاب.
وتختم الصحيفة بدعوة بادين إلى مصارحة أردوغان بالرسالة القاسية التي لا يرغب في سماعها، ومفادها أن الولايات المتحدة لم تحرض على الانقلاب، وأنها لن تتخلى عن كولن وتقوم بتسليمه إلى أردوغان، وعلاوة على ذلك يجب أن يتم تذكير أردوغان بأن قيامه بسحق سيادة القانون لن يسفر عن شيء سوى تقليص فرص تركيا؛ إذ ربما ينعم أردوغان بالحشود المؤازرة له اليوم، ولكن استخدام الانقلاب ذريعة لتطهير وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وغيرها من الأصوات المستقلة لن يقود إلى تعزيز تركيا على المدى البعيد.