لكم تمنيت أن يغلبنى الهوى فى حبك مولاي، في حضرتك تتلاشى الأِشياء لا يغيب عن ذهنى أبدا مشهد بعض المتصوفة حقا وصدقا حين يهيم بهم العشق فيقول يا الله تخرج من وتين قلوبهم، كنت أشعر وكأنهم يجددون بها عهدهم مع بارئهم أو كأنهم يستمدون بها ترياقا للحياة يعينهم على صعوباتها التي وضعت في طريقهم لتختبر مدى تعلقهم بالله وصدق عهدهم معه فتخرج "يا الله" كأنهما تثبت أوتاد الكوكب وتقيه شرور ما ستجد من حوادث وما اسِتُحدثَ.
في عشقك سيدى ومولاي تتلاشى الدرجات تميز البشر .. فمن أتي إليك جاء راغبا عاشقًا أذابه الشوق لقربك بعد أن تعب من ويلات الحياة .
أتذكر سائق عربة التقيت به منذ أسابيع يمكن أن يكون بلغ العقد السابع من عمره، كان يستمع لإذاعة القرآن الكريم، وعندما يسمع القارئ يبدأ بالآية فيكمل وراءه بسرعة ثم يلتف لي قائلا :" شوفي أنا حافظ إزاى"، كان في قمة سعادته وهو يحكي لي أنه لم يتعلم القراءة والكتابة ولكنه بعد أن شغلته الدنيا سنين لا يعلم عددها إلا الله ، طلب من الله قربه ووصله فذهب له راغبا طلب منه أن يعلمه القرآن بدأ يستمع لإذاعة القرآن وكان يتعجب من سرعة حفظه، وأكمل قائلا:" ايوه يا بنتى أنا بحب ربنا وكنت عاوز أقربله قولتله يارب علمنى كلامك وحفظهولي.. ما أنا لازم أحفظ علشان لما أخش التربة أعرف أقول" تعجبت منه حقا كيف لهذا الرجل أن يضعني أمام نفسى ليكشف تقصيري وتقصير جيل بأكلمه، أخذته الحياة لطريق يصعب الرجوع منه، أفقت من تفكيرى على كلام ذلك الرجل وهو يقول: "يابنتى أنا طلبت من ربنا أنه يخلي القرآن في قلبي والدنيا في إيدى، الدنيا لو بقيت فقلبي هتلهينى عن مولاي وسيدي تانى وأنا مصدقت عرفت طريقه والدنيا لما كانت فقلبي تعبتنى أوى يابنتى حب ربنا غلب حب الدنيا جوايا" تذكرت حينها أم كلثوم حين قالت: "هو صحيح الهوى غلاب".
طريقك إلى الله لا تحتاج فيه غير هواك وقلبك فقط وعندها ستحصل على غايتك سيترتوي قلبك من نهر العشق ولكنه لن يرتوي أبدا، أتذكر مولانا جلال الدين الرومي حين قال: "أرسل الفكر العقل إلى مدرسة العشق فلم يتعلم شيء، فأرسل القلب فتعلم كل شيء"
طيبوا قلوبكم بالقرب من الله عز وجل في رحابه تنتهى المشاق والمتاعب، منك سيدي المُبدأ وإليك المُنتهى ..
طبتم وطابت قلوبكم